كانت ملكة فى البيت والحقل:
المرأة المصرية التى لا تعرفها الجوارى الجدد «3-3»
كانت مصر القديمة سباقة فى التعبير عن أحاسيس ومشاعر الحب والغرام والعشاق والعاشقات فى الأدب المصرى القديم، خصوصًا فيما نطلق عليه «أغانى الحب الفرعونية». هذه أغنية مصرية قديمة يعبر فيها العاشق عن عشقه الكبير لحبيبته:
«سِنت نِن سِنو إِس
نِفر حِر-نِب
بِترى إِس مِى سِبدت خِعى
إِم حَات رِنبت نِفرت
شِسبت إِقرت وِبخت إِنو
عِنت إِرتى جِمح
بِنرى سِبت إِس مِدوت
بِن إِن إِس خِنو إِم حَاو
كِات نِحب وِبخت قِبي
خِسبد مَاع شِنو إِس
جِاب إِس حِر إِتيث نُوب
جِبعو إِس مِى سِشنو
بِدش بِحت إِس مِروت (ى) حِر إِيب
جِا مِنتى إِس نِفرو إِس
تُو إِيوت خِند إِس حِر تَا
إِتيث إِس إِيب إِى إِم حِبت إِس
دِى إِس سِت وُن نِحب ثَاى نِب
مِسحن إِن مَاآ سِت
رِشوت حِبتى سِت نِبت
سُو مِى تِبى إِن مِريو
بِتر تِى بِر سِت إِر حا
مِى تِيفيت وُعت».
ويمكننا ترجمتها إلى اللغة العربية كما يلى:
«أخت بلا منافس،
أجملهن،
إنها تبدو مثل الإلهة النجمة،
تشرق فى بداية العام الجديد الجميل،
بشرة مثالية ومشرقة ولامعة،
مغرية فى عينيها عندما تنظر،
حلوة فى شفتيها عندما تتكلم،
ولا كلمة واحدة أكثر من اللازم.
رقبة رفيعة، وجسم براق،
شعرها هو اللازورد الحقيقى،
ذراعها تجمع الذهب،
أصابعها مثل زهور اللوتس،
متسعة من الخلف،
خصر ضيق،
فخذاها تزيدان جمالها،
رشيقة فى خطوها عندما تخطو على الأرض،
لقد سرقت قلبى بعناقها،
لقد جعلت رقبة كل رجل،
تستدير لرؤيتها،
من احتضنها،
فرح،
إنه صار سيد العشاق،
وشوهدت وهى تخرج،
مثل تلك الآلهة، الآلهة الواحدة».
وهذه أغنية أخرى تصف فيها الحبيبة مشاعرها تجاه حبيبها:
«سِن إِى حِر سِتاح إِيب إِى إِم خِرو إِف
دِى إِف ثَاى إِن إِى خَايت
سُو إِم سَاح-تَا إِن بِر إِن تَايت إِى مُوت
نِن رِخ إِى شِمت إِن إِف
نِفرت مُوت إِم حِن إى إم نِفى
إِى خَاع مَاآ سِت
مِك إِيب إِى حِجن سِخا تُو إِف
إِيتث وُى مِروت إِف
مِك سُو إِم إِيوتى إِيب إِف
إِيو سُوت إِيو إِى مِى قِد إِف
بُو رِخ إِف نَايى إِى آبى حِبت إِف
مُوت إِف هَاب إِن تَايى إِى موت
سِن هَايى تُو إِى وُدج كِوى خِر إِك
إِين نُوب حِموت
مِى إِن إِى مَاآ نِفرو إِك
رِشوت إِيت مُوت
نِهم إِن إِك رِمث إِى نِبت إِم بُو وَع
نِهم سِن إِن إِك سِن».
ويمكننا ترجمتها إلى اللغة العربية كما يلى:
«أخى يغمر قلبى بكلماته،
جعل المرض يحل بى،
الآن هو بالقرب من منزل والدتى،
ولا أستطيع حتى أن أقول إنه كان كذلك،
من الجيد أن تأمرنى والدتى هكذا،
اتركها من عينيك؛
انظر كيف تمزق قلبى بذكراه،
سرقنى حبه.
انظروا يا له من رجل أحمق
لكنى مثله تمامًا.
لا يدرك كيف أتمنى أن أعانقه،
أو يكتب لأمى.
نعم يا أخى! أنا مقدرة أن أكون لك،
من آلهة النساء الذهبية.
تعال إلىَّ،
دع جمالك يظهر،
يفرح الأب والأم.
اجمع كل ناسى معًا فى مكان واحد،
دعهم يصرخون لك يا أخى».
هذه هى مصر ذات الحضارة العريقة التى علمت العالم أصول كل شىء.
الأزياء
كانت الأزياء فى مصر القديمة شيئًا فى غاية الأهمية. وكانت ملكات مصر القديمة ترتدين ثوبين، واحدًا فوق الآخر. وكن يرتدين فى الجزء الأسفل ثوبًا فضفاضًا طويلًا أو شفافًا. وعلى سبيل المثال كانت الملكة نفرتارى ترتدى ملابس بيضاء طويلة، وكان هناك حزام حول زيها، وكان من فوق ذلك رداء ذو حمالتين أو ذو كمين طويلين أو قصيرين. وأحيانًا كن يلبسن فوق الرداء «روبًا» له كُم طويل ومفتوح.
ظهرت الملكة الجميلة نفرتيتى، زوجة الملك أخناتون، فى تمثال لها فى متحف اللوفر بفرنسا بشكل مجسم بدرجة كبيرة، وملابسها شفافة للغاية وملامحها الأنثوية ظاهرة بشكل لافت. كما توجد على التمثال «تكسيرة» بشكل طولى وعرضى؛ وذلك بسبب دعوة الملك أخناتون الدينية الجديدة التى كانت تقوم على تقديس الإله آتون والديانة الشمسية فى شكل قرص الشمس، وكانت تمنح علامة الحياة، وتصل الحياة إلى الشعب عن طريق الملك. وبسبب التأثر بالديانة الشمسية جعلوا الملابس النسائية تُشبه أشعة الشمس على جسم الملكة نفرتيتى وبناتها، وكان عندها ست بنات ارتدين مثل تلك الملابس. وحدث ذلك فى فترة الملك أخناتون فقط.
كان الرجال يرتدون ملابس مختلفة عن النساء، عبارة عن نقبة قصيرة، أى فوق الركبة، وكانت أشبه بـ«الشورت» الحديث. وكانوا يصنعونها من الكتان من قطعتين يربطهما حزام جيدًا. وبالنسبة للجزء الأعلى للرجل، فكان عاريًا. وكانت تلك هى ملابس الرجال سواء من الملوك أو النبلاء، ولكن كان الملك يكتب اسمه الخاص به فى خرطوش فوق ملابسه.
فى فصل الشتاء، كان الرجال يرتدون طبقات من الملابس تغطى أجسامهم من الأعلى. وكان للكهنة أشياء إضافية من الجلد يضعونها فوق ملابسهم على الكتف، وكانت ملابسهم طويلة، وكانوا يحلقون الشعر حتى لا تكون به أى حشرات، وكان الكهنة المصريون القدماء على درجة عالية من النظافة، وكانوا يستحمون مرتين فى اليوم.
كانت سيدات المجتمع يتشبهن بالملكات ويرتدين ملابس ذات «حملات»، وأشياء تُشبه الخرز، وملابس تُصنع من دوائر صغيرة، وأحيانًا أخرى من السلك.
وكان المصريون القدماء يصنعون ملابسهم بشكل متقدم جدًا، وكانوا يصنعون عقدًا أعلى الكتف بحيث كانوا يربطون بها زى النساء، وفى نفس الوقت كانت السيدة ترتدى شالًا فوقه. وكان من الممكن أن يكون الشال طويلًا، يغطى الجسم أو يغطى الكتف.
كانت الطبقة العامة ترتدى ملابس عادية حتى تؤدى مهامها. وكانت طبقة الخادمات فى الحفلات والولائم ترتدى ملابس شفافة تستر العورة فقط، شىء أشبه بالبكينى الآن. وكن يرقصن للنساء، وليس للرجال. وكان رقصهن يتم فى مجتمع نسائى للترفيه عن النساء فقط.
كانت ملابس المصريين القدماء محتشمة على عكس تماثيل الفترة الرومانية التى تظهر النساء عاريات الصدور والأعضاء الجنسية. وكان الأطفال المصريون القدماء يصورون عراة، واضعًا الطفل إصبعه فى فمه، بينما كانت البنت تظهر بضفيرة شعر، كدليل على الطفولة.
كان الملوك والملكات فى مصر القديمة فى المناسبات يتزينون بأفضل الأزياء، ويختلفون من خلال التيجان؛ إذ كانت لهم أنواع كثيرة جدًا منها. وهناك العديد من الملكات اللواتى كن يتمتعن بجمال وأناقة، وأبرزهن كانت نفرتارى ونفرتيتى وحتشبسوت.
كانت أغلب ملابس المصريين القدماء تُصنع من الكتان الذى كان يعتبر الأفضل فى مصر القديمة. ولم تكن هناك أنواع أخرى منتشرة مثل القطن الذى دخل فى عهد محمد على، أو الحرير. أما الصوف فاعتبره القدماء المصريون ليس طاهرًا. كما استخدموا الكتان فى لفائف التحنيط الخاصة بالمتوفى. واستطاعوا التفنن بشكل عام فى ألوان الملابس مثل صبغها من نبات النيلة ليعطيها اللون الأزرق، وأيضًا كانوا متميزين فى الرسومات على الأزياء والتطريز والنقوش، وغيرها، كما كان لديهم خياطون للملابس، وكان البلاط الملكى مليئًا بالكثير من تلك الشخصيات، ونعرف وظائفهم من المقابر، وكان لديهم مصففون للشعر.
الخلاصة أن الرجال كانوا يلبسون فى مصر القديمة زيًا قصيرًا، يعرف باسم «النقبة»، وكان يستر العورة والجزء السفلى من الجسد؛ وذلك لطبيعة عمل الرجال خارج المنزل، والتى كانت تقتضى من الرجال سهولة وحرية الحركة سواء فى الحقول أو فى المعارك أو فى المعابد، وغيرها من الأنشطة التى كان يقوم بها المصرى القديم. وكان للملوك فى مصر القديمة زيهم المميز، الذى كان يحمل العديد من الشارات الملكية التى تؤكد وتدل على مكانتهم السامية فى المجتمع المصرى القديم باعتبارهم ممثلى الآلهة على الأرض، وكان صدر الرجال عاريًا غالبًا فى معظم مناظر الفن المصرى القديم.
على العكس من ذلك، نجد أن النساء، خصوصًا نساء الطبقة العليا والنبيلات، كن يلبس زيًا طويلًا وقورًا محتشمًا، وكانت ملابسهن ذات أكمام قصيرة أو طويلة، أو كانت ذات حملات فى بعض الأحيان، غير أنها لم تكن عارية الكتفين أو كادت، كما حاول البعض تصوير ملكات أو نساء مصر القديمة أو البطلمية على هذا النحو المخالف لحقيقة المجتمع المصرى القديم ولقواعد ومناظر الفن المصرى القديم.
كانت ملابس الملكات المصريات تمتاز بالطول والجمال والوقار وروعة الأقمشة وبراعة التصميم ودقة الزخرفة، وكانت ملابسهن تتصف بتعدد طبقات الزى، إن كان الزى شفافًا. وعلى العكس من ذلك، نجد فى بعض الأحيان والمناظر أن زى الخادمات والطبقات المتواضعة كان عبارة عن ملابس تميل للتحرر، وكانت شفافة، وأحيانًا قصيرة، وكانت تُظهر أكثر مما تُخفى خصوصًا فى مناظر الولائم والحفلات، وغيرها من المناظر التى كانت ذات مغزى وتم تنفيذها فى الفن المصرى القديم لأغراض ترتبط بالعالم الآخر، وكانت النساء العاملات أيضًا يلبسن ملابس عملية بسيطة، لكنها كانت فى منتهى الوقار.
كانت مصر القديمة مجتمعًا محافظًا للغاية فى تصوير النساء. وكانت المرأة ذات أهمية كبرى فى المجتمع المصرى القديم. هذه هى مصر القديمة التى علّمت العالم كله الضمير والأخلاق والقيم وكل شىء جميل وصادق وطيب.
هذه هى مصر القديمة التى أبدعت الجمال والأخلاق والرقى والسمو فى العالم كله قبل أن يكون أى عالم غير عالم المصريين القدماء.
بعد تلك الجولة السريعة فى بعض من مظاهر الحياة الاجتماعية فى مصر القديمة، يتضح لنا كيف تمتع المصرى القديم بحياة اجتماعية أكثر من رائعة فى ذلك الزمن البعيد من تاريخ الإنسانية. ونعرف من خلال أسرار الحياة الاجتماعية فى مصر القديمة سحر الحياة وروعة المجتمع المصرى القديم الذى أحب الحياة، والذى قدس الموت ليس حبًا فيه، وإنما لاعتقاده أنه كان بوابته الوحيدة التى كان لا بد أن تقوده إلى نعيم الحياة فى الجنة أو فى حقول الإيارو فى العالم الآخر بعد حياته الأولى الساحرة على سطح الأرض، حيث وُلد وعاش وعمل وأحب وتزوج وأنجب أبناءه واستمتع بحياته بالطول والعرض، كما نقول، ولم ينس نصيبه من تلك الحياة الدنيا، وأعد كل شىء ضرورى لعالمه الآخر؛ كى يحيا حياة أبدية ليس من ورائها فناء فى حياته الثانية بعد الموت؛ وكى يمارس كل مظاهر حياته الاجتماعية السعيدة التى تعلق بها بشدة فى حياته ما بعد الموت بسعادة تفوق سعادته وسر حياته الاجتماعية فى الحياة الأولى فى مصر القديمة.
إنها رحلة الإنسان المصرى القديم عبر الزمن.
إنها رحلة مصر القديمة عبر تاريخ الإنسانية.