يسري عبدالله: الخطاب النقدي مطالب بالانفتاح على الحقول المعرفية المختلفة
قال الكاتب والناقد يسري عبد الله في الندوة التي حملت عنوان "الدرس النقدي الجديد" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب إن الخطاب النقدي ليس كتلة واحدة، وإنما يحمل بداخله تنويعات متعددة، فالتحولات التي صاحبت النظرية النقدية في العالم، والانفتاح الذي شهدته الثقافة العربية على مثيلتها الأوروبية ربما ستدفع بأفق التلقي للنظرية النقدية إلى مناحٍ أخرى أكثر رحابة، كما أن الأنواع الأدبية المختلفة قد شكلت سياقاتها النقدية المستقرة، من اصطلاحاتها إلى مناهجها إلى أدواتها الإجرائية.
ماضوية الثقافة العربية
ولفت عبد الله إلى أن ثمة إشكاليات عديدة تواجه الثقافة العربية لأنها ثقافة ماضوية، وسؤال الزمن فيها مشغول بالماضي أكثر من أي شيء آخر، بينما كان رهان النقد في الغرب متغيرا باستمرار، إذ ترى الذهنية الغربية العالم في إطاره النسبي والمتحول، فالزمان والمكان في جدلهما الخلاق يتغيران باستمرار، ويطرحان قيما جديدة وتصورات جمالية ومعرفية جديدة أيضا، بينما كان سؤال الماضي سؤالا للثقافة العربية بامتياز.
وأضاف أن سؤال الماضي أعاقنا كثيرا، أما الثقافة الغربية فكانت تتغير بتغير الزمان والمكان، ومعهما تتغير الأفكار والطروحات ولذلك كل المدارس والمناهج النقدية عاشت جنبا إلى جنب، وتجاورت فيما بينها ولم تحيا صراعا يفني أحدهما الآخر، فالوعي النسبي يحمل رهانات متعددة، وبدأت فكرة الفرد تحضر مقرونة بالتفكير.
المناهج النقدية
واستكمل عبد الله: يبدو النقد الجديد مشغولا بالتوصيف المنهجي، والإجراءات التقنية، والنزعة النظرية وهذا ما يَسِمه ويجعله أكثر علمية، غير أنه تتبع سؤال المعيار في النقد الأدبي ربما يصل بنا إلى مدى أبعد، عبر مقاربة المناهج النقدية وتصوراتها المتباينة حول جدارة النص الأدبي.
واستطرد: يتخذ المعيار وجهة مغايرة لدى أحد أهم مفكري ما بعد الحداثة فرانسوا ليوتار ، الذي تحدث عن طبيعة الأدب، ليس عبر الصخب الأيديولوجي الذي أسقطته طروحات ما بعد الحداثة، حيث يبدو الأدب أدبا حين يتسم الطليعية التي اكتسبت أفقا مختلفا عن فكرة المنظور الطليعي الذي يصبغ النص من زاوية الدلالة فحسب دون أن يتوقف كثيرا أمام الوعي الجمالي الذي يبقى مزيجا بين الأصيل والفريد في توصيف ليوتار.
والأصيل هنا لا يعني محاكاة النماذج السابقة، ولكن أن يتأسس النص على نفسه، حتى وهو يتناص مع نصوص أخرى ويحيل إلى أفكار أخرى فإنه يصنع ذلك من أجل المجاوزة والتخطي، وليس المراكمة، والسكونية، والثبات.
الحال الأكاديمي العربي
لفت عبد الله إلى أن ثمة حالة من التخندق النظري تمثل الحال الأكاديمي العربي المنفصل في متنه المركزي عن واقع النصوص الأدبية وتحولاتها المستمرة. وعلى ضفة أخرى ثمة ارتحال جاهز صوب المركز الأورو أمريكي في إنتاج الأفكار دونما إعمال للمساءلة المعرفية المتواترة، والمراجعة النقدية المستمرة.
وللخروج من فخاخ هذه الإشكالية المهيمنة على المشهد النقدي العربي أشار عبد الله إلى ضرورة الاستفادة من ماهية النقد ذاته عبر تفعيل إمكانات العقل النقدي المنتج، والخيال الإبداعي الحر، كما أن على الخطاب النقدي الجديد أن يقدم للنص الأدبي إمكانية نظرية لانفتاح مذهل على كافة الفنون.