«اكتئاب ما بعد كأس العالم».. مرض نفسي يسيطر على عُشاق كرة القدم
مع انتهاء بطولة كأس العالم 2022، يجد العديد من عشاق كرة القدم المتحمسين أنفسهم يكافحون الاكتئاب الشديد، ويُطلق عليه علميًا «اكتئاب ما بعد كأس العالم» خاصة مشجعي المنتخبات التي غادرت المونديال قبل الوصول إلى مباراة النهائي الحاسمة.
الروتين اليومي الذي اعتاد عليه المشجعين خلال فترة بطولة كأس العالم 2022، جعلهم يرتبون أولوياتهم بناءً على مواعيد المباريات التي ينتظروها بحماس شديد، لكن فجأة انتهى كل شئ، وأصبح هناك حالة من الحيرة حول ما سيتابعون، ورغم استكمال الدوريات الأوروبية والمحلية، إلا أن ذلك لم يشعل حماسهم مرة أخرى.
شعور مؤذي
"عندما يكون لديك شيء تتطلع إليه كل يوم وينتهي فجأة، تجد نفسك تشعر باليأس والفراغ"، هكذا وصف إسلام غالي، شعوره في الفترة الحالية بعد الإثارة التي عاشها خلال البطولة، واصفًا إياه بالإحساس المؤذي الذي لم يترك أي محب لكرة القدم، بعد مرور يوم واحد فقط عقب إطلاق صافرة النهاية لمبارة الأرجنتين وفرنسا.
استكمل الشاب العشريني حديثه، مشيرًا إلى اللحظات الحاسمة في المباريات التي عاش بسببها حماسًا كبيرًا، والأهداف التي تركت الأفواه مفتوح، والصرخات التي حملت صدى كبير داخل المنازل، ذلك الشعور الذي لا يأتي إلا كل 4 سنوات، ومؤخرًا بدأ يفكر الاتحاد الدولي لكرة القدم في إقامة بطولة كأس العالم كل عامين فقط.
قبل المونديال حذر بعض الخبراء في مجال علم النفس من ظاهرة أو اكتئاب ما بعد كأس العالم، وأن هذه الظاهرة تشبه كثيرًا شعور العودة إلى العمل بعد إجازة طويلة او العودة إلى الدراسة بعد إجازة الصيف.
وفسر العلماء سبب حدوث ذلك: "هو أن إيقاع الحياة وقت المونديال يكون متأثرًا للغاية بمناخ المونديال الاحتفالي والتنافسي، ومتشابك تماماً مع سيناريوهاته وتفاصيله لدرجة أن دائمًا ما يكون الحديث عن كأس العالم هو أول اختيار في الجلسات الاجتماعية أو العملية".
يحاول "إسلام" الابتعاد عن ذلك الشعور، معتمدًا على استرجاع ذكريات البطولة عبر تطبيق "يوتيوب"، الذي يضم عددًا هائلًا من لقطات كأس العالم المثيرة، والأهداف والاحتفالات الجنونية، وأيضًا اللحظات المؤثرة لوداع كبار اللاعبين البطولة الأغلى.
توقعات كئيبة
في مارس 2013، نُشرت ورقة بحثية عن الاكتئاب الذي أصيب به مشجعي كرة القدم بعد بطولة كأس العالم 2010، كان هدفها دراسة مدى انتشار الاكتئاب بين المشجعين الذين تنبئوا بنتائج البطولة.
ووجدت الدراسة المنشورة بعنوان (الاكتئاب ودقة التنبؤ: دليل من كأس العالم 2010)، أن الأشخاص الذين تنبئوا بنتائج المباريات ولم يحالفهم الحظ، كانوا الأكثر اكتئابًا بعد توديع الفرق المفضلة لهم للبطولة، وخلصت الدراسة التي تضمنت جولتين من الأحكام، إلى أن الاكتئاب مرتبط سلبًا بجودة التنبؤ.
ومن جهته، يشرح الدكتور أحمد مفيد، استشاري الأمراض النفسية والعقلية، أن ما يحدث بعد انتهاء المونديال هو إحساس المشجع بفراغ بشع، يقوده إلى الشعور بالعصبية المفرطة، وغالبًا ما يؤثر ذلك على علاقاته الاجتماعية، بسبب أن إيقاع الحياة عاد للإيقاع الرتيب المعتاد، وهو العودة للعمل اليومي ثم العودة إلى المنزل والنوم وهكذا.
وتابع: "يحدث أيضًا تباطؤ كبير لسرعة اليوم؛ ما يؤثر بالتبعية على شغف الشخص، ويصيبه بالاكتئاب، وخاصة الأشخاص الذين يفضلون التنبؤ بنتائج المباريات، ومنهم من يدخل مراهنات عديدة حول الفريق الذي يفضله، وحين يفشل الأمر معه، سرعان ما يشعر بالانتكاسة".
الحل نفسي
واستكمل: " التهيج والحزن والكسل كلها علامات مؤكدة على الاكتئاب بعد كأس العالم، حتى أنك قد تجد نفسك تتجنب العمل وتتهرب من القيام بأي شيء بناء، كما قد ترغب أيضًا في قضاء كل وقتك في المنزل أو في تصفح الإنترنت أو تجنب البشر".
أشار استشاري الأمراض النفسية والعقلية في ختام حديثه، إلى أن هذه الظاهرة ليس لها علاج فّعال، فقط التأقلم هو الحل الأمثل لعودة الحياة بشكل طبيعي، كما كان الحال قبل انطلاق بطولة كأس العالم، كما أن هناك حلول أخرى تتضمن الانشغال في تعلم شئ جديد أو الانغماس في موهبة مفضلة لدى الشخص، والقيام بالمزيد من المهام خلال فترة العمل.