مرايا للنشر تصدر الترجمة العربية من "على حافة العالم"
صدرت حديثا عن دار مرايا للنشر والتوزيع، الترجمة العربية من رواية "على حافة العالم" للكاتب نيقولاي ليسكوف، وترجمها عن الروسية: يوسف نبيل.
وعنها يقول المترجم يوسف نبيل: يتضمن الأدب الروسي في القرن التاسع عشر تيارات متنوعة ومختلفة، ولا شك أن النصف الثاني من هذا القرن تحديدًا ضم أعمالا فائقة الجودة من الناحية الأدبية. عند ذكر هذه الحقبة يتذكر القراء دائمًا بوشكين وجوجول، ثم تولستوي وتورجينيف ودوستويفسكي، ثم تشيخوف.
وتابع: الحقيقة أن هذه الحقبة ضمت أسماء أخرى عظيمة، بعضها أهملتها حركة الترجمة إلى العربية نسبيًا، وبعضها تجاهلها باحثون كثيرون، ولكن لا شك أن اسمًا بعينه في هذه الحقبة تعرض لسوء حظ غريب حجب اسمه لفترات خلف أسماء هؤلاء العمالقة؛ إنه الحكّاء الروسي الأكبر: نيقولاي ليسكوف.
وعلى غلاف الرواية نقرأ:
في حكايتنا هذه يتناول ليسكوف موضوعًا مهمًا ويقص علينا حكاية قد تبدو بسيطة لكنها عميقة. تدور أحداث الحكاية حول الإرساليات التبشيرية التي واظبت الكنيسة الروسية على إرسالها من أجل تحويل السكان البدائيين في مناطق سيبيريا إلى المسيحية. عبر حكاية ليسكوف البسيطة والممتعة يمكننا أن نتعرف على مفهوم واسع ورحب ومتسامح للإيمان بدرجة ملفتة من خلال حكاية صادقة وممتعة.
يقول الناقد الأدبي الروسي ميرسكي عن ليسكوف: "من يريدون حقًا أن يعرفوا المزيد عن روسيا، لا بد لهم –آجلا أم عاجلا- أن يدركوا أن روسيا غير مُتضمنة بكليتها في دوستويفسكي وتشيخوف، وأنهم إذا أرادوا أن يعرفوا شيئًا، فعليهم أن يبتعدوا عن التحيز ويحذروا من التعميمات المتسرعة. حينها ربما يقتربون من ليسكوف الذي يعتبره الروس الكاتب الأشد روسية وأعمق وأوسع الكتّاب معرفة بالشعب الروسي كما هو حقًّا".
نبذة عن نيقولاي ليسكوف
نيقولاي ليسكوف (1831 – 1895) واحد من أساطين الحكي الروس، ولد في إحدى قرى مقاطعة أوريول لأب درس في معهد ديني ثم عمل موظفًا حكوميًا ولأم من عائلة أحد النبلاء.
عمل ليسكوف موظفًا كأبيه في كييف، ثم مساعدًا لسيد إنجليزي تولى إدارة ضيعات هائلة لثري روسي يُدعى الكونت بيروفسكي، ودفعته هذه الوظيفة إلى السفر عبر مختلف أنحاء الأراضي الروسية الشاسعة والتعامل مع مختلف الشخصيات.
أكسبته هذه الرحلات الواسعة خبرة عميقة بخصال الشعب الروسي وأفكاره وعواطفه العميقة، علاوة على ذلك تأثر ليسكوف بجدته وعمته، كانت الأولى أرثوذكسية متدينة والأخرى من طائفة الكويكرز المسيحية، وكلتاهما غرستا فيه عاطفة دينية قوية.
طوال فترة عمله الممتدة إلى عشرة أعوام مع السيد الإنجليزي، واظب على إرسال تقارير متعددة لسيده، واعتاد الأخير قراءة هذه الخطابات على مسمع من أسرته وأصدقائه، وقد وجدوا فيها جميعًا أسلوبًا أدبيًا رائعًا، حتى إن بعضهم شجع ليسكوف على الكتابة الأدبية.
وفي عام 1860 انتقل ليسكوف إلى بطرسبرج وبدأ مشواره الأدبي بكتابة بعض التقارير الصحفية، ورويدًا رويدًا بدأ ينشر أعماله الأدبية.
ظهر ليسكوف في فترة فارقة من التاريخ الروسي، حيث احتد الصراع بين المحافظين والثوريين الذين وصفوا أنفسهم حينها بـ"العدميين"، وتمتع ليسكوف بشخصية شديدة الاستقلالية، وفي فترة الاستقطابات السياسية الشديدة يصعب أن يجد رجلا مستقلا كليسكوف مكانًا لنفسه.
سيطرت الدوائر الثورية والتقدمية على الصحف والمجلات، واختلط ليسكوف بهذه الطبقات في بطرسبرج وسرعان ما شعر بالنفور منها، وهاله سطحية العدميين وعدم فهمهم لطبيعة الشعب الروسي، وهاجمهم بشدة في روايته "لا مفر".
من ناحية أخرى لم ينضم إلى الدوائر اليمينية المحافظة ولم يؤيد القيصر ورجاله. كانت النتيجة أن وجد نفسه مرفوضًا من الجانبين، ومن ثم واجه صعوبة شديدة في نشر أعماله، بل واتهمته الدوائر الثورية بأنه جاسوس.
وعلى صعيد آخر سلك ليسكوف مسارًا أدبيًا مختلفًا عن عصره. اهتمت الروايات الروسية العملاقة في هذه الفترة بالأفكار الكبيرة: الإيمان – الإلحاد – الخلاص – التقدم – العبودية – الحرية، وبدت روايات هذه الفترة مانفيستو سياسي أو ديني، مع تحليلات نفسية مفصلة وخطابات فلسفية وسياسية مطولة. ابتعد ليسكوف عن هذه التوجهات وسلك طريق الحكاية.
تعتمد كل أعمال ليسكوف تقريبًا في أساسها على الحكاية، امتلأت حكاياته بسمات فنية رائعة حيث اتسمت بالبساطة والمتعة، كما استخدم لغة متحررة وجديدة تمتلئ بأساليب ولهجات مختلفة باختلاف الشخصيات في القصة أو الرواية. ليسكوف هو الحكاء الروسي الأعظم بلا مناع، لكن هذا الأسلوب دفع بعض النقاد في عصره إلى اعتباره كاتبًا سطحيًا ومهرجًا أدبيًا لا يمكنه الاستغراق في الأعمال النفسية والفلسفية والسياسية العملاقة التي انتشرت في هذه الفترة.