السادات والشاذلي على خط المواجهة.. من المسؤول عن ثغرة الدفرسوار؟
خمسون عامًا مرت على ذكرى الانتصار الأهم في تاريخ مصر المعاصر، هذا الانتصار الذي قضى على أسطورة الجيش الذي لا يقهر وكبّد الأعداء درسًا هامًا حول قدرة المصريين على استرداد الأرض حتى وإن وقف أمامهم حائلًا بطول وقوة خط بارليف المنيع.
الانتصار في حرب أكتوبر لم يكن وليد الصدفة، وإنما هو نتاج سنوات طويلة من التخطيط المستمر، ودراسة جيدة لشخصية العدو قبل أدواته.
تخطيط بدايته حرب الاستنزاف التي حقق فيها الجيش المصري مكاسب هائلة، مرورًا بعمليات تعبئة وهمية، يرفع معها جيش العدو حالة الاستعداد ثم تعود القوات المصرية، مكبدة الجيش الإسرائيلي خسائر هائلة، تقدر في ذلك الوقت بأكثر من 700 مليون دولار في المرة الواحدة، حتى اعتقدوا أن المصريين لن يحاربوا أبدا؛ فيتوقفوا عن رفع حالة الاستعداد حال احتشاد الجيش المصري، وعندما حانت ساعة الصفر بادرتهم قواتنا بالضربة القاضية.
جولدا مائير، رئيسة وزارء إسرائيل في ذلك الوقت، عندما سُلت عن سبب عدم قيامها برفع حالة الاستعداد رغم احتشاد القوات المصرية، قالت إنهم اعتادو هذا التصرف من قِبل المصريين ولم تكن تعتقد أن هذه المرة هي إعلان الحرب.
نجاحات عدة قدمتها القوات المسلحة المصرية طوال أيام الحرب، ولكن عكر صوفها ثغرة الدفرسوار، التي استغلها الأعداء ليحاصرونا، ومن هنا بدأ مسلسل تبادل التهم حول المسؤول الأول عن هذه الثغرة وما وراءها.
ما حدث يوم 10 أكتوبر
الأمور سارت على ما يرام منذ اليوم الأول للحرب في السادس من أكتوبر وحتى يوم العاشر من الشهر ذاته، الحرب تسير كما خطط لها.
الاتفاق هو أخذ أوضاع دفاعية على مسافة 10 و12 كيلو متر وهي المسافة الآمنة، التي تحميها مظلة الصواريخ المضادة للطيران.
وفي اليوم العاشر، طُلب من قائد الفرقة مشاة التحرك ليلًا في اتجاه الجنوب، بهدف استرداد منطقة رأس سدر، القائد تحرك قبل الموعد المحدد، وبالتحديد في أعقاب آذان المغرب، كما أنه تحرك في مسافة أبعد من تلك التي تحميها مظلة الصواريخ فتكبدنا خسائر هائلة.
نوفمبر 1971
في نوفمبر 1971، وقبل اندلاع حرب الكرامة بعام واحد، التقى قيادات الجيش المصري، وبينهم الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي قالها صريحة، إننا لن نتمكن من تطوير الهجوم، ولا يمكن لأي من الجبهتين المصرية والسورية، تخفيف الهجوم عن الجبهة الأخرى، إذا ما ركزت عليها القوات الإسرائيلية، لأن ذلك سيكبد كلا الطرفين خسائر هائلة ودون فائدة.
على هذا الأساس بدأت الحرب، وكان الاعتماد الأول في هذه الحرب، على عنصري الوقت والقوات، فإسرائيل لن تتمكن من الاستمرار في الحرب لفترة طويلة خوفًا من انيهار اقتصادها، ففي حالات الحرب الدولة بأكملها تحارب، ولا مكان للتجارة أو الصناعة أو التجارة، وهذه خسارة مضاعة لن تتمكن إسرائيل من الصمود أمامها لفترة ومن ثم لن يكون أمامها سوى طاولة التفاوض.
إذا لما تغيرت الخطة وكيف صُنعت ثغرة الدفرسوار؟
في يوم الثاني عشر من أكتوبر، كانت الأعمال تسير على جبهة القتال كما خطط لها، وبينما الفريق سعد الدين الشاذلي منهمك في متابعة الأحداث، تلقى اتصالًا هاتفيًا من المشير أحمد إسماعيل، وزير الدفاع آنذاك، يخبره بضرورة تطوير الهجوم وسحب القوات من الضفة الغربية للقناة في اتجاة الضفة الشرقية.
الفريق سعد الدين الشاذلي، وبصفته رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أخبر قائده باستحالة ذلك، واستشهد بالعملية التي قام بها قائد فرقة المشاة قبل يومين، وفشلت بسبب البُعد عن مظلة الحماية للطائرات، مؤكدًا له أن التحرك المطلوب لن ننال منه إلا خسائر مماثلة.
في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر"، يستكمل الشاذلي باقي الرواية، وهي أنه يبدو على أحمد إسماعيل، الاقتناع بما قاله الشاذلي، لكنه عاد وتواصل معه مرة أخرى ليخبره بأن هذا قرار الرئيس السادات، قرار سياسي، لتخفيف العبء عن الجبهة السورية، والرئيس الأسد.
الشاذلي أخبره بأننا لن نتمكن من تخفيف العبء عن سوريا في كل الأحوال، وتطوير الهجوم لن نجني منه إلا مزيد من الخسائر.
اجتماع الـ 6 ساعات
أصر الرئيس السادات على قراره، واجتمع قادة الحرب، في حلقة نقاشية مطولة، خلصت في النهاية إلى إجبار الشاذلي على تطوير الهجوم غير مقتنع به؛ ليحدث ما كان في الحُسبان.
لولا الأمريكان ما كانت الثغرة
القمر الصناعي الأمريكي أخطر قوات الجيش الاسرائيلي، بنقل الفرقة 21 المدرعة من الضفة الغربية للقناة للضفة الشرقية، بطلب من الرئيس السادات بعد طلب وإلحاح من الرئيس الأسد، وأن البنتاجون نصحهم بعمل ثغرة عرفت باسم الدفرسوار لإنقاذ الوضع في إسرائيل.
الجسر الجوي الأمريكي، كان السبب الرئيسي في حدوث تفوق إسرائيلي، وبدون هذا التدخل ما كان لإسرائيل تحقيق هذا النجاح، هذه رواية وشهادة الفريق عبد الغني الجمسي.
هل قصر الفريق الشاذلي في أداء دوره فكانت الثغرة؟
في كتابه البحث عن الذات، حمًل الرئيس السادات، الفريق سعد الدين الشاذلي مسوؤلية الثغرة، بل والأكثر من ذلك قرر محو جميع الصور والدلائل التي تشير إلى دور الشاذلي في الحرب بالوقوف إلى جواره، وأن يأخذ مكانه الفريق عبد الغني الجمسي، بعدما اتهم الأول بالتقصير وعدم القدرة على إدارة الموقف والعودة إلى القاهرة من جبهة القتال متوترًا ومهزوزًا.
هذه الشهادة ينفيها الجمسي ذاته، في مذكراته مؤكدًا أنه رأي الشاذلي عند عودته ولم يكن بالوصف الذي ذكره السادات، مؤكدًا أن شهادته هذه ليست دفاعًا عن أحد وإنما هي شهادة حق يقولها للتاريخ.