هل أجرم اللبنانيون بتمكين «ملوك الطوائف» من البرلمان؟
يعيش اللبنانيون مشاهد ضبابية على الصعيدين السياسي والاقتصادي في ظل الفشل المتواصل لمجلس النواب في انتخاب رئيس جديد خلفا للعماد ميشال عون الذي غادر منصبه نهاية الشهر الماضي، فيما حمل الكاتب الصحفي اللبناني ورئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط غسان شربل، الشعب اللبناني مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع لأنه انتخب هذا البرلمان المنقسم، وأعاد إنتاج نفس المنظومة التي أوصلت البلاد لأزماته الحالية.
وفي تغريدة عبر حسابه الشخصي بموقع تويتر، كتب شربل: “لبنان.. الشعب مجرم والدليل هذا البرلمان”. فيما اعتبر آخرون أن كثير من المواطنين اضطروا لبيع أصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي شهدها لبنان في مايو الفائت، نظير توفير قوت أسرهم. وأن حرية اللبنانيين مكبلة بمتطلبات المعيشة غير المتوفرة.
وقال المحلل السياسي اللبناني سركيس أبوزيد، إن الشعب اللبناني مسؤول بشكل مبدئي عن المشهد النيابي الحالي، لكن اللبنانيين ليسوا أحرارا في اختياراتهم المقيدة بالتحريض الطائفي، ما يعمم ثقافة فئوية عنصرية، أحيانا مكبلة، وفي النهاية فإن البرلمان الحالي لا يعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب.
وأضاف أبو زيد في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن الحاجات الاقتصادية والمالية التي يتحكم بها الميسورون، ومنها حتى الخدمات الأساسية مثل الأدوية، يتم التعامل بها لشراء الأصوات، في حين تدفع الحاجة كثير من الناس لبيع أصواتهم، نظير تأمين لقمة العيش لأطفالهم.
تأثيرات الفراغ الرئاسي
وأوضح المحلل السياسي اللبناني، أنه من خلال نظرة سريعة إلى هذا الواقع، نتأكد من وجود تفاوت ما بين المبدأ النظري المبدئي، والأخلاق ومسؤولية المواطن، لكن في المقابل هناك قيود تفرض على المواطن حتى يختار كما تشاء قوى الأمر الواقع القادرة على التدخل أمنيا وعسكريا وماليا، وبمختلف وسائل الضغوط من أجل شراء الأصوات.
وأكد أبو زيد أن غياب رئيس الجمهورية له تأثير كبير على الوضع الاقتصادي والمعيشي والمالي، أقله أن الحكومة شبه معطلة، ولا تستطيع أن تتخذ قرارات أساسية، لأن الفراغ الرئاسي يتحول إلى شلل في القرار الرسمي السياسي المركزي، المطلوب لاتخاذ القرارات الأساسية لمواجهة المشاكل الاقتصادية والمالية، فضلا عن أن اللعبة السياسية أعطت أولوية لموضوع انتخاب الرئيس بدلا من أن يكون هناك تركيز وتضامن وطني عام من لإيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية.
اقرأ أيضا: هل ينقذ برنامج الأغذية العالمي اللبنانيين من الجوع؟
وأشار إلى أنه في وقت يتركز الانتباه على انتخاب رئيس جديد، بينما المشكلة الأساسية هي إيجاد علاج للوضع الاقتصادي والمالي، وهذا العلاج يتطلب وجود سلطة مركزية قادرة على اتخاذ قرارات مركزية أساسية، لمعالجة هذا الأمر، وأمام الفراغ الرئاسي وتعطيل إدارة الحكومة يصبح كل هذا في حكم المؤجل.
قانون انتخابي هجين
واستبعد أبو زيد، إمكانية الوصول إلى تفاهم حول اسم الرئيس الجديد في المدى المنظور، لأن هذا يتطلب حالة من توافق الداخلي والخارجي، بسبب غياب الأكثرية النيابية، وعدم وجود تفاهم بين الكتل الأساسية لانتخاب الرئيس.
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز، إن الدستور اللبناني ينص على أن الانتخابات النيابية ينبغي أن تجرى على أساس الدائرة الكبرى، أي المحافظة أو القضاء، وبأسلوب النسبية، لكن الطبقة الحاكمة في لبنان، بما فيها حزب الله، ابتدعت قانونا هجينا مناقضا الدستور ومستمد مما كان يعرف باسم القانون الأرثوذكسي، وهو عبارة عن انتخابات نيابية فيدرالية طائفية تضمن التجديد لدور الطبقة الحاكمة نفسها بالتكافل والتضامن.
اقرأ أيضا: الضبابية تحكم المشهد اللبناني.. والأزمة السياسية تتواصل
وأضاف الرز في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أنه عندما حصلت بعض الخروقات عبر نجاح نواب تغييريين حدث ارتباك بين أركان الطبقة، لكنهم استعادوا المبادرة بعد الانشقاقات التي عصفت بالنواب الجدد، ما جعل الكتل البرلمانية تفقد صفة الأغلبية لأي منها.
وأوضح أن قوى المعارضة تقدمت باسم ميشال معوض لرئاسة الجمهورية، لكنها لم تستطع حتى الآن تأمين الأصوات المطلوبة له، في حين اتفقت قوى ما يسمى بالممانعة ضمنيا على اسم سليمان فرنجية، واعتمدت الاقتراع بالورقة البيضاء لشراء الوقت وطرح شعار التفاوض والحوار للتوافق على الرئيس الجديد.
وتابع الرز: “هكذا استمر الفراغ الرئاسي تحت مظلة المناورات التي تمارسها كل الكتل النيابية، فالثنائي الشيعي وحليفه التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون يناور لتقطيع مرحلة المفاوضات الإيرانية الأميركية والبناء على نتائجها، وقوى المعارضة بعضها جاد في ترشيح ميشال معوض وبعضها الآخر يعتمد اسمه للمفاوضة، في الوقت الذي تتهيأ فيه الأجواء حاليا لدور خارجي عربي أوروبي بتنسيق أميركي للمجيء برئيس لبناني إصلاحي وذي وزن سيادي”.
جوزيف عون
وأشار المحلل السياسي اللبناني، إلى أن قائد الجيش العماد جوزيف عون هو أبرز الأسماء، متوقعا أن النصف الثاني من فبراير المقبل موعدا لهذا التحرك الخارجي، والمتوقع أن يصل إلى خواتيمه أواخر الربيع أو أوائل الصيف، وكما جرت العادة مع كل رؤساء لبنان السابقين تقريبا، فإن رئيس لبنان هو تصنيع خارجي وتجميع لبناني.
في السياق، قال رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال كاسترو عبدالله، إن لبنان يعيش أزمة كبيرة اقتصادية، ناتجة عن الصراع السياسي القائم، وهي كارثة من تبعات الانقسام الطائفي والمذهبي الذي بُني عليه هذا النظام لتقاسم الحصص بعد اتفاق الطائف.
وأضاف عبدالله في تصريحات أدلى بها إلى "الدستور"، أن هناك ما يعرف بـ"التوازن"، أو "الميثاقية الوطنية"، وغيرها من المسميات، في حين يعاني اللبنانيون ويدفعون ثمن هذه السياسات، وهذا النظام والمحاصصة، والانقسام الحاصل في السلطة.
وأشار إلى أنه عندما تشتد الخلافات فيما بين القوى السياسية، نجد أنفسنا أمام التحريض الطائفي والمذهبي، وصولا لأوسع المراحل التي تصل لحدود تهديد السلم الأهلي، وهي لعبة اعتاد النظام اللبناني ممارستها للتغطية على كوارث السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة.
اقرأ أيضا: الفراغ الرئاسي يتواصل.. متى تتوافق الطوائف اللبنانية على خليفة لـ«عون»؟
وتابع بقوله: “ما جرى من بعد انتفاضة 17 تشرين 2019، فضح هشاشة هذا النظام الاقتصادي بالانهيار الحاصل، وسرقة ونهب المال العام”، لافتا إلى أن ديون لبنان بمليارات الدولارات، وهو أمر غير منطقي في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 4 ملايين نسمة، والوضع الحالي كارثي بكل المقاييس، أمام سعر صرف الدولار الذي يصل إلى 40 ألف ليرة لبنانية.