فقط أعطوهم الفرصة| كواليس غطس سيدة أمريكية من ذوي الهمم في مياه مصر (صور)
ربما تخيل من لم يعلم عن قدرتهم شيئًا أن "كرسي العجل" قد حدد حركتهم وقلل من عزيمتهم، ولكن تثبت الأيام يومًا بعد يوم قدرة هؤلاء على تحدي الحياة، والانطلاق من هذا الكرسي إلى أبعد حدود الحرية وتلك الحياة فيصبح أداة للحرية لا للقيد.
ذلك ما أظهرته صورة تعجب لها الكثيرون انتشرت على الفيسبوك، وهي لسيدة من سيدات ذوي الاحتياجات الخاصة تنطلق بكرسيها المتحرك أسفل مياه البحار لتسبح به بين الشعاب المُرجانية والأسماك متحررة من قيود الكرسي، وكأنها تنتزع حقها في الاستمتاع، وتنادي في صرخة تحت الماء أنها ها قد أخذت ذلك الحق الذي يظن البعض أن عليها التنازل عنه طالما كتب لها أن يصبح "كرسي العجل" رفيقًا لها.
تلك السيدة التي وصلت إلى أعماق 24 مترا تحت الماء مستخدمة كرسيها إنما هي سيدة أمريكية تدعى Susan Austin أصيبت منذ سنوات بمرض ضمور العضلات، وآبت أن تيأس لما يفرضه هذا المرض عليها من تقييد للحركة، فاختارت أن تمارس أول تجربة لغوص ذي الهمم أسفل أعماق البحار كما أصرت على اختيار مياه البحر الأحمر في مصر لتمارس فيها هذه التجربة، وقد صاحبها في رحلة الغوص تحت الماء الغواص المصري الكابتن تامر سلمان الذي توصلت "الدستور" إليه وتحدثت إليه لمعرفة المزيد حول تلك التجربة وهدفها.
أوضح تامر، أن ما قامت به السيدة أوستن يأتي ضمن حملة أطلقها هو وهي عام 2012 لتمكين ذوي الهمم من ممارسة رياضة الغطس تحت الماء واختارت فيها السيدة أن تكون المناطق التي تغطس بها بكرسيها المتحرك في مصر بالبحر الأحمر وتحديدًا بالغردقة لعشقها لمياه مصر وبحارها.
وحسب تامر فقد قام بعض الأطباء بتصميم الكرسي لها ليكون مزودًا بموتور وأذرع متحركة لتتحرك به بحرية أسفل الماء وكذلك صمم على أن يكون مثبتًا بها، مما مكنها من الغوص حرة تمامًا دون التقيد بارتداء بدلة الغوص، وقد أصرت أوستن على الغوص بالكرسي حتى يكون إشارة تعبيرية منها لتوضيح أن ذلك الكرسي يمكنه أن يكون أداة حرية بدلًا من أن يصبح أداة للتقييد.
يوضح تامر أن تميزه في التعامل مع ذوي الهمم بشكل عام يرجع إلى وجود بعض أقرباؤه وأصدقاؤه ممن ينتمون إليهم، مشيرًا إلى أنه يستطيع بسهولة التعامل معهم ولا يجد أي صعوبة في ذلك.
يرى الغواص المصري، أن ما قامت به السيدة Austin يمثل توعية حقيقية بأن ذوي الاحتياجات الخاصة يمكنهم بسهولة ممارسة رياضة الغطس دون أي عائق مشيرًا إلى أن هناك الكثيرون ممن لا يعلمون عن هذا الأمر شيئًا، وهناك البعض من يعتقد أنه أمر معقد ويحتاج إلى تكاليف، على عكس الحقيقة، كما أكد تامر، أن استخدام الكرسي المتحرك تحت الماء ليس شرطًا على الإطلاق لغوص ذوي القدرات الخاصة بينما قد اختارته أوستن كرمز للتعبير عن استخدامه من القيد إلى الحرية.
وأضاف: "لا يحتاج إلى أي شيء إضافي" واصفًا غوص ذوي الهمم على مسافات طويلة تحت الماء، مشيرًا إلى أن غوص ذوي الاحتياجات الخاصة لا يحتاج أكثر من ارتداء بدلة غوص بمواصفات خاصة تتناسب مع حجم الإصابة، لتمكنه من الغوص بحرية، وهي متاحة بالفعل، وبالتالي فلا يوجد تكاليف أو عائق يعوق استمتاع ذوي الهمم بممارسة هذا النشاط.
أما عن احتمال وجود خطورة على هؤلاء بممارستهم هذه الرياضة فقد نفى الكابتن تامر هذا الأمر نهائيًا موضحًا أن هذه الرياضة تساعد ذوي القدرات الخاصة في التغلب على حالات الاكتئاب التي تصيب أعداد كبيرة منهم، وهو ما ينعكس بالتالي على أوضاعهم الصحية بالتحسن.
كما أشار تامر إلى أن الشركات التي تقوم بتوفير نشاط الغطس لذوي الاحتياجات الخاصة توفر بدورها أطباء متخصصين في طب الأعماق لهم ولغيرهم من أجل تحقيق كافة إجراءات السلامة لهم.
وأكد الغواص المصري، أنه يأسف لعدم معرفة المصريين جيدًا بهذه الرياضة فجميع الحالات التي تأتي إليها لخوض تجربة الغوص تحت الماء هي لحالات من ذوي القدرات الخاصة من الأجانب وليس المصري.
وتابع أن عدم معرفة المصريين من ذوي الاحتياجات الخاصة هذا النوع من الرياضة على الرغم من وجود كافة الاستعداد لممارستها في بحار بلادهم، يضيع عليهم فرص الخروج من شرنقة قيد الكرسي المتحرك إلى حرية أعماق البحار، والغوص في هذا العالم في تجربة يحلم بها الكثير من الأصحاء مما يحرمهم الكثير من المتعة التي هي حق أصيل من حقوقهم مثلما هي حق لكل إنسان.
ووصف سلمان في ختام حديثه أن رحلة غوص بسيطة تحت الماء يمكن أن تغير الكثير في نفسية أصحاب الهمم، وهو ما قد لامسه بنفسه من خلال تلك الفرحة التي شاهدها بأعينهم عقب مرافقته لبعضهم أسفل أعماق البحار، والتي وصفها بأن الكلمات تعجز عن تجسيدها، مشبهًا إياهم بأنهم كالطيور التي قد تحررت من قيدها وذاقت لأول مرة طعم الحرية بعد سنوات من السجن فقط "أعطوهم الفرصة"..قالها سلمان.