سيد درويش.. الفنان الذي قاد ثورة ضد الإنجليز والقوالب الموسيقية القديمة
سيد درويش، الفنان الذي قاد ثورة ضد الإنجليز والقوالب الموسيقية القديمة، والذي يتزامن اليوم الأحد 10 سبتمبر مرور قرن على وفاته.
وفي عددها الــ277 والصادر بتاريخ 20 نوفمبر من العام 1956، كتب الناقد والمؤرخ الفني محمد علي غريب في مجلة الكواكب الفنية، عن الجانب غير المعروف للكثيرين عن دور فنان الشعب سيد درويش في مقاومة المستعمر البريطاني لمصر.
يربط “غريب” بين مولد سيد درويش ومسقط رأسه ــ الذي شهد دخول المستعمر الإنجليزي ــ الإسكندرية، وبين الكراهية التي تولدت بداخله للاستعمار: ولد الشيخ سيد درويش في حس شعبي من أحياء الإسكندرية، عقب الاحتلال البريطاني لمصر، وقد أبلي هذا الحي الشعبي في كفاح المستعمرين بلاء عظيما، وما يزال المعمرون من أبناءه يروون ذكرياتهم المريرة عن جهادهم الباسل ضد العداون الأثيم، ويترنمون بأمجاد الشهداء منهم الذين ذهبت أرواحهم إلي بارءها فخورا بما بذلت من تضحية وفداء.
هكذا رضع سيد درويش كراهية المستعمر
ورضع سيد درويش كراهية الإنجليز مع لبان أمه، وفي هذه البيئة الفقيرة التي نشأ فيها سيد درويش تتراكم الآلام والفواجع علي القلوب المجهدة فتصميها، وكان الاحتلال مزهوا بانتصاره، وهذه الملايين من الفقراء لا شأن لها بما قرره زيد وعبيد من الرضي عن الهزيمة وابتغاء حب السلامة، فالشعب الذي تمثله هذه الملايين لن ينهزم ولن يستسلم.
وضرب سيد درويش في فيافي الأرض، يبتغي تثقيف نفسه والحصول علي رزقه، وتفتحت في نفسه أزاهير هذه الهبة الآلهية المسماة بالعبقرية، واتجهت به إلي الفن، فهذا الوليد الناشئ في حجرتين مظلمتين، تنفجر في داخله هذه القوة التي تدمر لتبني.
سيد درويش وثورة 1919
ويمضي المؤرخ الموسيقي محمد علي غريب في حديثه عن مقاومة سيد درويش للمستعمر البريطاني لافتا إلي: وفجأة وجد سيد درويش نفسه يخوض معركة في ثورة 1919 فاستيقظت في نفسه هذه الكراهية العنيفة القاسية التي ورثها عن أبيه وأمه، لأؤلئك الطغاة الإنجليز الذين هدت قنابلهم بيوت الحي الفقير الذي ولد فيه بالإسكندرية، وذهبت قذائفها بأرواح أبنائه البواسل. وهكذا أصبح سيد درويش الفنان العبقري، جنديا في المعركة، مجرد جندي، لا يميزه عن سائر الجنود سوي حماسته وفنه وبطولته.
سيد درويش يغذي روح المقاومة في الشعب
ويشدد “غريب” علي أن سيد درويش وجد نفسه يقود الثورة ويلهب عزائم الثائرين ويوقد نيران الجحيم الذي يفتح فوهاته ليلتقم الغاصبين. في هذه الأوقات كان الفن الشعبي الأصيل، طائرات ومدافع وبوارج ودبابات. كان سيد درويش يتلقف الأغنية من فم مؤلفها ليعدها ملحنة بعد ساعة، وبعد ساعات يكون شعب مصر كله يرددها في حماسة بالغة.
ولم تعد دور اللهو وسيلة لقضاء الوقت في التسلية وإمتاع النفس، ولكنها أصبحت محرابا للفن السماوي، تشد من عزائم الشعب وتحضه علي مواصلة القتال في سبيل الحرية والكرامة والاستقلال.
ما من أغنية تلقي في دار من دور اللهو إلا كانت نهايتها دعوة حماسية لمواصلة القتال وتحريضا علي الكفاح ونداء للبذل والتضحية. وكان سيد درويش يتولي تغذية قلوب أبناء الشعب الذين لا يرتادون دور اللهو، أؤلئك الملايين الذين يجوعون ويستبسلون في الجهاد فكنت تسمع رجل الشارع يغني: اليوم يومك يا جنود .. ماتجعليش للروح ثمن. أو يغني: علي السما خلو الهجوم .. لو كانت الأعدا النجوم . ويندفع الشعب الثائر في أغنياته الحماسية الملتهبة وهو يحطم كل شئ في طريقه، أن مدافع العدو لا تصده، وقذائفه يتلقاها وكأنها باقات زهور ورياحين.
سيد درويش يهاجم جندي إنجليزي
ويروي “غريب” واقعة مهاجمة سيد درويش لأحد جنود المحتل الإنجليزي: اتفق سيد درويش مع أخوانه الفنانين علي أن يرابطوا في جميع مواقع القاهرة، وأن يقودوا المظاهرات الصاخبة وهم يرددون معها هذه الأغنيات الحماسية.
ويروى أن سيد درويش كان يركب مع نخبة من زملائه الفنانين في طريقهم إلى حي السيدة زينب، وفجأة برز لهم الجنود البريطانيون، وسدد أحد هؤلاء الجنود رصاصة إلي صدر سائق العربة. وأحس سيد درويش الخطر، فاندفع إلي سائق العربة وحماه بجسده، بعد أن أوقعه علي الأرض، وفي هذه اللحظة كان سيد درويش فدائيا.
وخاض سيد درويش المعركة كجندي، وخرج منها بطلا خالدا، فإن أغنياته الحماسية مانزال نرددها إلي اليوم وسيرددها شعب مصر إلي الأبد.