رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشفافية وسياق وتداعيات الأحداث


أ. د. محمد عبدالسميع عثمان

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.

توالت الأحداث عقب الانتخابات الرئاسية، والتى قرأها المجتمع على أنها خالفت الوعود التى تم الإعلان عنها إبان هذه الانتخابات، حيث تم الإعلان عن عدد من الوعود التى قطعها المرشح الرئاسى على نفسه قبل توليه المسئولية رسمياً، ولعل من أهم هذه الوعود الوفاء بمبدأ الشراكة على صعيد المجتمع كله باعتبار أن جميع أبناء الوطن هم بطبيعة الحال وضرورة الثورة مشاركون فى المسئولية من أجل إعادة بناء الوطن على أسس تراعى العام لا الخاص ذلك الخاص الذى أدى إلى انهيار النظام السابق بسبب تمسكه به والإبقاء عليه. غير أن توالى الأحداث بعد ذلك خيب الآمال والوعود التى بذلت من قبل وأكدت هذه الوعود على تحقيق مبدأ الشراكة بالكامل، حيث شعر الناس أن هذه الوعود كانت مجرد وهم لتخدير طموح الجماهير للمشاركة فى إعادة بناء الوطن.

ومن الملاحظ أن جميع التصريحات التى تصدر بشأن مستقبل السياسات فى البلاد إنما تصدر فى الغالب الأعم عن فصيل واحد هو جماعة الإخوان المسلمين عن طريق المتحدثين الرسميين وغير الرسميين منهم. وتشير هذه التصريحات إلى مؤشر مهم هو أن التوجيهات جميعها تمتلكها جماعة واحدة وتستأثر بها دون سائر المجتمع، وأن هذه الجماعة أصبحت تشعر أن الولاية لها وحدها دون الآخرين أياً كان حجمهم فى المجتمع ومهما بلغ وزنهم طالما أن السلطة أصبحت فى قبضة مرشحهم الذى ساندوه ووقفوا إلى جواره حتى تحقق له الفوز، ومن جهة ثانية أصبح الرئيس نفسه أسيرا لما قام به هذا الفصيل من أجله، ومن ثم فقد بات الانفكاك من جانبه عنهم أمرا صعباً للغاية لا يملك الرئيس القيام به ولا يملك فى نفس الوقت إلا الخضوع لرغبات هذا الفصيل وتوجيهاته لأنهم أصحاب الفضل فى إتيانه على كرسيه، ومهما قيل فى هذا الشأن من أمر استقلالية الرئيس من أجل كل المصريين يصبح قالباً أجوف ليس له من معنى أو دلالة. وفى إطار هذا الأسر الذى يعيشه الرئيس يصبح التطلع إلى الشفافية مجرد حلم يداعب الجماهير ولكنه صعب المنال، بمعنى أنه لن تكون سمة قرارات صارمة يراعى فى صياغتها مصلحة الوطن جميعه وتحتوى هذه المصلحة على حاجات جميع الخصائص السكنية والإسكانية للوطن بمعنى شموله لجميع مستويات وفئات الناس وتنوعها وتنوع اتجاهاتها الأيديولوجية وقيمها ودينها وتواجدها الاجتماعى، وكذلك اختلاف تواجدها المكانى.

وأساس مراعاة مطالب هذا التنوع أن جميع المواطنين يتمتعون بسائر الحقوق وكذلك الواجبات ومراعاة مطالب تنوعهم حق أصيل لهم، ولا يعد الاستجابة لهذا التنوع والاختلاف بمثابة عطف أو منة من جانب من يقومون على السلطة بل يمثل ضرورة حتمية واجبه على الحاكم أو من يقوم على السلطة، باعتبار أن وجود هذا التنوع الاجتماعى هو الذى منح الحاكم سلطة الجلوس على عرش الحكم، وذلك يمثل عقداً اجتماعياً بين أطياف المجتمع والحاكم الذى خوله أمور حكمهم حتى وإن كان العقد غير مكتوب إلا أنه قائم، ويمثل وجود هذا العقد سلطة قاهرة وآمرة وعلى الحاكم أن يحترم هذا العقد الذى تم تأسيسه على احترام ومراعاة مطالب التنوع والاختلاف الموجود داخل الوطن الواحد طالما أن هذا التنوع والاختلاف نفسه هو الذى منح السلطة لمن يقوم على حكمه. وفى إطار ما سبق فإن ضياع الشفافية سوف يكون مصدره أن الحاكم الحالى فى حالة من الصراع بين إرضاء جماعته التى ترى أنها هى التى أتت به إلى سدنة الحكم وبالتالى هى صحابة الفضل فى جلوسه على العرش وبين الوفاء بالوعود للجماهير التى قطعها إبان الانتخابات الرئاسية، والتى أساسها الخضوع لمبدأ المشاركة لمواجهة متطلبات التنوع والاختلاف الذى يشهده الوطن الواحد. ومن ثم فإن مصير الشفافية العدم، لأن الرئيس سيظل فى حالة من محاولة إرضاء الجماهير حتى ولو بالكلام غير المصاحب للأفعال، وفى ذات الوقت لن يتخلى عن جماعته صاحبة الرغبة فى الهيمنة والسلطان وإقصاء الآخرين. ولكل المظاهر السابقة قد اتضح بعضها فيما سمى بالتشكيل الوزارى الجديد وعملية توزيع الحقائب الوزارية ومدى قدرتها على تلبية حاجات التنوع والاختلاف داخل الوطن الواحد، وإن كان سمة استثناءات لا تذكر لهذا التنوع لا تقدم ولا تؤخر، وإنما تعد من قبيل زر الرماد فى العيون وذلك لأن أى خروج للتشكيل الوزارى عن خارج إطار الجماعة لن يرضيها حتى لو كان هذا الخروج بحقائب معدودة غير مؤثرة. ويترتب على ذلك أن الجماعة ستظل فى حالة تنمر وترتب حتى تستحوذ على مقاليد الأمور لأى فرصة، حتى لو كان ذلك ضد استقرار المجتمع وسعيه للنمو الهادئ مرة أخرى. ولقد طالعتنا بعض الصحف بما يفيد هذا التوجه فى عناوينها الرئيسية مثل صحيفة الوطن المصرية الصادرة فى يوم الجمعة 3/8/2012، حيث جاء العنوان الرئيسى فى الصفحة الأولى فى هذه الصحيفة يقول : قيادى بارز بالإخوان للوطن: «حكومة قنديل» عمرها ستة أشهر وسنشكل الوزارة القادمة بالكامل. ويفيد هذا التصريح على مسئولية الصحيفة أن فكرة مبدأ الشراكة أساساً منعدمة ومرفوضة من جانب الجماعة ولا وجود لها، ومن ثم فإن السؤال الذى يبرز الآن أين تكمن الشفافية؟. إن سياق الأحداث وتتبعها يؤكد أن الشفافية منعدمة ولا يبقى أمام جماهير الشعب إلا اليقظة إزاء متطلبات المصلحة العامة من أجل الوصول إلى تحقيقها، وإذا عزمت الشعوب على تحقيق أهدافها فلن يثنيها شىء أين كان مقدار حجم القهر أو الظلم الذى تتعرض له.

■ العميد الأسبق لكلية التربية بجامعة الأزهر