"علشان ولادنا".. "التضامن" تواجه عمالة الأطفال: دعم مالى.. وتدريب على "الحرف الآمنة"
تقدم أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية، على رأسها وزارة التضامن الاجتماعى، العديد من التدخلات لدعم الأطفال، أهمها ما يتعلق بحمايتهم من العمل فى سن صغيرة. وتواجه «التضامن» عمالة الأطفال بالعديد من الإجراءات العملية، على رأسها صرف دعم مالى شهرى، وتوعية الأطفال بحقوقهم والأسر بخطورة هذه الظاهرة، إلى جانب إقامة ورش عمل لتدريب الأطفال على حرف «آمنة»، وتقديم إرشادات لهم لحمايتهم أثناء العمل.
«الدستور» ترصد فى السطور التالية تفاصيل هذه التدخلات العملية، وتلتقى عددًا من الأطفال لمعرفة تجاربهم مع العمل، ثم الاستفادة من ورش وزارة التضامن الاجتماعى فى هذا السياق.
سداد مصروفات الدراسة ومنح للجامعيين.. معاش ورعاية صحية ونفسية.. ومراكز مساندة فى 14 محافظة
يعد «معاش الطفل» على رأس التدخلات التى تجريها وزارة التضامن الاجتماعى لمواجهة عمالة الأطفال، والذى يُصرف بموجب قانون الطفل رقم ٨ لعام ٢٠٠٨، ويستهدف فاقدى الرعاية الوالدية تحت سن الـ١٨ عامًا، من الأطفال الأيتام ومجهولى النسب، وبعد طلاق الأبوين وزواج كل منهما بشخص آخر، أو سجن الأب سنوات.
كما تدعم وزارة التضامن الاجتماعى الأطفال من خلال ١٧ مركزًا فى ١٤ محافظة، بهدف شغل أوقات فراغ الطفل عن طريق أنشطة مختلفة، تسهم فى بناء شخصيته وإكسابه العديد من المعارف والمهارات والخبرات، بجانب تدريبه على حرف «آمنة» له، يمكن ممارستها فى المنزل، ولا تعوق ذهابه إلى المدرسة، مثل الأركت والنول والتفصيل، وغيرها من الأشغال اليدوية.
ويتزامن ذلك مع تقديم الرعاية الصحية والإرشادية والدعم النفسى للطفل، من خلال مساعدته فى حل مشكلاته النفسية والاجتماعية والتعليمية والمهنية مع صاحب العمل، علاوة على تقديم التدريب والدعم النفسى والاجتماعى والعينى والنقدى والإرشادى للأسرة.
وتقدم «التضامن»، أيضًا، منحًا شهرية، وتعمل على سداد المصروفات الدراسية لأبناء الأسر المستفيدة من برامج الدعم النقدى المنتظمين فى التعليم الأساسى والثانوى، علاوة على المنح الدراسية للطلبة الجامعيين من أبناء المستفيدين من برامجها فى الجامعات الحكومية وبعض الجامعات الخاصة، بالإضافة إلى برنامج الدعم النقدى المشروط للأسر الأولى بالرعاية التى لديها أطفال فى سن التعليم الأساسى «بحد أقصى طفلان بكل أسرة».
ويستمر صرف الدعم النقدى حال التزام الأسرة بإلحاق الأطفال بالتعليم المدرسى، وتحقيق نسبة حضور ٨٠٪ على الأقل، وإجراء الأم والأطفال زيارات دورية إلى الوحدة الصحية، والالتزام بالتطعيمات ومواعيد الكشف الدورى للأطفال، علاوة على التزام الأسر بعدم تزويج البنات قبل ١٨ سنة. وتنفذ الوزارة، أيضًا، حملة «علشان ولادكم.. احسبوها صح»، للوصول إلى الفئات الأولى بالرعاية، وحمايتهم من المظاهر الاجتماعية التى تجعل هذه الفئات أسيرة للفقر، من خلال عروض فنية وحوارات مجتمعية، تنظمها نحو ١٥ ألف رائدة اجتماعية على مستوى محافظات الجمهورية.
كريم شعبان: «علمونا نشتغل بأمان ونلبس كاب وجوانتى فى الغيط»
قال كريم شعبان سعيد، من «عزبة الدبيكى» التابعة لمركز إطسا فى محافظة الفيوم، إنه كان يدرس فى المدرسة الابتدائية بالقرية، لكنه انتقل منها للدراسة فى أحد المعاهد الأزهرية، بسبب حبه هذا النوع من الدراسة.
ويبلغ «كريم» من العمر ١١ عامًا، ولديه ٣ أشقاء، أولهم شقيقه التوأم «سعيد»، وهو يدرس معه فى المعهد الأزهرى، إلى جانب شقيقتيه «شهد» فى الصف الثانى الثانوى الفنى التجارى، و«دنيا» فى المرحلة الإعدادية.
الطفل الذى لونت الشمس وجهه بسمرة مميزة، شارك فى مشهد تمثيلى عن «أخطار عمل الأطفال»، ضمن ورشة عمل نظمتها وزارة التضامن الاجتماعى بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ويرى أنه استفاد كثيرًا من المعلومات المقدمة فى هذه الورشة وطبقها بالفعل.
كان ينظر إلى الأرض ويمسح بيده اليمنى على ساعده الأيسر، وكأنه يريد أن يتخلص سريعًا من عبء سر يخفيه فى قلبه، وقال: «عرفنا فى الورشة الأخطاء اللى بنعملها، وإن الأحسن للأطفال إنهم يشتغلوا فى الشغل الخفيف، يعنى أساعد حلاق مثلًا».
وأضاف: «أنا بساعد أبويا فى الغيط.. احنا مأجرين أرض وبنشتغل فيها، باعزق معاه أى حاجة، ولما بيبدر كيماوى بأبدر معاه، لكن الكيماوى بيلعبك فى إيدى وريحته مش حلوة وبتخلينى عايز أعطس، وفى الورشة قالوا لنا لو هنساعد أهلنا فى الغيط لازم نلبس طاقية أو كاب، وجوانتى لو هنبدر كيماوى، وقلت لأبويا، واشترينا الجوانتى».
وأكد «كريم» مواظبته على الذهاب إلى المدرسة، حتى وهو يساعد والده فى الغيط، متابعًا: «الصبح بروح المدرسة، وبعدها أروح الغيط، ولما برجع المغرب بذاكر قبل ما أنام، لكن فى الإجازة بنتجمع أنا وأصحابى فى الغيطان، ونروح نجمع قطن أو شيح اللى بيتعمل منه الأدوية».
وتابع: «أول مرة أشتغل كنت فى سنة تانية أو تالتة ابتدائى، لكن كنت بجمع أقل من دلوقت، والحساب بيكون بالكيلو، كيلو القطن بـ٢ جنيه، وأنا باجمع من ٦- ٧ كيلوات فى اليوم، والقبض بعد ما بنخلص الأرض كلها، لو كبيرة بتاخد شهر، ولو صغيرة بتاخد أسبوعين، ودى باخد منها حوالى ١٠٠ جنيه أو أزيد شوية».
يوسف جمعة: أساعد والدى فى الزراعة.. وباحلم أكون زى «صلاح»
يوسف جمعة، صاحب الـ١٢ عامًا، انتهى من دراسة السنة السادسة بمدرسة الدبيكى الابتدائية، ورغم أنه الوحيد من بين إخوته الذى لم يترك التعليم إلا أنه لا يعرف القراءة والكتابة جيدًا.
يقول: «مش بعرف أقرأ ولا أكتب كويس، ساعات المدرسين بيساعدونا فى الامتحان وبننجح، والدى رفض يعلم إخواتى البنات الاتنين واتجوزوا، والصبيان التلاتة أكبر منى، وسابوا التعليم عشان ماقدروش ينجحوا فيه، محمد متجوز، وأحمد وسامح لسه». وتظهر دائمًا على وجه «يوسف» ابتسامة القناعة ونظرات الرجل الناضج، وهو يحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم، فيقول: «نفسى أكون لاعب كرة، عندنا نادى بنلعب فيه، بيسموه الملعب، بتاع واحد عندنا فى البلد، كان أرض وعمل فيها النجيلة وحط فيها الأجوان والشبكة».
ويتابع: «صاحب المكان جهزه بالخدمات وجاب ناس بتقدم مشروبات، وبيأجر النص ساعة بـ٤٥ جنيه للفرقة كلها، وأنا بدفع مبلغ ألعب به نص ساعة». ويساعد «يوسف» والده فى الزراعة، ويكشف: «بساعد أبويا فى الزراعة كل يوم، وهو اللى بيدينى الفلوس عشان أروح ألعب وبيشجعنى على اللعب، عشان عارف إنى بحب الكورة، وبشجع الأهلى وبحب محمد صلاح وميسى وكريستيانو ونفسى أكون زيهم».
مرفت أمين: تركت التعليم بسبب التنمر.. و«مركز الطفل» أعادنى للمدرسة
مَن ينظر إليها يظنها مجرد فتاة مراهقة، لكن عندما تبدأ الكلام تظهر فى صوتها علامات النضج والمعاناة أيضًا، هى مرفت أمين، صاحبة الـ١٣ سنة، وتدرس بالصف الأول الإعدادى، ومن المستفيدين من مركز رعاية الطفل العامل بالفيوم.
تحكى: «التنمر من الزميلات دفعنى لترك المدرسة وأنا فى الصف الأول الإعدادى، وذهبت للعمل فى مصنع صغير لتصنيع حلوى العسلية».
تضيف: «سبت المدرسة عشان البنات كانوا بيضايقونى وبيقولوا لى يا حولة، لما كشفت وأنا صغيرة الدكتور قال لأمى لازم عملية عشان علاج الحول، والعملية تحتاج ٥ آلاف جنيه، وأبويا مش معاه فلوس عشان يعملها لى، وقعدت ٦ شهور أشتغل فى مصنع صغير، أرص العسلية فى الصاج وأرشها بالسمسم».
وتكشف عن كواليس التحاقها بمركز رعاية وتنمية الطفل العامل التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، قائلة: «سمعت عنه ورحت وهناك قابلت أستاذة نجاة وأستاذة رضوى وحكيت لهم اللى حصل لى فى المدرسة».
وتتابع: «لما حكيت لهم اللى قالوه البنات، ذهبوا للمديرة ورجعونى المدرسة، ومبقاش فيه بنات بتضايقنى إلا قليل جدًا، وفى المركز علمونى الخياطة والرسم واحترام بابا وماما، وعلمونى القراءة والكتابة».
وتقول: «الشهور التى تركت فيها المدرسة، كان يومى يبدأ مبكرًا جدًا، كنت بصحى بدرى لأن الشغل فى المصنع من ٦ صباحًا حتى ٦ مساء، عشان أقبض ٢٥ جنيه فى اليوم».
وتضيف أن الحال تغيرت بعد عودتها إلى المدرسة مرة أخرى، فتكشف: «لما رجعت المدرسة، بقيت أحضر لمركز رعاية الطفل العامل، وبيعطونا وجبة متكاملة، وينصحونا بألا نمشى مع الأطفال السيئين، وكمان بيعلمونا الرسم».
وتتابع: «بدأت أتعلم الخياطة عشان تبقى صنعة فى إيدى، وبعد سنتين هكون عرفت أخيط بعد ما أخلص التدريب، ويا رب أبقى خياطة لما أكبر وأبقى مثل أستاذة رضوى وأستاذة نجاة أعلم البنات الخياطة زى ما هم بيعلمونا».
ولدى مرفت ٣ إخوة، الكبير خرج من المدرسة بعد الصف الثانى الإعدادى، وعمل فى ورشة ثم ألحقه والده بمصنع طوب، والأصغر يدرس فى الصف الأول الابتدائى، والثالث فى الحضانة.
التسرب من التعليم يُضعف فرص خروج الصغار من دائرة الفقر
أوضحت وزارة التضامن أن تسرب الأطفال قبل استكمال مراحل التعليم الأساسى يؤدى إلى تدهور مؤشرات التنمية البشرية المتعلقة بالصحة والتعليم والتغذية السليمة، ما يؤدى إلى افتقار المعارف والمهارات والمتطلبات الأساسية للعمل والإنتاج عند وصوله سن العمل.
ويؤدى عمل الأطفال فى النهاية إلى حرمان الطفل من فرصته فى الانضمام لسوق العمل الرسمية والحصول على وظيفة لائقة والارتقاء بمستوى المعيشة ويضعف قدرته على الخروج من الحلقة المفرغة للفقر بأبعاده المختلفة.
وأكدت الوزارة أن الطفل له حق فى التعليم، بدءًا من المرحلة الابتدائية حتى إتمام المرحلة الثانوية العامة أو الفنية، إضافة إلى الحق فى الحياة والنشأة فى بيئة أسرية أو بديلة آمنة متماسكة ومتضامنة. أيضًا يشترط حصول الطفل العامل على أوراق ثبوتية، وتطعيم مجانى، ورعاية صحية، وتغذية سليمة، ومأوى آمن وتربية دينية، وتنمية وجدانية ومعرفية، كذلك الحق فى الحماية من جميع أشكال العنف وإساءة المعاملة والاستغلال الجنسى والتجارى.
وأضافت «التضامن» أن هناك عدة برامج تضمن تدريبًا وتهيئة للأطفال لسوق العمل ومنها «التدرج المهنى»، بهدف إلحاق الأطفال بأماكن العمل خلال فترة زمنية محددة، وفقًا لاتفاق عقد تدريب بين صاحب العمل والطفل العامل أو ولى أمره، على ألا يكون التدريب بأى من المهن المحظور عمل الأطفال بها.
سن العمل فى أى نشاط اقتصادى لا تقل عن 15 عامًا وبحد أقصى 6 ساعات يوميًا.. وحظر العمل الليلى
أوضحت وزارة التضامن أنه يشترط للاشتراك فى برنامج التدرج أو التدريب المهنى ألا تقل سن الطفل عن ١٤ عامًا، بينما يشترط للعمل فى أى نشاط اقتصادى ألا تقل سنه عن ١٥ عامًا، مع الالتزام بتطبيق الاشتراطات المحددة التى تتيح للطفل فرصة اكتساب المهارات دون التأثير على تعليمه أو صحته الجسدية والنفسية أو أخلاقه.
أيضًا يشترط وجود بيئة عمل آمنة ومناسبة للأطفال، وأن يكون العمل بحد أقصى لمدة ٦ ساعات يوميًا، على أن يتخلل العمل ساعة على الأقل للراحة والطعام.
كما يحظر تشغيل الأطفال ساعات إضافية أو خلال أيام الراحة الأسبوعية أو الإجازات الرسمية، ولا يجوز تشغيل الأطفال بأى حال من الأحوال فيما بين الساعة ٧ مساءً و٧ صباحًا. ويلزم القانون صاحب العمل بالتأمين على الطفل العامل وحمايته من أضرار المهنة وإبلاغ مكتب القوى العاملة التابع له، كذلك توفير سكن منفصل للأطفال العاملين عن غيرهم من البالغين إذا اقتضت ظروف العمل مبيتهم.
التدريب المهنى يبدأ من سن 14 عامًا ويخضع لإشراف فنى
ويحظر قانون الطفل المصرى ومسودة قانون العمل والاتفاقيات الدولية تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن ١٥ سنة، وهى سن الانتهاء من التعليم الإلزامى، كما يحظر تدريبهم قبل سن ١٤.
ويجرى تنفيذ التدريب فى إطار منظومة تعليمية أو تدريبية تحت إشراف مسئول فنى من المنشأة بأهداف محددة وليس مقابل أجر، وإنما قد يشتمل على مكافآت رمزية بهدف اكتساب مهارات تؤهل الطلاب والطالبات لسوق العمل.
فيما يبدأ عمل الأطفال من سن ١٥ سنة بعقد رسمى مقابل إنتاج محدد وأجر مناسب وفى ظروف عمل لائقة وليس بمهنة محظور على الأطفال العمل بها، ويتم التفتيش على المنشأة من قِبل وزارة العمل.
سوء المعاملة والإيذاء النفسى وتأخر النمو أبرز المخاطر
ولفتت الوزارة إلى أن هناك أربع مهارات أساسية تتأثر بها حياة الطفل الذى يُستغل اقتصاديًا بالعمل، وهى التطور المعرفى، حيث يؤدى عمل الطفل إلى حرمانه من إكمال التعليم واكتساب المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب والتواصل، وجميعها مهارات تؤهله للالتحاق بسوق العمل والاندماج فى الحياة الاجتماعية، إضافة إلى التأثير السلبى على التطور والنمو الجسدى بسبب الأضرار الصحية والضغوط الجسدية التى تفوق احتماله.
كما يمكن أن يتعرض للانتهاكات الجسدية والجنسية، ما يؤثر على السلامة النفسية، حيث يؤدى عمل الطفل إلى حرمانه من وقت الفراغ والترويح واللعب وتنمية القدرات والمواهب، وقد يعرضه لسوء المعاملة والإيذاء اللفظى من صاحب العمل، فيفقد ثقته فى نفسه واحترامه لذاته وارتباطه بأسرته والمجتمع المحيط به.
كما يؤثر عمل الأطفال على التطور الاجتماعى والأخلاقى للطفل وسلوكه وقدرته على التمييز بين الخطأ والصواب، بسبب تعرضه لمواقف تفوق استيعابه فى هذه السن، بما فى ذلك الألفاظ الخارجة والتدخين والمخدرات.