رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أوراق ملحمة أتاتورك".. لماذا سيتجنب جوارديولا "وساوس الشيطان" أمام "الإنتر"؟

جوارديولا
جوارديولا

فى نصف نهائى دورى أبطال أوروبا الموسم الماضى دفع بيب جوارديولا، المدير الفنى لفريق مانشستر سيتى، ثمن قصور ظهيرى الجانب، فبعد ١٨٠ دقيقة ذهابًا وإيابًا أمام ريال مدريد كان "السيتى" الطرف الأفضل، لكن أطرافه الدفاعية أعاقته عن الوصول إلى النهائى.

على مدار موسم كامل عمل بيب جوارديولا على علاج هذه الأزمة لكى يصل إلى ملعب "أتاتورك" الليلة، حيث النهائى الحلم بالنسبة له ولملاك "السيتيزنز"، من أجل إكمال "أعظم قصة نجاح كروية فى العقد الأخير"، عبر خطف دورى أبطال أوروبا من إنتر ميلان. وكان هذا الحل فى التحول إلى ٣ مدافعين، وتأمين الطرفين بلاعبين دورهما دفاعى فقط، مع العمل على عدم الإخلال بالمنظومة الهجومية والكثافة العددية فى الثلث الأخير، ليصبح تحويل المدافع الرابع إلى أدوار مركبة فى الوسط والهجوم هو الصيغة المُثلى لإكمال فكرة الداهية الإسبانى.

مانشستر سيتى.. حل أزمة الظهيرين يمنع تكرار الانتكاسات.. والهجوم يقرب اللقب

البداية كانت فى الصيف ببيع الظهير الأيسر أوليكساندر زينتشينكو، وتلاه فى الشتاء جواو كانسيلو، ومع كايل والكر يمينًا، اكتشف "جوارديولا" الحل فى ناثان أكى يسارًا، ومانويل أكانجى بديلًا للإثنين، معلنًا تخليه التام عن أى أدوار هجومية للظهيرين.

استخدم المدرب الإسبانى ريكو لويس كظهير وهمى، يترك الجهة اليمنى لتنفيذ فكرته بالدخول للعمق مع ارتكاز رودريجو، ورغم إجادته لكن قلة خبراته وضعف بنيانه لم يسعفاه للاستمرارية، فكان الحل المثالى جون ستونز، الذى عمل لسنتين، مثلما صرّح، لكى يصل لتلك الحالة التى كان عليها طوال الدور الثانى من الدورى الإنجليزى والأدوار الإقصائية فى دورى الأبطال.

"ستونز"، الذى يحول طريقة لعب جوارديولا من "٣/٢/٤/١" هجوميًا إلى "٤/٤/٢" دفاعيًا، كان الميزان الذى يتحكم فى كل شىء طوال الموسم، فلم يقتصر دوره على مساعدة رودرى فى البناء والخروج بالكرة، بل كون جبهة مثالية فى اليمين مع دى بروين وبرناندو سيلفا، وكذلك تحول إلى مهاجم شرس يزور مناطق الخصوم ضيفًا ثقيلًا.

وفى الضغط العكسى بعد فقدان الكرة يظل يطارد من الأمام، لكن أمام الهجوم المنظم يعود إلى جوار روبن دياز فى عمق الدفاع كمدافع ثانٍ، ويتحول الرسم لـ"٤/٤/٢"، بأن يظل دى بروين مع هالاند وخلفهما رباعى وسط بعودة جوندوجان إلى جوار رودريجو فى الارتكاز وحولهما جناحان على الأطراف. كانت هذه الخلطة السحرية التى أعانت "جوارديولا" على علاج مشاكل الماضى، وساعده أكثر فى نجاحها استبدال الأشخاص المخصصين فى إنهاء الهجمات من ستيرلينج وخيسوس إلى هالاند ودى بروين، وكان قبلهما فودين فى انطلاقة الموسم. وشتان الفوارق بين الثنائية الأولى والأخيرة، فلم يعد "جوارديولا" بحاجة لصناعة ١٠٠٠ فرصة لتسجيل الهدف، كما كان الحال مع المهاجمين السابقين.

هل يستمر "بيب" بنفس النهج فى النهائى أمام إنتر ميلان، أم يواصل أفكاره المجنونة فى النهائيات ويفاجئنا بشىء جديد؟

فى المؤتمر الصحفى الذى تلا مباراة الذهاب بين "السيتى" و"مدريد"، قال "جوارديولا": "لدينا فكرة فى الإياب ستجعلنا أكثر قوة هجوميًا".

أسبوع كامل قضاه الجمهور والمحللون والمتابعون يتنبأون بهذا التغيير، وما يخططه "بيب" لـ"أنشيلوتى"، البعض قال بدخول رياض محرز، وآخرون ذهبوا إلى ألفاريز، لكن الإسبانى لعب بنفس التشكيل.

الفكرة التى أجراها "بيب" كانت بتقدم جوندوجان إلى جوار هالاند، وعدم العودة للبناء فى الخلف مع رودريجو مثلما فعل فى الذهاب.

كُلف جون ستونز بمهمة الخروج بالكرة من الخلف بجانب رودريجو، مع التقدم لتحقيق الكثافة العددية، فكان هذا التغيير الخططى الذى بدل فلسفة البناء وسياسة الضغط على المنافس، وجرى معه تحول كلى.

أمام أرسنال لعب جوارديولا بنفس الأسلوب الذى اعتمد عليه فى الذهاب أمام ريال مدريد، جوندوجان ارتكاز بجوار رودرى، ويظل ستونز مدافعًا مع روبن دياز.

هذا يعكس أن "بيب" حينما يؤمن ويحترم المنافس سيعود جوندوجان للثلث الأخير ويبقى ستونز مدافعًا، وإذا قرر الاندفاع والتقدم سيكون الألمانى فى المقدمة، وكذلك يخطو ستونز لأدواره فى الوسط والجهة اليمنى.

من هنا نقول إن "جوارديولا"، وأمام التكتلات الدفاعية لـ"إنتر ميلان"، إذا اختار مبدأ المبادرة فالحل هو اللعب بشكله الاعتيادى، دون أفكار جديدة أو استبدال فى العناصر، ستونز مع رودرى، وجوندوجان فى الثلث الأخير من أجل إعانة هالاند والبحث عن التهديف.

البعض يعود للطرح الذى كان حاضرًا قبل نصف نهائى الإياب، ألفاريز يدخل إلى جانب دى بروين، خلف هالاند، وجوندوجان يعود مع رودريجو فى الارتكاز، ويتم التضحية بأحد المدافعين.

هذا لن يحدث لأسباب كثيرة، عودة جوندجان للخلف تعنى خسارة أذكى لاعب فى الثلث الأخير من الملعب، وهداف بارع فى اختراق التكتلات، كما أنك ستفقد جودة ستونز الأعلى فى الخروج بالكرة، والكثافة التى يحققها حينما يأتى من الخلف.

ودفاعيًا لن تكون بنفس الحالة المرنة التى يمنحك إياها ستونز، سواء بتأمين المساحات العرضية مع رودرى أو بالضغط أو حتى بالعودة إلى مساندة روبن دياز وقت الهجوم المنظم للمنافس.

لذلك فإن احتمالية الاستغناء عن أدوار ستونز مع رودرى وعودة جوندوجان تشبه بعض الشىء ما جرى فى النهائى السابق لـ"السيتى" أمام تشيلسى، مع الاختلاف فى الطريقة والعناصر.

صحيح أن جوارديولا استعان بهذا الشكل فى بعض الفترات من الموسم، لكن هذا جرى فى منتصف الموسم وببطولة الدورى وأمام فرق أقل من "إنتر" جودة وعناصر وتنظيمًا، وكانت الفرصة سانحة للتعويض، بينما فى نهائى الأبطال سيكون من الحماقة المغامرة بهذه الفلسفة حيث لا مجال للتعويض إذا فشلت.

والشىء الأخير والأهم أن دخول ألفاريز قد يحدث كمهاجم ثانٍ فى الجزء الأخير من المباراة، حينما تعجز الحلول الاعتيادية والمنطقية، أما البدء به فمعناه الإلقاء بكل الأوراق مبكرًا، وعدم الاحتفاظ بفكرة أكثر شراسة تحدث تغييرًا.

إنتر ميلان.. التنظيم الدفاعى وامتصاص «ثورة السيتيزنز» فى البدايات.. واستغلال قدرات دجيكو ومارتينيز

فى المقابل يأتى "الطليان" بهدوء أكبر وضغوط أقل، فلا أحد سيعاتب سيمونى إنزاجى حال الخسارة، لأن وصول الفريق إلى ملعب "أتاتورك" فى حد ذاته بطولة وإنجاز عظيم.

تحمل كل التصريحات من الجانب الإيطالى تقديرًا واضحًا لـ"السيتى" واعترافًا بالفجوة بين الفريقين، لكن لأنها ٩٠ دقيقة فقط، فقد جاءوا بآمال الانتصار، وإن كانت أقل بكثير من منافسهم.

اللعب بـ٥ مدافعين طريقة ترهق "جوارديولا" وفريقه، لكن هل يختار "إنزاجى" العودة للخلف من البداية؟ وماذا يفعل حينما تأتيه الكرة؟

يعرف «إنزاجى» أن الالتزام بالبقاء فى الثلث الأخير مبكرًا أمام طوفان "جوارديولا" يعنى الانتحار، ويدرك أن الضغط العالى مغامرة قد لا تحمد عقباها.

فى كل الحالات هو مخيّر بين طريقين صعبين ومعقدين، لكن أفضلهما وأكثرهما إرهاقًا لـ"السيتى" هو تبادل التحكم والحيازة، أى تنويع أساليب الضغط، والاحتفاظ بالكرة قدر الإمكان.

"إنتر" فريق رائع فى الخروج بالكرة، لديه ثلاثى دفاعى جيد للغاية، خاصة "باستونى"، اللاعب الذى تشعر بأنه تأسس خصيصًا ليلعب مع "جوارديولا".

يمكن لـ"إنزاجى" سحب وسط وهجوم "السيتى" مع كرة من الخلف يفوز فيها دجيكو بالصراع الهوائى، ويستغل تقدم دومفريس ودى ماركو، وبوجود لوتارو بالقرب منه ستكون هناك الكثافة المطلوبة لخلق الإزعاج.

واهم من يظن أن "السيتى" سيكون فى نزهة، وهذا لن يحدث إلا إذا كانت البداية استثنائية كما جرى أمام مدريد، ومثلما فعل "إنتر" نفسه بغريمه "ميلان" فى المباراة الأخرى بنصف النهائى، حين سجل هدفين فى ١٠ دقائق، هنا فقط سيكون "الإنتر" فى حلقة تحاصرها النيران من كل الاتجاهات.

لذلك البدء بتنظيم دفاعى محكم وامتصاص ثورة "السيتى" فى البدايات، مع التمرير الطولى لـ"دجيكو"، واستغلال مهارة وسرعة لوتارو مارتينيز، وتقدم الظهيرين، ستكون البداية المثالية التى يحلم بها "الطليان".

كما أن الكرات الثابتة واحدة من الأمور التى تميز الفريقين طوال الموسم، والفائز بها هذه المرة سيكون الفائز باللقب أيضًا.