رئيس الطائفة الإنجيلية: مصر بلد غني بالتعددية والتنوع
قال الدكتور القس أندريه زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ورئيس الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الإجتماعية، إن أهمية قضية التسامح وقبول الآخر تتجاوز كونها قضية نقاشية بحثية نظرية، إلى كونها احتياجًا لا يمكن التغاضي عنه في حياة الشعوب والمجتمعات، كما أن بناء المستقبل لا يمكن أن يتأسس إلا على بناء قوي من العيش المشترك والسلام والتماسك المجتمعي.
وأضاف خلال مؤتمر «التعايش والتسامح وقبول الآخر.. نحو مستقبل أفضل» بمكتبة الإسكندرية، أن مصر بلدٌ غنيٌّ بالتعدُّديّة والتنوُّع؛ هذه التعددية في أي مجتمع إن أُحسن التعامل معها، تخلق حالة من الغنى والثراء، وتكون فرصة عظيمة للنهوض بهذا المجتمع.
وأوضح أن من أهم آليات إدارة هذا التنوع: التسامح والعيش المشترك والوعي والحوار وقبول الآخر، فهي تصنع تماسك المجتمع والتعاون بين أفراده، وتضع المصلحة المشتركة كجزء من استراتيجيات التفكير وآليات اتخاذ القرارات الرئيسية لدى الأفراد والمؤسسات، في إطار قانون يحترمه الجميع ويدعم هذه المفاهيم بقوة، ومجتمع ذي نسيج مرن يستطيع مواجهة أي تحديات أو دعاوى للكراهية والعنف.
وتابع أن الحوار أيضًا واحدٌ من أهم هذه الآليات وأكثرها فاعليةً، فالعيشُ المشتركُ واحدٌ من أهمِّ ثمارِ الحوارِ، والذي يركِّز على بناءِ الجسورِ والأرضيَّةِ المشتركةِ، ويتمحوَرُ حولَ قضايا وتحدياتٍ حياتيَّةٍ؛ كالأسرةِ والتعليمِ والتنميةِ الاقتصادية ومواجهةِ التطرُّف والسعيِ نحوَ القِيَمِ الإنسانيَّةِ والدينيَّةِ المشتَرَكةِ، ورغم أهمية الأرضية المشتركة، فإن مفهومَ التسامح يركز أيضًا على المساحة التي تتجاوز المشتركَ إلى حقِّ الاختلافِ، وهنا يكونُ هناكَ مكانٌ للآخرِ المختلفْ.
واستكمل أن الحوارُ معَ الآخرِ المختلفِ يزيلُ الغموضَ عنهُ، ويصحِّحُ أيَّ معلوماتٍ مغلوطةٍ أو سوءِ فَهم. وهذا ينطبقُ على كلِّ منْ هو "آخر" سواء جغرافيًّا أو دينيًّا أو اجتماعيًّا أو وفقًا للنوع الاجتماعي... بكلمات أخرى، في حوارنا مع الآخر يجبُ أن يكونَ الهدفُ هو تكوينَ علاقةٍ عميقةٍ بهدف استكشافِ هويتِه الحقيقية وفَهم الأرضيةِ المشتركةِ. لكنْ أيضًا العيش المشتركُ يَعني ضرورةَ احترامِ الآخر وحقِّه في الاختلافِ.
وأوضح أن من أبرز نتائج إدارة التعددية والتنوع هو التماسك الاجتماعي؛ فكلما كانت أطياف المجتمع تتقن العيش المشترك وتتشارك في مواجهة التحديات، وطالما كان الحوار والوعي أداتين رئيستين لإدارة التنوع،كان المجتمع متماسكًا ومرنًا وقادرًا على استيعاب أية مستجدات أو ظروف طارئة. ويمكن التعبير عن التماسك الاجتماعي بالبناء الاجتماعي؛ فمظاهر الحياة المتنوعة يمكن أن تؤلف فيما بينها وحدة متماسكة، وفي هذا السياق يكون القانون هو المنظم للعلاقات الاجتماعية والنظام السياسي والاقتصادي، كما تلعب العادات والتقاليد دورا مهما في عملية البناء الاجتماعي.
وأضاف أن مصر شهدت خلال السنوات الماضية في أكثر من مناسبة مظاهر تعبِّر عن حالة التماسك هذه، في مواجهة مواقف رأينا فيها الدولة والمجتمع متداخلان في مواجهة الأزمات.
وفي هذا الإطار، فإن كل شرائح المجتمع والدولة عليها دورٌ مهم في دعم حالة التسامح والعيش المشترك؛ فالدولة تعمل بمنظومة القوانين والإجراءات لترسيخ هذه المفاهيم على مختلف المستويات، والمؤسسات الدينية مسؤولة عن التجديد الديني وتقديم تفسيرات معتدلة للنصوص الدينية المختلفة تواجه التطرف والكراهية والعنف.
كما من المهم أن تضطلع منظماتُ المجتمع المدني بدورٍ مهم في دعم الحوار بين الفئات المختلفة وإشراك كافة الفئات المجتمعية في العمل على تحسين الحياة في المجتمع وتحقيق الرفاهة ودعم الفئات الأكثر هشاشة وتمكينها في العمل العام. وهذه الحالة التي نتحدث عنها ليست بعيدةً عن الشعب المصري؛ فلا يزال المخزون الحضاري والنسيج المصري قويًّا ولا تزال القيم المصريةُ قادرةً على حماية السلام المجتمعي والحفاظ على التماسك.
واختتم قائلًا، إن العيش المشترك والتسامح وقبول الآخر، هي عملية مستمرة ومتجددة من البناء والتشكيل؛ وبقدر تزايد التحديات وتغيرها، يحتاج المجتمع إلى مواجهتها بأساليب جديدة إبداعية ومتغيّرة لتكون فعالةً في حفظ حالة التماسك المجتمعي وتطويرها وتنميتها، للوصول إلى حالة المتانة والمرونة المجتمعية التي تحفظ أمن المجتمع وسلامه، ونصلي دائمًا من أجل بلادنا العزيزة، وسلامتها وأمنها، قيادةً وشعبًا، من أجل دعم وسيادة ثقافة العيش المشترك والتسامح والعمل الجاد والمخلِص في سبيل بناء الوطن وتقدمه ورفعته.
وافتتح المؤتمر اليوم الدكتور أحمد زايد رئيس جامعة الإسكندرية، وجاء ذلك بحضور كل من البابا تواضروس بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، والدكتور سلامة داود رئيس جامعة الأزهر، والدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وغبطة البطريرك إبراهيم إسحق، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة للأقباط الكاثوليك، والأستاذ الدكتور نظير محمد عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حيدر جاسم، الاتحاد الدولي للمؤرخين، وبمشاركة نخبة من المهتمين بقضايا التسامح والتعايش من المسئولين والقيادات الدينية المسيحية والإسلامية والمثقفين من مصر والعالم العربي.