رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

3 / 7 شتان بين حقيقة وخيال

منذ 10 سنوات وفي مثل هذا اليوم استعادت مصر نفسها بعدما كانت في طريقها لدخول نفق مظلم لا يعلم مداه إلا الله، على حد تعبير الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في لحظة تاريخية مثلت ذروة تاريخ ما كان قبلها وصنعت مستقبل ما بعدها. 

وعلى مدار عقد كامل، حاول أعداء ثورة 30 يونيو، ولحظة ذروتها في الثالث من يوليو، في الخارج والداخل، تشويه تلك اللحظة الفارقة في ذاكرة أجيال حضرتها، وخيال أجيال تشكل وعيها بعدها، فلم تدرك جلال اللحظة ومجدها، محاولين في ذلك استغلال ما مرت به مصر من أزمات، وما عاناه المصريون من ضغوط وبذلوه من تضحيات لتصحيح المسار ودفع أثمان مشكلات متراكمة، ساهم أعداء الثورة أنفسهم في الخارج والداخل في صناعتها وتعميقها، بل وتفننوا في ذلك.

وإذا كان أعداء الثورة والوطن قد استعملوا في دعايتهم لأنفسهم وفي حملات التشويه والتشكيك خطابا إسلامي النزعة أحيانا، مع الادعاء بأن ما حدث كان انقلابا على الشرعية، فإنه يجدر بالجميع أن يتذكر تفاصيل تلك اللحظات الخالدة بما يدحض ادعاءات هذا الخطاب وأكاذيبه.  

ففي يوم 3\7 من عام 2013، وفي تاريخ يذكرنا بانتصار 1973، اجتمع "أهل الشوكة"، وهم في عصرنا الحالي رجال الجيش والشرطة، بقيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة وقتها الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وأهل الشريعة والدين، بقيادة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، وبطريرك الكنيسة المرقسية البابا تواضروس الثاني، وقاضي القضاة المستشار عدلي محمود منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، وأهل الرأي والأحزاب، من اليمين واليسار، ومن محمد البرادعي إلى حمدين صباحي، مرورا بالسلفيين، ومعهم أهل الحل والعقد، ممثلين في قيادات الأجهزة التنفيذية للدولة، ومعهم الملأ من الناس، في حشود لم يجتمع مثلها من قبل في تاريخ هذا الوطن أو غيره من الأوطان.

وأعلن هؤلاء المجتمعون جميعا، وهم كل الوطن بتياراته ورموزه وفصائله ومواطنيه، إسقاط بيعة الحاكم الإخواني محمد مرسي عن أعناق الناس، ولم يخرج عن ذلك الإجماع إلا فصيل هذا الحاكم وعشيرته من الإخوان وأجنحتهم في بعض الجماعات الأخرى، الذين استنصروا المسلم والكافر والبر والفاجر على أهلهم وذويهم، وهددوا عموم الناس بالقتل والتفجير والويل والثبور وعظائم الأمور، ورفضوا أي محاولات للوساطة أو الصلح لما يزيد على شهر ونصف من اعتصامهم الذي أعلن صراحة أن "دونها الدماء"، وسعوا إلى خلق دولة داخل دولة، وبدأوا في صناعة نظامين حتى يتنازعا الحكم فيما بينهم، كما فعلوا ويفعلون في أوطان كانت آمنة مطمئنة حتى انقسمت على أيديهم ولا تزال، وساعتها حق علينا، نحن المصريين جميعا، قتالهم قتال "الفئة الباغية" حتى يفيئوا إلى أمر الله.

لقد كان هذا ما شهدنا، وهذا ما علمنا، فلم يروه لنا أحد، ولم ينقله ناقل عن فلان أو فلان، بل عشناه بتفاصيله لحظة بلحظة، وتألمنا بآلامه، وسددنا، نحن المصريين جميعا، فاتورة التضحيات من أجل استعادة الوطن من تنظيم يستعمل الدين مطية ويستخدم خطاب الإسلام لتحقيق أغراض خاصة وخدمة أسياد بالوكالة.

 ومنذ اللحظة الأولى لانتصار إرادة المصريين بدأ التنظيم وأعوانه وصناعه ومستعملوه خطاب التشكيك والأكاذيب والشائعات لمواجهة ثورة المصريين ضده، وما حققوه بعده من إنجاز، مع استغلال كل مشكلة أو أزمة أو افتعالها لخلخلة الصف الوطني، مستعملين في ذلك خطاب الدين أحيانا والديمقراطية الغربية أحيانا أخرى، مع نشاط عناصرهم، على غرار المنافقين على عهد النبي الكريم، ومن وصفهم القرآن بأنهم "المرجفون في المدينة"، في صناعة الفتنة في كل لحظة وتلبيس الحق بالباطل في كل مجال، حتى لا يهنأ المصريون بإنجاز ولا يسعدون بنجاح، مع العمل على تفكيك تكاتفهم وتدمير تلاحم المجتمع وتماسكه.

  إن الأهمية الكبرى ليوم 3\7 هو أنه يمثل اليوم الذي استعادت فيه مصر نفسها، وعادت بعده لمسارها الطبيعي، لتواجه مشكلاتها التاريخية والتقليدية.. لقد كان هذا اليوم هو ذروة الجهاد ضد خطر وجودي يهدد البقاء، وقد عادت مصر بعده إلى أيامها العادية وجهادها المستمر ضد مشكلات طبيعية كانت وظلت وسيستمر بعضها حتى حين.   

يخلط البعض، خاصة ممن لم يعايشوا اللحظة ولم يدركوا تبعاتها، أو ممن نسوها أو تناسوها، بين مخاطر احتمالات تفكك الوطن وتقسيمه وتهديد أمن وحياة الناس، بل وبيعهم أحيانا في سوق الرقيق الداعشي، وبين أزمات تقليدية معتادة لا تخلو منها حياة الدول، مثل الغلاء أو الفساد أو مشكلات الإدارة أو الأخطاء التقليدية لأي نظام حكم، ترضي قراراته بعض الناس ولا ترضي البعض الآخر، وتتحقق بعض وعودها دون البعض الآخر، وشتان بين شخص يباع ويشترى وتقسم أمواله وأراضيه على أمراء الحرب وتكفره التنظيمات المتطرفة وهو يقر على نفسه بالإيمان، وبين آخر يأمن على نفسه وأهله ووطنه ويجتهد لتحسين ظروف حياته، مهما واجه في ذلك من أزمات، وشتان بين نظامين، أحدهما يرى في الوطن حفنة تراب عفن ويبتهج وهو يقسمه ويسلمه فريسة لأعدائه، وبين آخر يجتهد لصناعة مستقبل هذا الوطن وإن أخطأ أحيانا أو تأخر قليلا أو انحرف لبعض الوقت عن مساره.