رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل الجنود تعكس بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

رسائل الجنود تعكس بطولات الجيش المصري في حرب أكتوبر، حيث تحتفل مصر هذا العام على مرور خمسين عاما على انتصارات الجيش المصري في معركة الكرامة، معركة العبور العظيم، تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأسطورة خط بارليف الذي نجح الجندي المصري في كشف هشاشة وتهافت أسطورته المزعومة.

وفي كتابه “المصريون والحرب .. من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر”، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يرصد الكاتب الروائي الكبير جمال الغيطاني، رسائل الجنود المصريين على جبهة القتال إلى أهاليهم، وكيف عكست هذه الرسائل بسالة وصمود الجندي المصري، وكيف حفر أسطورته القتالية الخالدة. 

فمن خلال وقائع التاريخ المدون، تكشف حقيقة موضوعية مهمة، ألا وهي أن المقاتل المصري أقدم من حمل السلاح في التاريخ البشري. وترجع أول وأهم المعارك الحربية التي خاضها الجيش المصري إلى عهد مصر الفرعونية، تحديدا في الدولة القديمة عام 2450 قبل الميلاد، عندما تعرضت مصر لهجمات من قبائل الرعاة الساميين الرحل، والتي دفعت المصري لحمل السلاح للدفاع عن أرضه ووجده، أي أنها كانت معركة للدفاع عن الأرض والوجود، وليست حرب توسع واستيلاء علي أراض الغير.
 ــ حكاية المقاتل جندي “تعلب”

ومن بين الحكايات التي يرصدها الغيطاني، عن المقاتل الجندي “تعلب”، والذي طلب منه شقيقه الأصغر الطالب بالصف الثاني الإعدادي أن يقضي معه شهرا على الجبهة، إثر خطابات تعلب الحماسية المفصلة عن دقائق حياته على جبهة القتال، وكيف انتقلت هذه الحماسة لنفس صبي صغير فحلم بقضاء شهر على جبهة القتال.

وعرض  “الغيطاني” لأبيات زجلية كتبها أحد رفاق سلاح “تعلب” من وحي جبهة القتال وبطولة تعلب وبسالته: اسمه مليان بالخداع والمكر .. وقلبه طيب لكن قليل الصبر .. ما يفوتوش فجر يوم ولا عصر .. دايما بيعمل كوكتيل في الأكل .. وواخد الدنيا بالبساطة وبالسهل .. وطني ومخلص في حبه لوطنه .. وفي عمله بينسي إن له أهل.

 

ــ بطولة قناص رويت عنه أساطير

وتابع: سمعنا عن تعلب قبل أن نراه، حدثنا عنه ضباط آخرون زملاؤه في مواقع بعيدة، وأيضا الجنود.. وهذا يعني أن الجيش المصري قد بدأ يخلق أبطاله وقتئذ، بدؤوا يولدون معمدين بالنيران وبالدم، في موقع “تعلب” سمعنا عن جندي قناص، كان يواجه العدو في أحد المواقع أثناء فترة التمهيد لم تكن هناك أوامر بفتح النيران علي العدو بمجرد ظهوره، وكان منظر العدو يستفزه، أطلق النيران علي أفراده قتل منهم اثنين. اضطرت قيادة المنطقة إلي نقله للصفوف الخلفية فتظلم وعاد مرة أخري ليمارس نشاطه، هددوه بالمحاكمة، كان مثل هذا التصرف وقتئذ يجر عواقب كثيرة. 

ــ بطولة القناص “محمود المصري” 

ويضيف: “الغيطاني عن المقاتل القناص ”محمود المصري" وبطولاته على جبهة القتال: “أعلن أنه لو حوكم فإنه سيقضي فترة السجن ويعود مرة أخرى، ليقوم بنفس العمل، وعندما تغير الوضع، وأصبحت الأوامر تقضي بفتح النيران علي أية حركة للعدو، احتل موقعه على ضفة القناة، أصبح يمسح الضفة الأخرى بنظراته بحثا عن أي فرد معاد”. 

في موقع مجاور التقينا بالمقاتل محمود المصري، كان رجلا هادئا جدا، يثق بنفسه، يتخذ أوامره في هدوء، إجاباته رزينة، تري فيه عمق ثقافته، قرأ ليدل هارت، وفولروجيات وكثيرين من مفكري الحروب، طالع الأكثر عن العسكرية الإسرائيلية، وهذه سمة من السمات المبكرة التي لحظتها في ضباطنا. 

ــ عمق ثقافة المقاتل المصري

ويشدد “الغيطاني” على أن المقاتل المصري ــ من خلال ما رصده في فترة الستة سنوات التي قضاها على جبهة القتال كمحرر عسكري، أن السمات المبكرة في أرواح وشخصيات المقاتلين المصريين أنهم كانوا يتحدثون بعمق، بروح علمية، وكان كل منهم يتحدث عن المقاتل المصري وتاريخه، ويضربون الأمثلة بنماذج حية: “ده فيه ضابط راعب اليهود”، “ده فلان في الحتة الفلانية عامل كذا وكذا”.

ــ أمور العاطفة مؤجلة إلي ما بعد التحرير

يحكي كذلك جمال الغيطاني، عن المقاتل “عاطف”، والذي يراسل والده المزارع دائما في قويسنا، وكيف أن أفراد عائلته يتابعون أخباره من خلال زملاءه الذين يجيئون في الأجازات، فالمقاتل “عاطف” يفضل أن يقضي معظم أجازاته في الميدان علي جبهة القتال، أسرة “عاطف” تتعرف علي بقية أسر رفاقه في السلاح، يتزاورون، يستفسرون عن بعضهم.

وينقل “الغيطاني”، ما قاله له بهدوء المقاتل عاطف: "أنا لا أكتب إلا الخطابات الموجهة إلي والدي  في قويسناو ليس هناك خطابات أخري، لست مرتبطا عاطفيا، أمور العاطفة كلها مؤجلة إلي ما بعد التحرير .. هذا أمر أصدرته إلى نفسي راغبا أنفذه بدقة، فعشقي الأول والأخير موجه الآن إلي هذه الأرض .. إلى مصر.