القاضي محمد خفاجي في دراسة جديدة: صوت المرأة يصنع الفارق بالانتخابات
إن منطقة الشرق الأوسط تمر بظروف إقليمية ودولية بالغة التعقيد، حيث يشهد عالم اليوم مخاطر محتملة وتحولات سياسية وثقافية واستراتيجية كبيرة نتيجة احتكار النظام الأحادي وصراع الدول الكبرى لجعله متعدد الأقطاب، ويأتى الاستحقاق الدستورى المصرى بإجراء الانتخابات الرئاسية وسط زخم هذه الأحداث.
وما يهم المواطن المصرى هو أن يأتي رئيس قوي قادر علي مواجهة التحديات للحفاظ علي قوة مصر فى ظل ملفات دولية وإقليمية غير طبيعية ومعقدة مما يستلزم استنهاض الوعى العام بالمشاركة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية.
وقد أجرى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بدراساته القومية والوطنية دراسة قيمة بعنوان: " ضمانة المشاركة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية الطريق الاَمن لاستقرار الوطن وتنميته.دراسة تحليلية فى ضوء العالم السياسى الجديد ودور قوى السيادة الاجتماعية فى حوار الجماهير " نعرض فى الجزء الخامس عن رؤية المفكر الكبير لدور المرأة فى المشاركة الشعبية ونضالها وأسبقيتها على مثيلاتها فى البلاد العربية فى مجموعة من الأفكار الجديرة بالتأمل والتنوير المعرفى والوعى العام.
وتدور رؤيته حول أن المرأة هى الداعم الحقيقى لحق الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية وصوتها يصنع الفارق، ويكشف عن مفاجأة تاريخية لمن يجهل قيمتها: المرأة المصرية بنضالها أول إمرأة عربية أنهت الاحتكار الذكورى لحق التصويت --وأسست أول حزب سياسي نسائى عام 1942 قبل خلق بعض الدول!وحصلت على حق التصويت منذ دستور 1956 ، والمرأة هى الداعم الحقيقى لحق الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية وصوتها يصنع الفارق، وعلى المنظومة الإعلامية الإقلاع عن الأشكال النمطية لشخصية المرأة فهى قيمة أخلاقية ووطنية وشريك فاعل ومؤثر في مسار التعبير الانتخابى، وأن حق المرأة فى التصويت الانتخابى مر عالميًا بمراحل نضال للنساء الإنجليزية والبلجيكية والروسية وكانت المرأة المصرية حاضرة فى قلب الحدث العالمى، ومن حق المرأة المصرية التمتع بجزء من السلطة السياسية، فلا حق لنا نحن الرجال فى احتكار نصيبها من المجهود القومى وانكار ذاتيتها، وأن الفتاوى السياسية البائدة تعادل بيع الأسلحة الفاسدة -- وتحريم صوت المرأة الانتخابى تطرف دينى!
أولًا: المرأة المصرية بنضالها أول إمرأة عربية أنهت الاحتكار الذكورى لحق التصويت--أسست أول حزب سياسي نسائى عام 1942قبل خلق بعض الدول! وحصلت على حق التصويت منذ دستور 1956
يقول الدكتور محمد خفاجى لم تيأس المرأة المصرية العظيمة الطموحة منذ أول قانون انتخاب عام 1883 بل كافحت سنين عددا ليتحقق لها الحلم، فتم تأسيس أول حزب سياسي للمرأة تحت اسم الحزب “النسائي المصري” عام 1942، وذلك قبل خلق بعض الدول للوجود ! وكانت أختها فى البلاد العربية بالخيام ! وطالب الإتحاد النسائى المصرى فى عام 1947 بضرورة تعديل قانون الانتخاب بإشراك النساء مع الرجال في حق التصويت وأن يكون للمرأة جميع الحقوق السياسية، وبفَضل كفاح المرأة مَنَح دستور 1956 المرأة المصرية لأول مرة حقوقها السياسية الكاملة بعد حرمانها من حقوقها السياسية فأبسط قواعد الديمقراطية تلك التى تجعل الحكم للشعب كله بذكوره وإناثه، وليس لجزء منه فقط، ومن ثم استطاعت المرأة المصرية أن تنهى مبكرًا على الاحتكار الذكورى فى حق التصويت كأول مرأة عربية تحصل على هذا الحق.
ويضيف سبقت المرأة المصرية مثيلاتها فى كثير من دول العالم فى الوقت الذى كانت معظم الدول تأخذ بالاحتكار الذكورى فى مجال التصويت الذى كان باكورة بكفاحها ونضالها منذ عام 1883 ومضت سنوات الإصرار النسائى المصرى حتى أسست أول حزب سياسي للمرأة تحت اسم الحزب “النسائي المصري” عام 1942قبل خلق بعض دول العالم الحديث وكانت فرحتها عارمة منذ دستور عام 1956الذى توجه كفاحها بالاعتراف لها بحق التصويت مثلها مثل الرجل.
ثانيًا: المرأة هى الداعم الحقيقى لحق الاقتراع فى الانتخابات الرئاسية وصوتها يصنع الفارق
ويذكر الدكتور محمد خفاجى لقد أدركت المرأة المصرية منذ البداية أن صوتها يصنع الفارق فى المشاركة بالإدلاء بالصوت الانتخابى رغم التحديات الأسرية والمجتمعية المتداخلة، فالسلوك الانتخابى للمرأة المصرية صار يتجه إلى صوب الإيجابية، فقد أصبحت مدركة أن صوتها الانتخابى يصنع فارقًا كبيرًا ،وأنها جديرة بحقوقها التى كفلها لها الدستور والقانون وأنها باتت حرة الإرادة فى أن صوتها الانتخابى يذهب للمرشح الأكفأ القادر على تحقيق المصالح العليا للبلاد والتنمية للمجتمع، دون تأثير من الزوج أو الأبناء أو الأقارب أو العشيرة، فهى جزء أساسى من نسيج المجتمع ومؤثر جدًا فى العملية الانتخابية والمشاركة فى صنع السياسات.
ويضيف أن العقلية الأوروبية يدهشها حجم إيمان المرأة المصرية بقدرتها على التغيير نحو الأفضل وأن صوتها الانتخابى النابع من رغبتها الذاتية سيكون للمرشح الأقدر على تمثيل مصلحة المجتمع لأنها قاسم مشترك للرجل فى بيته كأم وزوجة وابنة وأخت وفى عمله كزميلة ، لقد أصبحت صناديق الاقتراع تشهد بقدرة المرأة المصرية ودورها الإيجابى فى تحويل الانتخابات إلى مناخ سياسى خاص أقرب للإنجاز الإصلاحى منه إلى مجرد الإدلاء بالصوت.
ويؤكد إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة من جانب المرأة هو في جوهره وحقيقته يمثل الدعم الحقيقى لحق الاقتراع،ولا ريب أن المرأة المصرية بتاريخها الحافل الطويل يجب أن يكون لها إسهاماتها المشهودة بالمشاركة في الانتخابات، وهى ممارسة لتوظيف إمكانياتها لخدمة الوطن ونحو الإصلاح الشامل ،والمرأة الشريك المعادل للرجل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تأكيدًا بقناعة دور المرأة الريادي وشراكتها مع الرجل، وتحفيزها على المساهمة النسائية في الحياة العامة، وتعزيز دورها السياسي الحاسم في مثل تلك الانتخابات انبثاقًا من وعيها وإدراكها لخطورة المرحلة ، الأمر الذى يبرهن على وجود إرادة قوية لدى المرأة وصولًا لتحقيق قيم المساواة الحقيقية فى الفرص والحقوق والواجبات.
ثالثًا: على المنظومة الإعلامية الإقلاع عن الأشكال النمطية لشخصية المرأة، فهى قيمة أخلاقية ووطنية وشريك فاعل ومؤثر في مسار التعبير الانتخابى
ويشير الدكتور محمد خفاجى إلى نقطة مهمة عن نظرة الإعلام للمرأة، بالقول إن الاهتمام بقضية المرأة هى قضية المجتمع كله وليس مجرد شعار، لأن المرأة قيمة أخلاقية ووطنية، مما يتعين معه من ناحية أولى مراجعة المنظومة الإعلامية التي يسودها تكريس الطرح التقليدي وكلاسيكية أدوار المرأة، من خلال التركيز على الأشكال النمطية لشخصيتها على حساب المعنى الحقيقي والصحيح للمفاهيم الجديدة التي أسفرت عنها جهود التنمية المستدامة في مصر، والتي تهدف إلى اندماج المرأة كشريك فاعل ومؤثر في مسار التعبير الانتخابى.
كما يتعين من ناحية ثانية أن يقوم الإعلام بمنح المرأة الريفية ذات الاهتمام الممنوح للمرأة في الحضر، والمرأة تستطيع أن تلعب دورًا كبيرًا للارتقاء بأحوال القرية، مما يتعين معه النهوض بالمرأة الريفية ووضعها على خريطة الإهتمام الإعلامى فيما يتعلق بالشأن العام .
رابعًا: حق المرأة فى التصويت الانتخابى مر عالميًا بمراحل نضال للنساء الإنجليزية والبلجيكية والروسية وكانت المرأة المصرية حاضرة فى قلب الحدث العالمى
ويطرح الدكتور محمد خفاجى مفاجأة تاريخية لمن يجهل قيمة المرأة المصرية ؟ فيقول إن حق المرأة فى التصويت الانتخابى مر عبر التاريخ الدستورى فى العالم بمراحل متطورة عانت فيها المرأة عمومًا بكافة الدول فى الحصول على حقها فى التصويت وكانت المرأة المصرية حاضرة فى قلب الحدث العالمى، ففى بلجيكا فإن المشرع الدستورى سنة 1921 أقر مبدأ الانتخاب السياسى للنساء مبكرًا، وفى إنجلترا مهد النظام الديمقراطى صدر قانون 6 فبراير 1918 كان يعطى حق الانتخاب للرجال متى بلغ سن الحادية والعشرين وللنساء متى بلغن سن الثلاثين ، وفى سنة 1928 صدر قانون للانتخاب بإنجلترا يسوى بين الرجال والنساء وبفضله أصبحت النساء أغلبية فى هيئة الناخبين بلغ عددهن فى ذلك الوقت 13،225،000 ناخبة من بين مجموع الناخبين البالغ قدره 25،092،536.
وفى روسيا أصبح للنساء الحق فى الانتخاب بمقتضى دستور 5 ديسمبر سنة 1936 وهكذا فى معظم الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، التى أقرت حق النساء فى الانتخاب.
أما فى مصر فقد سبقت مصر جميع البلدان العربية بشأن حق المرأة المصرية فى التصويت ،ومر أيضًا حق المرأة فى الانتخاب بمراحل تطور منذ قانون الانتخاب الصادر فى أول مايو 1883 الذى كان يقصره على كل مصرى، وفى قانون الانتخاب رقم 11 لسنة 1923 قصره على كل مصرى من الذكور ،وهكذا أيضًا فى قانون رقم 4 لسنة 1924 واستمر الوضع فى ظل دستور 1930، ثم صدر قانون الانتخاب رقم 38 لسنة 1930، ثم اُلغى هذا الدستور فى نوفمبر 1934 وإعادة قانون الانتخاب القديم رقم 11 لسنة 1923 ثم صدر قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935 مقررًا مبدأ الاقتراع العام المباشر دون السماح للمرأة بحق التصويت.وظلت المرأة المصرية تناضل كمثيلاتها الأوروبية للحصول على حقها فى التصويت الانتخابى، وهو ما كتب له النجاح مبكرًا، وسبقت فيه أختها فى جميع البلدان العربية على نحو ما سوف نرى.
خامسًا: من حق المرأة المصرية التمتع بجزء من السلطة السياسية، فلا حق لنا نحن الرجال فى احتكار نصيبها من المجهود القومى وانكار ذاتيتها
ويذكر المفكر الكبير إن مشاركة المرأة لحقها في التصويت لا ينشأ على محمل الفائدة العملية أو الفرصة السياسية، بل ينبنى على المبدأ الديمقراطى الذى يتطلب تمتعها بجزء من السلطة السياسية التى تسمح لها بأن تحافظ على شخصيتها وتحميها، وما المرأة إلا جزء من الأمة التى يجب أن تُستشار ، فأمام صندوق الانتخاب يتساوى أجهل الناس وأفقرهم مع أكبر رجال المال عتوًا ورجال الدولة علوًا كما يتساوى الرجال والنساء، فللنساء نفس المصلحة التى للرجال فى حُسن إدارة الشئون العامة، فهن يدفعن الضرائب ولهن مصالح اقتصادية يدافعن عنها، فلا حق لنا نحن الرجال فى احتكار نصيبها فى المجهود القومى وانكار ذاتيتها، وبهذه المثابة صار الاعتراف للمرأة بحقها فى الإدلاء بصوتها الانتخابى مبدأ عامًا فى العالم الحديث.
سادسًا: الفتاوى السياسية البائدة تعادل بيع الأسلحة الفاسدة -- وتحريم صوت المرأة الانتخابى تطرف دينى!
ويشير الدكتور محمد خفاجى لنقطة دقيقة تتعلق بالتطرف الدينى ضد المرأة، فيقول إنه من حين لأخر في أوقات الانتخابات ومواسمه يصدر بعض المتشددين من ذوى التطرف الدينى فتاوى سياسية شاذة في سوق الفتاوى السياسية قوامها تحريم الصوت الانتخابى للمرأة !، وهى في الحقيقة فتاوى بائدة تعادل بيع الأسلحة الفاسدة، فالدستور ساوى بين الرجل والمرأة في أداء الصوت الانتخابى منذ دستور 1956 والدساتير اللاحقة حتى الأن، كما أن الحقوق السياسية للمرأة أجازها لها الفقه الإسلامي، كحق الانتخاب، وحق الاستفتاء، وحق الترشيح لعضوية مجلس النواب وهو يدخل في باب الواجب الكفائى، فحقوق المرأة في الإسلام منحة إلهية، وحكم شرعي، لا يجوز لأحد انتقاصه، أو سلبه أو حتى المن بمنحه، وكل قول يحرم على المرأة حقها السياسى يبطل لمخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية التى هى المصدر الرئيسى للتشريع.
ويختتم إن الصراع الحضاري السائد في العالم والتحدي الصارخ الذى يواجهه العالم الإسلامي يفرض علينا أن تتكاتف الجهود، واشتراك النساء مع الرجال في كافة القضايا المصيرية للأمة حق وواجب، ولا يمكن أن تقوم للمجتمع قائمة وهو يهمش عنصرًا أساسيًا وركيزة من ركائزه بعيدًا عن معترك الحياة السياسية وهى العنصر الفاعل والمؤثر فيها.