الأطعمة فى الأدب العالمى والعربى.. من «أفروديت» إلى «الطاهى يقتل.. والكاتب ينتحر»
للطعام حضوره فى شهر رمضان الكريم، وفى عادات الشعوب وخبراتها فى إعداد الأطعمة، وهو ما كشفت عنه الروائية التشيلية إيزابيل آلليندي فى كتابها الشهير "أفروديت" (1997) مرورًا بكتاب عزت القمحاوي "الطاهى يقتل.. الكاتب ينتحر" (2023)، عن الوجه الآخر للطعام، أو بشكل أكثر وضوحا عما تسميه العلاقة بين الشراهة والشبق.. نتجول بين صفحات الكتب:
"أفروديت".. إيزابيل الليندى تكشف عن الوجه الآخر للطعام
فى هذا الكتاب الصادر عام 1997، تطرح الكاتبة التشيلية إيزابيل الليندي ذكرياتها وآرائها ووصفاتها عن الحب والطعام.
وتشير إيزابيل الليندي إلى أن بعض الثقافات تنصح بالامتناع عن تناول الأطعمة الدسمة، حتى يتحقق الوصول إلى الصفاء والإلهام، بدعوى أن الطعام الثقيل على البدن يضفي بدوره ثقلًا على الروح أيضًا، ولذلك فإن الرهبان والمتصوفين ورجال الدين من كل الثقافات المختلفة الذين يتطلعون إلى الكمال الديني لا يهتمون كثيرا بالطعام، فهذا من وجهة نظرهم يحمي أرواحهم من الذهاب بعيدًا، ويجعلهم يسيطرون على شهواتهم.
وتمدنا "الليندي" فى هذا الكتاب بقوائم ووصفات للأطعمة التي لجأت إليها الشعوب المختلفة لتأجيج المحبة إلا أنها تؤكد أن "الشيء المثير الوحيد هو الحب ذاته، عندما يحل الحب لا يهم العمر، أو فقر الفرص، أو بطء الجسد.. والحب مثل الحظ يصل حينما لا يستدعيه أحد، يجعلنا مشوشين، ثم يتبخر كالضباب حين نحاول الإمساك به".
"مطبخ زرياب".. تأصيل التاريخ الثقافي للمبطخ
فى كتابه "مطبخ زرياب" قدَّم الكاتب السوري فاروق مردم محاولة معمقة من أجل تأصيل التاريخ الثقافي للمطبخ عبر فترة زمنية كبيرة، في كلٍّ من الشام والخليج والمغرب الأقصى واليونان، وغيرها من البلدان.
وعالج المؤلف فى هذا الكتاب كيف استطاع الموسيقي العراقي الشهير "زرياب" تعليم أهل قرطبة إعداد الأطباق البغدادية، وتطويره فنون المائدة، وهو ما تضمن فى 3 أجزاء رئيسة منقسمة إلى فصول، منها فصل بعنوان “ثمار” ويعود إلى أصول مكونات المطبخ، قبل سريان مدارس الطهي بها، فيتوقف عند تاريخ الزعفران والتمر والأرز والباذنجان والتين والعنب والبرغل والفستق والتفاح واليقطين والحمص، وغيرها كثير من الخضراوات واللحوم والتوابل.
عزت القمحاوى يقتسم افكاره حول علاقة الكتابة بالطبخ مع قارئه الشغوف
فى كتابه "الطاهى يقتل.. الكاتب ينتحر" يقتسم عزت القمحاوى العديد من الأفكار حول علاقة الكتابة بالطبخ مع قارئ شغوف، بعد أن عاشت فى داخله وقتًا طويلاً؛ وهو ما ترصده مقدمة كتابه حيث يقول: "بسبب كل التشابهات بين الحكاية والطبخ اعتقدت دائمًا بأن الكتابة عمل أنثوى، وأن الكاتب الرجل بحاجة إلى وقت يقضيه فى المطبخ لتأنيث روحه وتعويد حواسه على الرهافة، ومعرفة الاعتدال والقصد فى طبخته الأدبية: القدر المناسب من المكونات الأساسية، كمية البهارات، أنواعها، وأوقات إضافتها، كذلك يساعده الطبخ فى تربية حدسه على معرفة لحظة النضج؛ فلا يخرج عمله نيئًا أو شائطًا.
أتصور أن الوقت الذى ينفقه الكاتب فى المطبخ ضرورى لبناء مهاراته فى الكتابة، فهو وقت للتأمل وتفريغ التوتر والخوف من الكتابة ومن القارئ؛ فبالرغم من أن الكاتب يتوجه إلى محبيه بالأساس، إلا أنه لا يستطيع أن يتجاهل القارئ العدو، الذى سيسعى إلى الكتاب بحماسة تفوق حماسة القارئ المحب.
الطاهى أفضل حظًا من الكاتب؛ فليس من الوارد أن يطبخ المرء لعدوه إلا أن يكون أسيرًا أو زوجة لرجل عديم الحب أو خادمًا فى بيت قليل الإنسانية. فى غير هذه الاستثناءات القليلة يظل الطبخ تعبيرًا أمثل عن حب بلا خوف، وتحقيقًا لرغبة فى التواصل لا يشوبها تردد. من هنا يصلح الطبخ وصفة طبية لراحة الكاتب والسيطرة على خوفه من الكتابة وجلب القارئ الحبيب.
عندما يقف الكاتب ليطبخ تتحرر روحه من التفكير فى العدو، ويتحرر جسده من تيبس وضعية الكتابة، وبالقدر نفسه يحتاج الطبَّاخ الجيد، إلى شغف وخيال الكاتب وحريته فى التعامل مع طبخته.
سأتذكر طويلًا بكل امتنان جلسة ذلك الضحى المشمس مع أمى.
والتى أعادت لى طفولتى، وأنضجت فى الوقت ذاته أفكارًا حول علاقة الكتابة بالطبخ يمكن أن أتقاسمها مع قارئ شغوف، بعد أن عاشت فى داخلى وقتًا طويلاً، مشوشة كما فى حلم، وحاضرة دومًا فى شكل زورق من الأحاسيس، يسبح فى نهر أيامى، يتناغى بداخله ذلك التوأم السعيد.
وإذ حانت اللحظة ليرسو زورق أحاسيسى فى كتاب، أشكر مقدمًا القارئ الحبيب، كما أشكر القارئ العدو؛ فالقارئ ـ حبيبًا كان أو عدوًا ـ هو الذى يؤسس لوجود الكتاب وحياته. وبالطبع أشكر كل من أكل يومًا ـ دون تذمُّر ـ طبقًا أعددتُهُ بِنوايا طيبةٍ وفرح ساذج".