رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العبودية مِن المُبَشِّرات لِغدٍ بَائِس لهم

أتذكر بمناسبة الاحتفال بعيد القيامة المجيد ما حدث فى العام الإخوانى الأسود أثناء الاحتفال بطقوس ليلة العيد بالكاتدرائية المرقسية، عندما بدأ قداسة البطريرك فى تلاوة أسماء من شاركوا الأقباط احتفالهم بتلك المناسبة، وفى درس واضح وجلى، أعلن الشباب المسيحى موقفهم، بعدم تصفيقهم بعد كل مرة يتلو فيها قداسة البابا للشكر وامتنان الكنيسة أسماء رموز الرئاسة، ووزراء الفشل والإرهاب، وفى المقابل كان تصفيقهم المدوى بعد ذكر كل رموز الاستنارة والوطنية، ومن انحازوا للشعب، وفى مقدمتهم الفريق عبدالفتاح السيسى فى رد واضح من جانب الشعب المصرى على نعيق بوم الكراهية فى سماء المحروسة، وفى اليوم التالى لعيد القيامة تبادل الجميع تهانى الود والمحبة والسلام بمناسبة «شم النسيم» بعد إعلان رموز الشر الإخوانى أنه لا احتفال بشم النسيم، وقامت الجماهير بفرش ملاءات الحب والاندماج المجتمعى فى جناين المحروسة يأكلون الفسيخ، ويتناولون الشاى فى الخمسينة، نخب العيش المشترك فى يوم عيدهم المصرى لفولكلورى التراثى الجميل.
لقد أيقنت نخبة 30 يونيو أن الجماعة الجالسة على كراسى الحكم هم فى النهاية عصابة لمناهضة الإبداع وكراهية الجمال والخير والحق، فكان انطلاق شرارة الإرهاصة الشعبية الأولى لثورة ٣٠ يونيو من جانب أهل الإبداع والتنوير والجمال وأحفاد صناع الحضارة المصرية العظيمة من أمام مكتب وزير الثقافة المغلق بأمرهم فى وجه أول وزير ثقافة إخوانى كان من أول قراراته الغبية المتعجلة إقالة معظم قيادات وزارة الثقافة ليكشف عن الوجه الظلامى القبيح لجماعة غير وطنية قررت بكل بشاعة «حرق مصر» المدنية المستنيرة!!
وعليه، كان قرار اعتصام عدد هائل من المثقفين والفنانين والصحفيين وأهل الرأى ورموز التنوير المصرية بمقر وزارة الثقافة بالزمالك، وإعلانهم رفض الحوار مع وزير الثقافة، أو مع أهل الحكم الذى أفرز وجودهم قرار تعيين ذلك الوزير، معتبرين أن وجوده يُعد دليلًا قاطعًا على نية جماعة الحكم الاستيلاء على قوى مصر الناعمة ومقدرات مصر الفكرية، وأكدوا فى بيان أصدرته جبهة الإبداع المصرية التى كانت قد تشكلت على وجه العجل، وكانت مطالب المبدعين المصريين متجاوزة أى مطلب فئوى أو مهنى، وأكدوا أنها ثورة غضب وطنية فى مواجهة حكم قرر أن يخاصم شعبه ويُقصى معارضيه ويهدد دينه وهويته وتراثه الفكرى والثقافى، وأشاروا إلى أن رفض وزير الثقافة ليس مرتبطًا بشخصه وإنما هو رفض لسياسات حكم جماعة ترى الوطن غنيمة وينبغى أن يتم توزيع البيان على الأتباع والمؤيدين، مؤكدين أن المعتصمين فى وزارة الثقافة قاموا بخلع كل رداء حزبى أو فكرى ليتشح الجميع بعلم مصر الوطن والتاريخ والحضارة وليعبروا عن طموحات شعبها الذى أنجب مبدعين لهم جذورهم العائلية الممتدة فى العمق المصرى ريفًا ومدنًا، عمالًا وموظفين، تجارًا وحرفيين.
وفى شكل إبداعى جرىء آخر، قرر شباب منطقة القناة كسر قرار الرئيس الإخوانى بحظر التجوال، فقاموا بتنظيم جدول مباريات لدورى بين فرق الشباب فى الشوارع، للرد البليغ والرائع على من دبروا مجزرة بورسعيد، ومن تورطوا فى الهجوم على المشيعين لجثامين شهداء تلك المجزرة، ليسقط عشرات من الشهداء من بين المودعين لأحبابهم، وليقولوا بردهم على الأرض إنه لا حظر على الأحرار فى أوطانهم.
ويبقى السؤال: متى يقرأ هؤلاء تركيبة الشعب المصرى الذى خذل وما زال يخذل ويحبط كل محاولاتهم، ولا يتعلمون؟!
وأذكر أن وصلتنى فى تلك الفترة «وكذلك معظم الكتاب والإعلاميين» رسالة حررها مرشد الإخوان بعنوان «الحُريَّة من المُبَشِّرات لِغدٍ مُشْرِق» وفى تعريفاته للحرية والعبودية يكتب المرشد: «من الناس من يختار أنواعًا من العبودية غير العبودية للبشر الصريحة، بأن يكون الناس عبيدًا لأفكارهم بما يهيمنون عليهم من مصالح وأهواء، فصار بعض الناس عبيدًا للشهوات، فالشهوة هى التى تُحرِّكُه وتقيمه وتقعده!!
ويا لبشاعة أصحاب الجلود السميكة وما لايدركون بغباء تاريخى (كوصف ريسهم مرسى لأهل عشيرته)، وكأن مرشدهم يحدثنا عن مجمل سماتهم وبشاعات تاريخهم الأسود، إنها شهوات التمكين، وعبودية السمع والطاعة، والاستعباد عبر المغالبة لا المشاركة.. نعم إنها عبوديات الإخوان المبتكرة !..، وعليه كان ينبغى أن يكون عنوان مقاله «الحُريَّة من المُبَشِّرات لِغدٍ مُشْرِق»..  ليكون «العبودية مِن المُبَشِّرات لِغدٍ بَائِس لهم»..
وفى النهاية، يمكننا إدراك أهمية ما ذهب إليه الرئيس «السيسى» فى أنّ خروج المواطنين فى 2011 كان سببه عدم وجود رضا مجتمعى، وقال: الناس مكنتش مبسوطة بس مش عارفة ليه.. مكنتش راضية بس مش عارفة ليه.. وعليه يمكننا إدراك أسباب نجاح ثورة 30 يونيو لإدراك المواطن أسباب غضبه ومشاركته الفاعلة فى السعى لتحقيق تقدم دولتهم دون توقف كسول رذيل بالاكتفاء بممارسة نقد النظام.