بيت الروبى .. جاب العيد
«جاب العيد»، كما اصطلح الجمهور الخليجى، تعنى أنه حدث سعيد لدرجة فقدان السيطرة، فلعلها الفرحة الأكبر لجماهير السينما وجماهير العيد منذ استحداث ذلك الموسم السينمائى فى تسعينيات القرن الماضى الذى عرف بموسم عيد الأضحى الذى يتبعه مباشرة فى السنوات القليلة الماضية موسم الصيف وإجازات الدراسة والإجازات السنوية. فلسبب ما مبهم أو معلوم يحب المصريون كريم عبدالعزيز بما يشبه الإجماع الذى لا تراه يتحقق إلا فيما ندر فى أى من أمور حياة هذا الشعب؛ كما أن للساحر الصغير كريم محمود عبدالعزيز مكانة فى القلوب لا تقل إجماعًا، وها هما يجتمعان على أفيش واحد بطلين لعمل واحد للمرة الأولى.. فأى حفاوة وأى حماس!
كريما العنصرين وابنا العاملين
على الرغم من موجات الاستياء التى تضرب الفن كلما ظهر أحد الوجوه الشابة الذى ينتمى إلى عائلة فنية واعتبرها الكثير جورًا على فرص لآخرين فإن هناك من استطاع بسلاسة أن يكسر تلك الحلقة وينسف ذلك الاستياء ويتسلل إلى القلوب ويستقر، ومن هؤلاء بطلا حدوتة بيت الروبى النجم كريم عبدالعزيز، نجل المخرج الكبيرمحمد عبدالعزيز، والنجم كريم محمود عبدالعزيز، نجل الساحر الأكبر ملك القلوب محمود عبدالعزيز. فمنذ بدايات كريم «الكبير» فى «اضحك الصورة تطلع حلوة» 1998 تلاه مباشرة «ليه خلتنى أحبك» 2000 وكريم هو ابن المصريين وصديقهم ونجمهم المفضل الذى تربى على يديهم وأمام أعينهم حتى صار نجم جيله وأهم أبنائه. وكذلك كان استقبال الجمهور لكريم محمود عبدالعزيز فى ظل والده النجم الكبير فى «محمود المصرى» 2004 رأى فيه الجميع امتدادًا لكاريزما وخفة دم الأب العظيم. فى «بيت الروبى» يُقدم بيتر ميمى على تجربة قد يتخوف أحدهم من أن «تجزع من كتر حلاوتها» بجمع الكريمين فى فيلم واحد إلا أنها كانت تجربة مضمونة النجاح ودفء الاستقبال لما لكل منهما من رصيد ضخم لدى جمهور السينما ولما ظهر بين البطلين جليًا خلال أحداث العمل من تفاهم والتقاء وكأنهما كما سارت الأحداث «ولاد عم» حقيقيين.
كليشيه ولكن..
قد يرى البعض فى القصة التى قدمها فيلم «بيت الروبى» من تأليف الموهوبين محمد الدباح وريم القماش وإخراج بيتر ميمى قصة قديمة تقليدية معتادة وفكرة تعيدنا وإن اختلف السياق إلى أفكار وتناولات أخرى طرحت فكرة اللجوء الاختيارى للعزلة ثم الاضطرار للاصطدام بالزحام والصخب والصراعات من جديد إجباريًا وما يترتب على ذلك من تداعيات واصطدامات بين شخوص القصة وبعضها، وبينهم وبين أنفسهم، وبينهم وبين الظروف. كما يمكن أن يعيد الفيلم للأذهان قصصًا رأيناه فى السينما المصرية وحتى العالمية من قبل، وقد أحسست شخصيًا أن هناك خطً ما- مع الفارق- من «هنا القاهرة» 1995 لمحمد صبحى والقياس كما أسلفت مع الفارق إلا أن «التوهة» التى مُنىّ بها وواجها «إبراهيم الروبى»، بطل الفيلم، عند عودته للقاهرة تمس نفس التوهة والغربة لسنوسى بطل «هنا القاهرة» الذى كان بالمناسبة من إخراج والد كريم المخرج الكبير محمد عبدالعزيز.
وعلى الرغم من ذلك التماس فى الخط أو الإحساس الذى يعد تيمة درامية عالمية وجرى تناولها بآلاف اللغات والرؤى فإن «بيت الروبى» عمل ينطق فى كل لقطة وكادر وجملة حوار بأنه ابن يومه، ابن الآن. فحتى القضية الكبرى التى يناقشها السيناريو من سيطرة داهمة للسوشال ميديا على كل فئات وطوائف ومستويات المجتمع وإن بدا أنها قد نوقشت وتم تناولها من قبل إلا أن «بيت الروبى» قد رسم خطًا جديدًا لتلك المعاناة وأخذ زاوية أعمق بكثير مما قد تم تناوله من قبل بشكل سطحى عن تلك المأساة. فبطل الفيلم ليس شابًا مراهقًا ولا underage يمسك بتليفونه المحمول طوال الوقت ويصرخ فيه والداه لتركه قليلًا ومشاركتهما الحياة، بل إن بطل الفيلم شخص ناضج عاقل رب أسرة كاره الصخب والزحام واقتحام الخصوصيات، إلا أنه على الرغم من كل ذلك لم يستطع مقاومة إغراء ذلك الوحش و«زغللت» عيناه فى لحظة واعتقد أن هذا هو النجاح الحقيقى للسيناريو وللفكرة.. فالخطر ليس مقتصرًا على مراهقين نرى أنفسنا انضج وأكثر حكمة وتعقلًا منهم ونغمرهم بسيل التوجيه والتنظير أحيانًا طوال الوقت باعتبارنا اليد العليا.. بل إن كلًا منا معرض للمؤامرة وكلًا منا دائمًا «على المحك».
كوميديا كراكيرى
بلا منازع هو واحد من أهم كوميديانات جيله.. إلا أنه وبلغة هذا العصر «ع الرايق» هو نجم غير متعجل النجومية يثق فى قدراته ويثق فى مخرجه ويمنحه السيطرة الكاملة لمخرج العمل وفق رؤاه باعتباره رب العمل، لكن الأمر لا يخل من بصمة لا يضاهيها بصمة وخفة روح ليس كمثلها خفة تجعلنا دائمًا فى انتظار المزيد والمزيد من ظهور وحضور وقفشات ولغة جسد كريم محمود عبدالعزيز الذى أخذ «بيت الروبى» فى كثير من مواضعه من فيلم اجتماعى «جاد» إلى اللايت كوميدى الذى يبرع ويزهر فيه «كراكيرى»، وأرى أنه قد تحمل هذه المسئولية وحده وترك للبطل الأداء الأحلى لكريم عبدالعزيز منذ فترة وبخاصة فى ماستر سين الفيلم الذى أخذنا لجزئه الثانى. لكن الكوميديا لم تمنع كريم محمود عبدالعزيز من تقديم واحد من أصدق الأداءات التى رأيتها له منذ احترافه التمثيل فى مشهدين رئيسيين بالفيلم، وأحب أن أشير تحديدًا إلى مشهد ولادة زوجته بالفيلم «تارا عماد» الذى جاء مشهدًا أراه عظيمًا مكتمل الأركان سواء بمونتاج الفنان باهر رشيد أو تصوير مدير التصوير الفنان حسين عسر بقيادة بيتر ميمى بالطبع. فقد جسد كريم مجموعة ضخمة من المشاعر المتضاربة من خوف وقلق وغضب وعنف ثم رقة متناهية وحنان بالغ فى لحظة استقباله مولوده ما جعل منه مشهدًا أراه أيقونيًا فى مسيرته.
ظهورات مميزة
كما جرى العرف فى السنوات الأخيرة، فإن معظم الأفلام لا بد أن تستضيف مجموعة من ضيوف الشرف الذين يضيفون روحًا وبُعدًا جديدًا لحدوتة الفيلم فى سياق خاطف ومختصر وفى «بيت الروبى» لمع كل من محمد عبدالرحمن الذى لا يمكن بحال أن أراه متحررًا مرتاحًا «بيقول» براحته ولا تستلق من الضحك وكذلك مصطفى أبوسريع الكوميديان عظيم الموهبة فى دور صغير مساحة لكن كعادته أضفى عليه «أبوسريع» طابعًا خاصًا جعلت مشاهده من أكثر مشاهد الفيلم تعلقًا بالذاكرة.
«بيت الروبى» هو واحد من أحلى أفلام موسم صيف 2023 لم يخيب توقعات محبى الكريمين ولا حتى محبى السينما المدققين، وجاء عملًا ممتعًا مرضيًا للجمهور الكبير الذى كسر بإيراداته حتى الان حاجز الـ70 مليون جنيه مصرى فى أقل من ثلاثة أسابيع عرض.