رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محافظون وتجارب "8" اللواء زكى بدر!

فى مايو 1982 انتقلت محافظة أسيوط من مرحلة المحافظ الإخوانى محمد عثمان إسماعيل، التى شهدت دعمًا مباشرًا للتيار الإسلامى، إلى مرحلة جديدة طابعها أمنى ومظهرها المواجهة المسلحة مع الإرهاب، فرضت فيها الأحداث وتداعياتها أن تكون للنظرة الأمنية الغلبة على حساب التنمية والخدمات.

وضعت أسيوط فى بؤرة الإرهاب اليومى شهداء وقتلى كل يوم، دفعت الشرطة المصرية ثمنًا باهظًا من دماء أبنائها، وعاش المواطن أسوأ أيامه، كمائن تفتيش فى كل مكان، النقاط المرورية أشبه بالوحدات العسكرية، الكنائس محاطة بسياجات أمنية، حواجز وأبراج أمنية حول الكنائس، شوارع مغلقة وأخرى خطرة، أخبار أسيوط تتناقلها وكالات الأنباء العالمية وتتصدر معظم النشرات.  
الحرب بين الدولة– أى دولة– وأى جماعة مسلحة لا بد أن تكون غير متكافئة، فمن أين يتوافر السلاح لجماعة ضلت طريقها؟، ومن أين يحصلون على الدعم المالى والإعلامى والمعنوى فى مواجهة دولة قوية هزمت قبل سنوات عدوًا قال عن نفسه إن لديه جيشًا لا يُقهر؟.. أسئلة فرضت نفسها على تلك المرحلة وظلت لغزًا إلى أن اتضحت الصورة وكشف الوجه القبيح لجماعة الإخوان التى ظلت تتلقى دعمًا مباشرًا من الدولة طوال فترة المواجهات الأمنية بين الشرطة والجماعات الإرهابية المسلحة. 
وسط هذه الأجواء وهذا المناخ المضطرب والشهداء والقتلى، كان اللجوء إلى رجال وزارة الداخلية للتعامل مع الوضع الأمنى داخل محافظة أسيوط كمحافظين بدلًا من الاستعانة بخبراء التنمية والمحليات. 
وكانت البداية بتعيين اللواء زكى بدر محافظًا لأسيوط، فقبل شهور كان حادث المنصة واغتيال الرئيس السادات وبعده الهجوم على مديرية أمن أسيوط وتوطن الإرهاب في قرى ومدن المحافظة، وسيطرة إخوانية على هيئة تدريس جامعة أسيوط مع وجود نائب المرشد العام لجماعة الإخوان الدكتور محمد حبيب الأستاذ فى كلية الطب، وعائلات إخوانية كبيرة، وخليط من شباب العائلات ممن يتولون مناصب مهمة في القضاء والنيايبة والشرطة، وبين أشقاء لهم وأبناء عمومة انخرطوا فى جماعات الإرهاب، ومراكز قوة وأصحاب سلطة ونفوذ من رجال الحزب الوطنى، مثل شخصية السيد محمد عبدالمحسن صالح، رئيس المجلس المحلي للمحافظة وأمين الحزب الوطنى، والذي كان يلقب بمحافظ الظل صاحب النفوذ والقوة المستمدة من علاقاته داخل الحزب الوطنى وبالرئيس مبارك شخصيًا، ومن علاقة قوية تربطه بأمين تنظيم الحزب الوطنى كمال الشاذلى، وأمام كل ذلك هناك أحزاب سياسية ضعيفة وقفت وحدها تواجه فكريًا جماعات الإرهاب ومواجهات أخرى مع أجهزة الدولة ورجالها.
بدأ المحافظ الجديد اللواء زكى بدر فى ترتيب أولوياته بالقضاء على الإرهاب وتوفير الدعم اللازم للمواجهات الأمنية، التى استنزفت ميزانيات الدولة، فتدهورت الحالة الاجتماعية وزادت معدلات البطالة والهجرة الداخلية والخارجية ودفع شعب أسيوط ثمنًا كبيرًا سبب هذه المواجهة، وتمركزت العمليات الإرهابية فى المدن والقرى التابعة للمنطقة الشمالية لأسيوط والقربية من محافظة المنيا وتهديدات دائمة للكنائس والمواطنين المسيحيين، ورغم تلك الحالة الأمنية المتردية لم تدخل الدولة فى مواجهة حقيقية مع جماعة الإخوان، بل اعتبرتها قوة إسلامية سلمية تستطيع مواجهة قوة إسلامية مسلحة، وبدلًا من دعم الأحزاب السياسية خاصة أحزاب اليسار ضيقت عليها الخناق، ولعب المحافظ زكى بدر دورًا فى التضييق عليها، وتجلى ذلك فى انتخابات 1984، التى فاز فيها تحالف أحزاب العمل الإسلامى مع حزب الوفد، ودخل الإخوان البرلمان، وسيطر الحزب الوطنى على الأغلبية.

ويذكر التاريخ أن تلك الانتخابات شهدت صعود نجم النائب الناصرى جمال أسعد عبدالملاك الذى تحدى زكى بدر بعد تبنى الأخير الدعاية بنفسه للحزب الوطنى وهجومه الدائم فى المؤتمرات الانتخابية على أحزاب المعارضة واتهامها بالشيوعية والإلحاد، ورغم ذلك كانت مواجهات زكى بدر لا تتوقف مع رموز الحزب الوطنى وقد طالهم منه الكثير من قاموس الشتائم الذى بدأ يُعرف به خلال عمله كمحافظ لأسيوط من عينة "دول ناس جربانة وأوساخ ما ينفعش معاهم إﻻ ضرب الجزم"، هذا كان وصفه الدائم وقتها لكل من يعارضه و"العيال الـ .... على العناصر الإرهابية".
فى المقابل تقرب اللواء زكى بدر للجماهير بالمشاركة فى المناسبات الشعبية خاصة الصوفية وحضوره الليالى الرمضانية والسهرات القرآنية والمسابقات الرياضية، فى الوقت نفسه تحققت نجاحات أمنية كبيرة على المستوى الأمنى، مما أهل اللواء زكى بدر إلى أن يكون وزيرًا للداخلية خلفًا للواء أحمد رشدى عقب أحداث الأمن المركزى فى فبراير 1986 ليكون ثانى محافظ لأسيوط يتولى وزارة الداخلية بعد الوزير ممدوح سالم، ويتولى بعده اللواء محمد عبدالحليم موسى الملقب بشيخ العرب.. ولهذا حديث آخر.