عملة نادرة.. أسرار قضايا نجوع وقرى الصعيد الجوانى على الشاشة
- جمال سليمان يتألق فى دور الصعيدى المتسلط وأحمد عيد شرير مقنع لا يقلد أحدًا
- المسلسل يلقى الضوء على حرمان المرأة من الميراث وممارسات العنف ضدها
- نيللى كريم تقدم أفضل أداء فى الماراثون الرمضانى وجومانة مراد «جوهرة لامعة»
فى تقديرى أن مسلسل «عملة نادرة»، الذى تنتجه الشركة المتحدة ويعرض يوميًا طوال شهر رمضان الكريم، هو فرصة مواتية لفتح ملفات القضايا الشائكة فى قرى ونجوع الصعيد الجوانى، ويمكن أن يكون بداية لمناقشة قضايا الصعيد الجوانى وما يحدث فى القرى النائية، ومناقشة هذه القضايا وإظهارها على السطح وإلقاء الضوء عليها يعنى التفكير فى إيجاد حلول لها ورفع درجة الوعى بها، وبالتالى تغيير هذه الأعراف والمشاكل التى تجثم على صدر الأهالى، والقهر الذى تتعرض له المرأة، وحرمانها من الميراث، واستمرار مسلسل الدم والقتل بسبب مأساة الثأر المتوارثة منذ قرون طويلة، والتشدد والتطرف الدينى المنتشرين بين جنبات القرى والنجوع، نظرًا لبعدها عن العاصمة والمدن الكبرى، بعيدًا عن عيون الدولة وبث الفتن ودفع الشباب باستخدام الدين نحو التشدد والجرائم وممارسات العنف التى تطال كل شىء، بدءًا من المرأة فى كل العلاقات العائلية: الابنة أو الزوجة أو زوجة الابن، أو وصولًا إلى العنف بين أفراد العائلة الواحدة، أو العنف بين العائلات المتناحرة، أو العنف بسبب الفساد والرغبة فى الوصول إلى المال والجاه والسطوة والتسلط على الأقل احتياجًا، أو الضعفاء والأهالى الفقراء.
وبشكل عام تدور الأحداث بشكل درامى حول قضايا الصعيد فى فترة التسعينيات من القرن الماضى، وتسيطر الكآبة على معظم الشخصيات، ويسيطر اللون الأسود على كل شىء فى البيوت، الأثاث والملابس والنفوس بلا استثناء، ومنذ الحلقة الأولى يكشف المسلسل عن العنف بين أفراد العائلة، والكراهية المسيطرة على كل منهم تجاه الآخر، إلا أن هناك طاعة عمياء وخوفًا وهيبة تامة لسلطة كبير العائلة وكبير النجع كله.. ونرى قهر المرأة من خلال التسلط الذى يمارس على زوجة الابن الذى توفى، والذى قتله شقيقه طمعًا فى الاستيلاء على نصيبه من الميراث، بل والزواج من أرملته حتى يتم منعها من ميراث زوجها وابنها الرضيع.. ونرى أيضًا من خلال الحلقات الأولى الصراع بين العائلتين الكبيرتين عائلة عبدالجبار وعائلة أبوأصبع اللتين تملكان النفوذ والمال والجاه وتسود بينهما الكراهية والمنافسة على التسلط على القرية، بل ودخول مجال السياسة من خلال انتخابات البرلمان حينذاك للحصول على الحصانة وتوسيع دائره النفوذ السياسى والثروة.
وكانت الدراما المصرية قد قدمت عددًا من المسلسلات وأيضًا الأفلام السينمائية حول الحياة بداخل الصعيد فى مصر واستطاع بعضها أن يقتحم قضايا عديدة، وكثير منها حظى بالمشاهدة العالية، ومنها قضايا الثأر والعنف وسطوة الكبار والصراع بين العائلات الكبيرة، والتشدد والفساد، إلا أن مشكلة حرمان المرأة من الميراث لم يتم التركيز عليها والتصدى لها بشكل واضح، ولم تقدم البطولة لأرملة تحاول وتناضل للحصول عليه.
وفى تقديرى أن مشكلة حرمان المرأة من الميراث فى الصعيد فى حاجة إلى عدة مسلسلات لو أردنا تحريك هذه القضية ذات الجذور بداخل الصعيد، والتصدى لها مجتمعيًا وتغيير هذه الثقافة الرجعية، وهى مشكلة لا تزال فى حاجة إلى إلقاء الضوء عليها من الوصول إلى تشريعات تؤدى إلى تحقيق العدالة للمرأة.. كما دخل بنا إلى مناطق شائكة جديدة من حيث التشدد والعنف فى العلاقات الاجتماعية بداخل العائلات الكبيرة والتشدد فى التعامل مع المرأة.. وإذا كانت هناك مقولة شهيرة تقول إن المرأة فى الصعيد هى سيدة قوية.. إلا أننى أرى أن هذا غير حقيقى؛ لأنها فاقدة حريتها وحقوقها الأساسية التى أقرها الدستور المصرى والتى يقتضيها تطور الحياة.
بل إننى أرى أنها يمكن أن تكون قوية بمعنى أنها تتحمل الكثير من القهر والظلم وفقدان الحقوق، وليست أنها قوية بالمعنى الحقيقى للكلمة، أى أنها تتمتع بقدرتها على التخطيط واختيار مسارات حياتها، وأن لديها الحرية التى تحقق بها ذاتها أو أنها تتلقى تعليمها أو أنها تختار شريك حياتها بحرية واستقلالية تامتين.. ولهذا فإننى أعتقد أن هذا المسلسل قد يشكل بداية قد تفتح طريقًا لمناقشة أحوال المرأة فى الصعيد بشكل أفضل وأكثر جرأة وأكثر صراحة.. كما يقدم لنا من خلال قصة فى ٣٠ حلقة مشاكل الثأر الذى يسيطر على كل العائلات ويمارسه معظم العائلات، وتفقد العائلات ضحايا بسببه، وأبناء أبرياء فى بعض الأحيان، وقد يكون هذا أيضًا بداية مناقشة مشكلة الثأر والتصدى له بشكل أكثر صراحة وأكثر جرأة أيضًا.. ونرى التشدد فى العلاقات الأسرية، فللزوج الكلمة العليا فى الصعيد والزوجة ما عليها إلا الطاعة والاستجابة لرغبات الزوج.. ولا تزال هناك أنواع من العنف كثيرة جدًا نراها من خلال مسلسل «عملة نادرة» فى التعامل مع المرأة بشكل خاص وفى القيود التى تكبل حريتها حتى فى إبداء الرأى.
كل من نراه فى هذا المسلسل يمهد لفتح ملف العلاقات فى الصعيد، خاصة فى القرى النائية وفى القرى الصغيرة، حيث نجد نماذج سافرة من العنف والسطوة والتحكم للكبار فى أقدار الضعفاء من السكان، وكأنهم يعيشون خارج القانون، فهم يشكلون دولة بداخل الدولة.. كما يتعرض المسلسل للصراع فى نجع عبدالجبار بين عائلتين كبيرتين، ولعل هذا الصراع يظهر لنا كم المشاكل التى تدور فى نجوع وقرى الصعيد، حيث تسلط العادات والعرف والتقاليد على البيوت كلها.
إننى آمل فى أن ينجح هذا المسلسل فى لفت النظر إلى حقوق الفتيات داخل البيت الصعيدى وسماع صوتهن ومشاكلهن ورغباتهن ومعاناتهن فى مواجهة تسلط الأب والأخ والزوج فيما بعد.. وما زال المجتمع فى حاجة إلى تشريعات وقوانين تكفل لهن التعليم، وتكفل لهن اختيار الزوج فى المستقبل، وتكفل لهن أن يتمتعن بالحقوق فى المعاملة الآدمية.
وفى هذا المسلسل تحديدًا سنجد أنه فى البداية تظهر لنا حالة «نادرة»، وهى البطلة التى يتوفى زوجها وتجد نفسها محرومة من ميراث زوجها وابنها الرضيع ويحاربها ويضطهدها جميع أفراد العائلة من حولها.. بمن فيهم والده كبير النجع عبدالجبار الذى يحاربها بهدف حرمانها من الميراث والتحكم فى حياتها.. إلا أننا نرى من خلال المسلسل أيضًا أن نادرة شخصية قوية تقاوم ولا تستسلم، فتتعرض لحروب وتتعرض للخطف وتتعرض للتعذيب، ولكل أنواع القهر والسلطة الرجالية، حتى إنها تكتشف أن الطمع فى الميراث قد جعل شقيق زوجها يقتله.. وهناك دليل لديها على ذلك، ويحاول أن يتزوجها حتى لا يخرج الميراث والأرض من عائلة عبدالجبار.. وفى مواجهة عائلة عبدالجبار نجد من ناحية أخرى عائلة أبوأصبع.. وهناك أيضًا محاولة للفرار والفكاك من قبل «نادرة» من هذا القهر، إلى حد أن «نادرة» بطلة المسلسل تلجأ إلى الزواج من أحد مطاريد الجبل طلبًا للحماية والانتقام من عبدالجبار وعائلته.. وتعيش فى ظل حمايته، حيث تكتشف جرائم عبدالجبار وتتوالى الأحداث.
والحقيقة إننى أطالب بأن نفتح هذا الملف الخطير الذى يسلب المرأة الحقوق الشرعية لها، مما يجعلها تعيش فاقدة الكرامة والقرار والذات، ولقد آن الأوان لأن نفتحه فى بلدنا حتى يمكن أن تبدأ المرأة الصعيدية فى الإحساس بآدميتها وتوفير والكرامة والحقوق الأساسية لها التى كفلها لها الدستور، أيضًا نرى حتى الابنة المتعلمة لا تجرؤ على أن تواجه والدها بأخطائه، لأن الوالد فى يده مقاليد التحكم فى كل العائلة «الزوجة والأبناء»، بل إنه يحرق بيوت القرية، حيث يعتبر المالك لحياة أهل القرية والمتسلط على أقدارها، والمسلسل بشكل عام يمكن أن نطلق عليه أنه اقتحام جرىء لمشاكل المرأة ومشاكل العائلات وسيطرة العرف والعادات على أهل الصعيد فى التسعينيات حتى الآن، وإن كنت أرى أن هذه المشاكل لا تزال موجودة وما زالت مستمرة ولم يستطع أحد أن ينجو منها أو يفلت منها أو يضع لنفسه طريقًا بديلًا، أو أن تختار المرأة مسيرة تختارها، كما نرى التطرف الأعمى والبث الخاطئ للإسلام فى داخل القرية، حيث نجد الملقب بأمير الجماعة، هو الذى يريد أن يتحكم فى أقدار الشباب ويستقطبهم ليكونوا طوع أمره.
والمسلسل بشكل عام ينقلنا إلى أجواء الصعيد وإلى قضايا الصعيد وإلى النجوع التى فى حاجة إلى إلقاء الضوء، وتسليط الضوء على مشاكلها، وهناك مجموعة كبيرة من الممثلين الذين يقومون بالبطولة، على رأسهم نيللى كريم التى تغير من جلدها تمامًا فى دور «نادرة»، وتجسد هذا العام أيضًا مشاكل المرأة بعد أن قدمت فى شهر رمضان الماضى بطولة مسلسل «فاتن أمل حربى» ونيللى بأدائها البارع للمرأة الصعيدية ذات العزيمة والإرادة فى حماية حقوقها وحقوق ابنها الصغير فإنها تتصدى لسطوة الرجل، وتواجه القهر والحرمان من الميراث والتعذيب والحبس والتسلط عليها من قبل عائلة زوجها المتوفى وأبيه عبدالجبار وزوجته وشقيقه، وينقلها هذا المسلسل إلى نوع جديد من الأداء يؤكد أنها وصلت إلى مرحلة تجعلها تتقمص الشخصية بتمكن واقتدار بلا ماكياج سوى كحل العين الأسود، وبلا تجميل، وبملابس سوداء، وبوجه متجهم وصارم طوال الوقت، نظرًا لما تواجهه وتعانيه، وإن كانت تغالى فى إظهار التجهم الشديد حتى فى لحظه نجاحها فى الهروب وزواجها من الرجل الذى أظهر لها الحب والحماية.
نيللى قد أظهرت قدرة على تجسيد الشخصية بتميز رغم صعوبتها مما يؤكد فى تقديرى ما يجعلها تتصدر أفضل أداء هذا العام كفنانة فى الماراثون الرمضانى، وتلمع إلى جانبها الفنانة جومانة مراد، التى تقدم دور دميانة الصعيدية والصديقة المسيحية التى تتميز بالشهامة، والتى تعانى أيضًا من سطوة القهر وطمع الرجال فيها لغياب زوجها فى حرب العراق، وجومانة تظهر فى هذا الدور موهبة متميزة لفنانة أرى أنها ستأخذ مكانة أكبر بعد هذا الدور، إذ إن لديها قدرة على التعبير السلس والطبيعى، وإظهار الخوف والقلق والتوتر والوحدة من تشدد المجتمع الصعيدى ضد المرأة، ولكنها تحاول المقاومة للقيود الحديدية لتعيش وسط هذا الرعب والبطش والغل الذى يحاصرها، وهى تعتبر سندًا لـ«نادرة» التى تجسدها نيللى كريم، كما أن جومانة قد خرجت أيضًا من فكرة المرأة الجميلة إلى فكرة المرأة الصعيدية التى ترتدى السواد وتعيش مأساة يومية بلا رجل فى مجتمع متشدد ومتطرف وعنيف، وبهذا غيرت جومانة من جلدها أيضًا بشكل ناجح ولافت للنظر.
إن هذا المسلسل يعتبر مغامرة بالنسبة لنيللى كريم، إلا أنها نجحت بجدارة فى هذه المغامرة فى تقديم قضايا مهمة وخطيرة وجادة فى الصعيد ودون الاعتماد على جمالها ورشاقتها، والاعتماد كان فقط على الأداء الناجح، وهى قد نجحت فى جذب الجمهور خلال الماراثون الرمضانى، وأكدت أن الجمهور المصرى يمكن أن يقبل على مشاهدة الموضوع الجاد الذى يقدم رسائل إذا ما قدم بشكل فنى متميز.. وقدم لنا الفنان جمال سليمان نفسه فى المسلسل باعتباره الكبير المتسلط، ففى دور عبدالجبار يتألق جمال سليمان مرة أخرى فى دور الصعيدى المتسلط الجبار والقادر على التسلط على النجع والمقتدر على ارتكاب أى جريمة ما دامت تثبت أقدامه ككبير القرية ذى الهيبة والسطوة والنفوذ، جمال سليمان يتميز فى دوره كفنان كبير يضيف للمسلسل قيمة فنية، مؤكدة بحضور طاغ وبراعة فى لقطاته الغاضبة، وطموحاته وخططه اللا نهائية لبسط نفوذه على الجميع والتحكم فى أقدار الكل فى النجع، وهو قادر على التعبير بوجهه واستخدام طبقات صوته عن قدرته على فرض السلطة والدكتاتورية والعنف على الجميع، فهو يأمر والجميع يطيع خوفًا منه ومن بطشه، جمال سليمان فى هذا الدور أعتقد أنه استطاع أن يتوحد مع الدور مما يجعل منه أحد أهم نجوم الصف الأول القادرين على تقمص الشخصية بجدارة، وهناك أيضًا الفنان كمال أبورية، كبير العائلة الأخرى فى النجع، التى تحارب عائلة عبدالجبار، وهى عائلة أبوأصبع، وهو يحاول أن يعيش من خلال قوة عائلته ونفوذها، إلا أنه يكتشف أخاه وابنه، وكمال أبورية استطاع أن يجسد الشخصية بالشكل السهل الممتنع الذى جعلنا نتعاطف معه حينما يُظهر أحيانًا رفضه العنف، فهو شخصية فيها بعض التعقل، وهو متميز أيضًا فى أدائه دور رجل صعيدى ذى نفوذ وسطوة.
أيضًا هناك ممثلون أظهرهم هذا المسلسل مثل أحمد عيد، الذى يمثل الشقيق القاتل الحانق الحقود الذى يخطط للاستيلاء على ثروة العائلة، والذى يخطط للاستيلاء على نصيب شقيقه الذى قتله.. وأحمد عيد فى هذا الدور أرى أنه سينقله إلى أدوار أكبر كشرير مقنع فى الدراما المصرية لا يقلد أحدًا، ومن الأدوار التى لفتت نظرى أيضًا إلى المسلسل الفنان محمد لطفى، فهذا الفنان قد وصل إلى درجة نضج تجعله يقدم أدوار الشر بشكل مختلف فى كل مرة، وهو هنا يظهر لنا فى دور أحد مطاريد الجبل، الذى يقع فى غرام نادرة من بعيد لمدة سنوات، لكنه يصارحها وهو الذى ينقذها من بين أنياب أسرة عبدالجبار، وهو يتلون فى أدواره كممثل وله حضور واضح يحسب له كممثل فى أدائه، ولديه قدرة على تقديم كل أنواع الشر والمكائد مع إظهار جانب عاطفى فيه يجعلنا نتعاطف معه، إن حبه لـ«نادرة» جعله يشكل حماية لها، وهو الذى ينقذها من القتل وينقذها من مكائد أسرة عبدالجبار.
وتبرز أيضًا الفنانة فريدة سيف النصر التى بدأت تأخذ أدورًا ذات مساحة أكبر هذا العام، وهذا من أدوارها المهمة التى تضيف لرصيدها الفنى، فهى زوجة عبدالجبار دكتاتور القرية المسيطر عليها، وهى سيدة قوية وقادرة على المكائد، وتعبر عن الحقد والكراهية لـ«نادرة» بشكل طبيعى فى الأداء، والتعبير عن الكراهية والقسوة وبث الفتن بشكل طبيعى، وتبرز الفنانة ندى موسى فى أداء طبيعى لدور الطبيبة المتعلمة التى تختلف عن أبيها الجبار والسلطوى وتتشكك فيه وتحاول التصدى له وتتعاطف مع «نادرة»، ويبدو أن فيها الأمل فى تغيير وجه العنف والفساد والقهر فى النجع.. وفى اعتقادى أنها تجسد رسالة حاول المؤلف د. مدحت العدل أن يوصلها للمشاهد، حيث تبدو ندى موسى فى دور ابنة عبدالجبار أنها الأمل كجيل جديد فى التصدى للفساد والقضايا الرجعية وقهر المرأة والثأر والقتل فى قرى ونجوع الصعيد، لكنها حتى حلقة أمس لا تقوى على كسر هذه القيود والثورة على المسكوت عنه، والثورة على أبيها واستخدام حقها فى حياة كريمة أيضًا بداخل البيت وخارج البيت، والقصة من تأليف د. مدحت العدل، التى يدخل بها إلى منطقة جديدة فى الصعيد فى نجع صغير، ويحاول أن يكشف لنا عن مشاكل الحياة اليومية بداخل الصعيد وحرمان المرأة من الميراث وأهم القضايا التى تعشش فيه، مثل مشكلة الثأر والعنف وتسلط الأعراف والتقاليد، ومشكلة تناحر الأسر الكبيرة، ومشكلة التطرف وقهر المرأة، ومشكلة محاولة غسل المخ للشباب فى التسعينيات من جانب المتطرفين باستخدام خاطئ للدين، والقصة والسيناريو فى تقديرى يعتبران بداية للوعى بقضايا شائكة فى حاجة إلى تغييرات جذرية، والتصدى لمشاكل المرأة فى الصعيد، ومشاكل الثأر والعرف والتقاليد وانغلاق العقول.
والمسلسل من إخراج محمد العدل، وهو كما رأيت يقدم صورة أو لقطات فنية لقرية فقيرة بعيدة عن الحضارة وبعيدة عن المدنية بكثير من التميز، وإن كنت لم أرَ خلال المسلسل شبابًا يثورون على التقاليد الرجعية والأفكار البالية المسيطرة على العقول، حتى تكون هناك بارقة أمل تفتح مجال الأمل فى تغيير الواقع القاتم والسوداوى المسيطر على الأحداث منذ بداية المسلسل.
إن هذا المسلسل يعتبر مسلسلًا عائليًا، حيث التأليف والمشاركة فى الإنتاج لعائلة العدل، كما يظهر الفنان جمال العدل فى دور الرجل الذى يسكن الجبل، والذى يحاول أن يقول رأيه، وسط سطوة رجال لديهم النفوذ والمال والقوة والقدرة على الشر بلا حدود، وليست لديهم رحمة فى التعامل مع الآخرين، وهو من أفضل ما شاهدت خلال الماراثون الرمضانى، رغم أنه يقدم مشاكل وقضايا جادة يعانى منها الصعيد، وفى حاجة إلى حلول عاجلة لتغيير الثقافة الرجعية السائدة، ولتغيير العقليات البالية، ولوضع تشريعات تصلح لمستقبل أفضل للمرأة والفتاة وللضعفاء وللأكثر احتياجًا فى الصعيد.