"اسمحوا لي بالتلصص".. كتاب يجيب عن تساؤل "هل هناك أدب معني به؟"
صدر حديثا عن دار صفصافة للنشر والتوزيع كتاب "اسمحوا لي بالتلصص" للكاتب الصحفي محمد إسماعيل؛ يأتي الكتاب في 315 صفحة من القطع المتوسط، يبحث الكاتب عن إجابة عن سؤال هل يوجد ما يمكن أن يطلق عليه «أدب التلصص» ؟.
ويشير الكتاب إلى أن هناك أعمال عديدة وشهيرة ركزت على فكرة أن يطل البطل على العالم عبر تلك النظرة التي نسميها «متلصصة»: «الجحيم» لهنري باربوس، «الجميلات النائمات» لياسوناري كاواباتا، «التلصص» لصنع الله إبراهيم.
ولا يتوقف الكاتب والصحفي محمد إسماعيل زاهر في كتابه الجديد؛ الصادر عن دار صفصافة القاهرية بعنوان «اسمحوا لي بالتلصص»، عند تلك النماذج الواضحة في الأدب والتي كان التلصص مدارها، ولكن يحاول أن ينظر إلى الأدب بأكمله بوصفه موضوعا للتلصص على الذات والآخرين والعالم بأكمله، فكل حكاية كبرى تتأسس على التلصص: ألف ليلية وليلة، الأخوان غريم، حكايات الديكاميرون، حكايات أندرسون، أليس في بلاد العجائب، فكل تلصص في هذه الحكايات به قبس من طفولة، فالعين لم تتعلم بعد آداب وقواعد النظر، ولم تعاقب على ما تصطاده من مشاهد، عين الطفل منفلتة تتجول في العالم بحرية مطلقة وبجرأة تحسد عليها، عين الطفلة أليس نظرت في أركان العالم الموازية والمخفية وعقلها طرح أسئلة سيالة لم تعرف المحاذير او المحظورات وروحها لم تختنق أبدا بالخوف.
في الكتاب، يرى “زاهر” أن كل روائي كبير هو أيضًا متلصص كبير، وبعض الروائيين لم يفعلوا أكثر من كتابة تلصصهم في شكل مكثف، في «العمى» لساراماغو يفقد جميع البشر البصر عدا امرأة واحدة تتلصص عليهم وعلى العالم، وعندما انتهى وباء العمى واسترد الجميع قدرتهم على البصر كان لابد من التخلص من هذه المتلصصة بقتلها في الجزء الثاني من الرواية «البصيرة».
ويطرح الكتاب أسئلة عدة تتعلق بالتلصص: “هل يسعى المتلصص عن عمد وراء هتك كل مخبوء ومستور؟، هل يقتصر التلصص على الأماكن المغلقة أم يمكننا أن نتلصص في الشارع وعلى الفضاء العام؟، هل تحدو المتلصص رغبة في نزع أقنعة الزيف من خلال التجسس على بشر في أماكن خاصة يتخففون فيها من تلك الأقنعة؟، هل التلصص يقتصر على العين فقط؟، هل يشترط التلصص جهل من نتلصص عليهم بنظرتنا المختلسة إليهم؟”.
ويميز “زاهر” بين أنواع التلصص، فهناك التحديق وهو فعل جارح، فالعين هنا لا تتسلل ولكنها تقتحم، والشخص المحدق فج لا يخاف ممن يتفرس فيهم ولا يخجل منهم، هو بمعنى ما يغزوهم بنظراته ولا تعنيه ردود أفعالهم، وذلك بخلاف المتلصص حيث النظرة المنزوية والمخطط لها والتي يحاول صاحبها حجبها وإحاطتها بالكتمان، شغوفا بأشياء يكتشفها على مهل وتؤدة، المتلصص متوحد أما المحدق فشخص جريء لم تعقه في طفولته أبواب مغلقة أو صناديق مخفية أو أماكن معزولة، ولم تعترضه غرف خاصة ممنوع دخولها، ولذلك عينه لا تعرف الاستئذان أو التحرك ببطء أو حذر. لقد كان العالم في لحظة تكوينه محرما على المتلصص مفتوحا وبقوة للمحدق.
أما المراقبة، والتي تقع بدورها في مدار النظرة، فهي فعل سلطوي يهدف إلى التتبع والترصد، ولا تضع متعة الاكتشاف في الاعتبار ولا تتميز بأي فضول، المراقبة فعل خشن، وكثيرا ما يعقبها أذى.
وينطلق الكتاب، إلى ربط التلصص بالإنسان المتوحد.. بأبطال الأدب العظام، والذين نلتقي بهم في معظم الفصول، ويحاول أن يتسع بمفهوم التلصص، من الأدب إلى الحياة، يقول زاهر: «كل الحياة مدار للتلصص، وجميع البشر يمارسونه بشكل أو آخر، من منا لم يتلصص في طفولته؟، من منا لا يمضي لحظات يستبطن فيها ذاته ويذهب إلى تلك المناطق في داخله التي لا يطلع عليها أحد؟».
ويتلصص زاهر في الكتاب على تسعة مفردات حاول التعاطي معها من منظور خاص جدا، وهي: الانتظار، الذاكرة، الثوب، الانتقام، الخريطة، اللعب، الطيران، البطء والنوم. وهو منظور المتلصص أو المتوحد على وجه الدقة.