«كاندى كراش».. نضال المُهرجين فى مسرح «الشمس»
«كاندى كراش» لعبة ذات شعبية كبيرة على الموبايل، يعرفها كل الأطفال، لذا كان من ذكاء المؤلف سعيد حجاج، والمخرج محمد متولى، مدير مسرح «الشمس»، أن يستخدما اسم اللعبة وشخصياتها، فى العرض المسرحى الذى يعرض حاليًا على المسرح، فى الحديقة الدولية بمدينة نصر، الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، فى تمام الرابعة عصرًا، وهو مفتوح مجانًا أمام الجمهور من الأطفال والكبار رواد الحديقة.
العرض أنتجته منذ عدة سنوات فرقة مسرح «الشمس» لذوى الاحتياجات الخاصة، والذى صدر قرار بإنشائه، فى ٢٢ مارس ٢٠١٨، تماشيًا مع سياسة الدولة فى تحقيق العدالة الثقافية، ومبدأ تكافؤ الفرص.
وحينها صدر قرار وزارى بإنشاء «فرقة الشمس لذوى الاحتياجات الخاصة»، ومقرها مسرح الحديقة الدولية فى مدينة نصر، إعمالًا لمبادئ دستور ٢٠١٤، الذى نص فى مادته رقم «٨١» على أن «تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وقصار القامة صحيًا وثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وترفيهيًا ورياضيًا وتعليميًا، وتوفير فرص العمل لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم وممارستهم جميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالًا لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص».
تلك المادة الراقية والإنسانية فى دستورنا منحها رئيس الجمهورية أولوية التحقق على أرض الواقع، فذوو الهمم لم يكونوا أبدًا قبل ذلك فى بؤرة الضوء، لم يكونوا مرئيين، ولم تكن هناك خطط لتفجير طاقاتهم الإبداعية، وتفعيل دورهم فى خطط التنمية، وإيجاد مكان لهم، وتهيئتهم لسوق العمل.
بل على العكس، كانت هذه الفئة منبوذة مستبعدة من المجال العام، يخبئهم الأهالى فى البيوت، ولا يجيدون التعامل معهم، يتعرضون للتنمر والإيذاء الجسدى والنفسى من أقرانهم الأصحاء، وأحيانًا من ذويهم.
والآن تعتمد «فرقة الشمس»، فى كل عروضها المسرحية، منهج دمج ذوى الاحتياجات فى العرض المسرحى، كما تعمل على تمكينهم، عبر التدريب المستمر فى ورش متنوعة، ما بين غناء وتمثيل ورقص وورش إبداعية متنوعة، لذا قد لا تفرق بينهم وبين زملائهم من الفنانين، فى عرض «كاندى كراش».
وتدور أحداث «كاندى كراش» حول مسرح مهجور، يعيش بداخله عدد من الزواحف والحيوانات الأليفة «حية، سحلية، صرصار، كلاب، قطط»، تعيش حياتها العادية بصراعاتها الطبيعية، التى تدور فى معظم الأحيان فى إطار الاحتياجات الغرائزية، مثل الطعام والشراب والتكاثر، وهى متعايشة رغم تباينها، فبينها نوع من التعايش السلمى.
يستمر هذا إلى أن تعرف- عن طريق الصدفة- أن ثمّة صفقة يتم تدبيرها بين «كوزى» مدير المسرح، وليبرمان رجل الأعمال الذى يرغب فى شراء أرض المسرح ليقيم فوقها برجًا شاهقًا، وأن «كاندى» و«كراش»، المهرجين اللذين كانا يعملان فى المسرح، وشريكى «كوزى»، ضد هذه الصفقة، فهما لا يطمحان للمال، بل لعودة المسرح إلى سابق عهده، وإعادة الأطفال له.
تنقسم الحيوانات والزواحف إلى فريقين، فريق يرغب فى إفساد الصفقة، ويضم كلًا من: «الحرباء، السحلية، الفار، وصرصور وزوجته»، الراغبة فى أن يظل المسرح مكانًا مهجورًا يؤويها من شرور العالم، وفريق يساند «كاندى» و«كراش»، ويضم كلًا من: «القطة، ريتا الكلبة البلدى، كلبوبة الكلبة الجولدن»، فى وجه تلك الصفقة، ويشارك الاثنان فى حلم أن يعود المسرح للعمل، ويستعيد الأطفال الذين انجذبوا إلى عالم الموبايل و«السوشيال ميديا».
ويتضامن الجميع لإفساد تلك الصفقة فى نهاية الأمر، ويستطيعون إجبار «كوزى» على إعادة الأموال، وفسخ التعاقد المزور الذى حرره مع «ليبرمان»، الرجل الثرى الذى اشترى المسرح.
يؤثر هذا التآزر فى «ليبرمان»، فيقرر أن يعطيهم المال لإعادة افتتاح المسرح، وتقديم فنهم مرة أخرى، ويحتوى «كاندى» و«كراش» الحيوانات الغاضبة، ويقرران إشراك جميع الحيوانات والزواحف المقيمة فى العرض المسرحى.
عالج العرض فكرته فى إطار كوميدى غنائى ملائم للأسرة والطفل، فهو على المستوى الموضوعى يحترم ذهنية الطفل، ولا يقلل من شأنها أو يبتذلها، ومن ناحية أخرى يعتنى بالجماليات والألوان الجاذبة بصريًا للطفل، ليصبح المسرح- على نحو ما- منافسًا لألعاب الموبايل الملونة والجاذبة، بتكويناتها البصرية للطفل، الذى يلزم أن يكون مسرحه فى تلك المرحلة قادرًا على المنافسة.
«كاندى كراش» تقدم رسالة ضمنية للطفل والأسرة، مفادها أن اللقاء والتفاعل الحى لا بديل عنهما، وأن «كاندى كراش المسرح» أكثر إمتاعًا واتصالًا وتواصلًا من «كاندى كراش اللعبة الإلكترونية»، فعلى الأقل تستطيع بعد انتهاء العرض أن تذهب لتلتقط الصور التذكارية مع «كاندى» و«كراش» وباقى شخصيات العرض، فضلًا عن الرسائل الموازية للعرض، مثل التشبث بالحلم، والانتماء، وقبول الآخر، والتسامح، وقوة الاتحاد.
تضافرت عناصر العرض مع نص الكاتب سعيد حجاج، وفى إطار رؤية المخرج محمد متولى، لتحقيق تلك الصورة الجاذبة القادرة على المنافسة، وذلك عبر الألوان الزاهية والمتنوعة فى الديكور لحازم شبل، والأزياء لريم هيبة، والماكياج لإسلام عباس وجهاد سعيد، والعرائس لهبة بسيونى.
وامتدت تلك الحالة الجمالية موضوعيًا، عبر أشعار بلال إمام، وألحان حازم الكفراوى، واستعراضات ضياء شفيق. كما جاء أداء الممثلين بسيطًا ومُبهجًا، وقد تفاجأت شخصيًا بقدرة الفنان الكبير شريف صبحى على تخليق الكوميديا، وهو صاحب التاريخ الممتد فى التراجيديات والأعمال الجادة، كذلك شيماء عبدالناصر فى دور «كاندى»، وإبراهيم الصعيدى فى دور «كراش»، فقد كانت طاقتهما متوهجة، وحضورهما على الخشبة متناغمًا وجاذبًا الطفل، وكذلك باقى الممثلين فى كل الأدوار.
أخيرًا يحلو لى أن أؤكد أن مسرح «الشمس» يحتاج إلى تضافر جهود الدولة، ورجال الأعمال من أصحاب رءوس الأموال الوطنية وذوى المسئولية الاجتماعية، للمشاركة فى تطوير هذا المنجز الحضارى الكبير.
المسرح يحتاج إلى تطوير فى بنيته، حتى يصبح مهيأ على نحو أفضل لاستقبال جميع الحالات من ذوى الاحتياجات، كما نحتاج إلى نشر الفكرة الملهمة داخل مصر، فلماذا لا تشرق تلك الشمس فى محافظاتنا وقرانا أيضًا وما أحوجها إلى ذلك؟
إن هذا المنجز الكبير هو واجهة حضارية مهمة لمصر، وتجربة غير مسبوقة فى الوطن العربى وإفريقيا، تستحق كل الدعم والمساندة، كما تستحق أيضًا النشر، وهنا يتبادر إلى الذهن هذا السؤال، انطلاقًا من ريادة مصر الثقافية فى المنطقة، ومسئوليتنا التاريخية ثقافيًا وحضاريًا: لماذا لا نستنسخ التجربة فى الوطن العربى وإفريقيا؟