«حامل اللقب».. كيف يهزم فرنسا كل التوقعات ويفك عقدة البطل فى قطر؟
فى العهد الجديد لكرة القدم، تقول القاعدة إن «بطل كأس العالم يودع مبكرًا فى النسخة التالية».
خرجت ألمانيا فى نسخة ٢٠١٨ من دور المجموعات، بعدما حقق منتخبها اللقب فى النسخة السابقة ٢٠١٤، وودعت إسبانيا من دور المجموعات فى ٢٠١٤، بعد أن كانت بطل نسخة ٢٠١٠، ولم تختلف عنهما إيطاليا، التى فازت باللقب فى ٢٠٠٦، ثم خرجت من نفس الدور «اللعنة» فى ٢٠١٠.
لذا تتعالى الأصوات المتشائمة بشأن مستقبل المنتخب الفرنسى، الذى يقوده ديديه ديشامب للمرة الأخيرة، قبل أن يسلم الولاية للأسطورة زين الدين زيدان بعد المونديال، بحسب ما تم الاتفاق عليه قبل أيام.
وترتفع حدة التشاؤم بالنظر إلى نتائج «الديوك» فى «اليورو» الأخيرة، والأداء السيئ الذى قدمته كتيبة بطل العالم فى هذه البطولة.
لكن ثمة معطيات قد تجعل هذا الطرح مستبعدًا تمامًا، بل وتضع فرنسا فى مقدمة المنتخبات المرشحة للفوز باللقب وتكرار إنجازها الكبير فى ٢٠١٨.
«الديوك» يملك أفضل ثنائية وسط.. والدوافع قوية لدى بنزيما وجريزمان
بالنظر إلى التجارب السابقة الخاصة بكل من ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، نجد أن العامل المشترك هو غياب تجديد الدماء بعناصر فاعلة وقوية، قادرة على علاج المشكلات التى قد تحدث نتيجة غياب أعمدة رئيسية كانت فى الجيل الذى حقق اللقب.
٤ سنوات بين بطولة وأخرى تكون كافية لاعتزال بعض النجوم، وتقدم أعمار آخرين، أو تأثر مستويات لاعبين كبار بالسلب، وبالتالى إن لم تتمكن من سد هذه الفجوات، فإنك تكون عرضة لخطر السقوط، خاصة مع ارتفاع حجم التوقعات والضغوط حولك حينما تخوض النسخة التالية كحامل اللقب.
لكن الأمر مختلف فى فرنسا لعوامل كثيرة جدًا، على رأسها أن هناك تغييرًا كبيرًا بل وكليًا جرى على منطقة وسط الملعب بالكامل.
فى مونديال ٢٠١٨ عول وراهن «ديشامب» على نجولو كانتى وبول بوجبا، لكن فى هذه النسخة لدى «الديوك» ثنائية جديدة بين أفضل ثنائيات العالم، إن لم تكن الأفضل على الإطلاق.
الحديث هنا عن ثنائى ريال مدريد الإسبانى، أوريلين تشاومينى وإدواردو كامافينجا، اللذين يقدمان مستويات خرافية، ويعيشان حالة فنية وذهنية رائعة، وقبل هذا وذاك هما متعطشان كل العطش لمناسبة كبيرة مثل هذه لتقديم نفسيهما بقوة.
لا يشك أى متابع للكرة العالمية فى أن ريال مدريد حاز الصدارة بفعل تخطيطه وإدارته، ودومًا ما يتم الاستشهاد بالرؤية الاستراتيجية للإدارة المدريدية فى صفقتى «تشاومينى» و«كامافينجا» كمثال على التخطيط النموذجى، ودومًا ستقابلك جملة: «مستقبل الوسط فى العالم هنا.. لدى تشاومينى وكامافينجا».
حينما يحدث تغيير كبير فى أهم مراكز الملعب والمسئول عن التحكم فى «الرتم»، بدرجة تجعلك ترتقى لا مجرد تحتفظ بقوة الماضى، فمن المؤكد أنك ما زلت خطرًا وقادرًا على المنافسة بشكل كبير للغاية.
ليس فقط هذه الثنائية الرائعة، بل سيستفيد «الديوك» من عودة كريم بنزيما، أفضل لاعبى العالم، الذى غاب عن النسخة الأخيرة من المونديال، ليضيف إلى المنتخب الفرنسى عنصرًا جديدًا فى غاية القوة لم يكن متاحًا فى ٢٠١٨.
ولحسن حظ «ديشامب»، فإن «بنزيما» أكثر تعطشًا من ثنائية الوسط التى تحدثنا عنها، لأسباب نعرفها جميعًا، لعل أهمها ما تعرض إليه من حرب كبيرة فى مرحلة ما حرمته ومنعته من تمثيل «الديوك»، وأدت إلى غيابه عن بطولات مهمة بحجم كأس العالم، حتى أنصفته الأقدار على الجميع، ومنحته «الكرة الذهبية» الأخيرة.
يعود «بنزيما» هذه المرة ولديه حمية غير عادية، وبحماسة شاب فى منطلق العشرينات سيخوض تلك النسخة، وبتركيز خبير الخبراء سيعمل على رد مظلوميته والانتقام ممن حاصروه وحاولوا إنهاء مسيرته.
فى الأسابيع الأخيرة غاب «الحكومة»- كما يلقبه «المدريديستا» عن «الميرنجى»، لم يعنه أن فريقه قد يتعثر أمام جيرونا ومن بعدها السقوط أمام رايو فايكانو، ولم تشغله الصدارة التى ذهبت من العاصمة إلى كتالونيا، حيث برشلونة، بل كان كل تركيزه منصبًا فى اتجاه واحد، وبدت رسالته واضحة للجميع مهما كانت الانتقادات: «المونديال.. أولًا وأخيرًا».
وحالة التركيز هذه التى يعيشها «بنزيما»، الذى بات يمتلك خبرات حولته إلى مهاجم آلى، يعرف متى يصل، وكيف يتصرف لكى يسجل الهدف، ويسرق الانتصارات بطرق عجيبة ومريبة، ستنعكس تمامًا على المعسكر الفرنسى.
وحينما يكون القائد بهذه الشخصية وتلك الرغبة، فمن المؤكد أن الأخطاء ستقل، وتتزايد مساحة البراعة والتفوق فى التفاصيل الصغيرة، وهذا ما تتطلبه بطولات مثل المونديال.
ورغم يقيننا بتراجع المنتخب الفرنسى عما كان عليه سابقًا، ومعاناته فى بعض المراكز، فإن حالة النهم تلك التى يعيشها ثلاثى مدريد سالف الذكر، إضافة إلى «ديشامب» الذى يريد وداعية تاريخية يحاصر عبرها خليفته «زيدان» ويضعه فى مأزق، بالإضافة إلى المهاجم أنطوان جريزمان، الذى يمتلك نفس الرغبة فى الرد على الصحافة الإسبانية والكتالونية بعدما صار أضحوكة هناك، كلها عوامل سيكون لها مردود إيجابى، وتضفى دوافع جديدة تجعل تشكيلة أبطال العالم أكثر قوة، وترفع درجة الإيمان بالمجموعة وقدرتها على تحقيق اللقب للمرة الثانية على التوالى.
ولحسن حظ «ديشامب» فإن أخبارًا سعيدة أتته مؤخرًا بأن مدافعه لاعب مانشستر يونايتد رافائيل فاران سيكون جاهزًا للمعركة المونديالية، خاصة بعدما استعاد المدافع الفرنسى كثيرًا من مستواه الذى اعتاد الظهور به سابقًا فى مدريد، تحت قيادة إيريك تين هاج، وحول شكل دفاع اليونايتد للأفضل بعد معاناة.
تبادل أدوار مرعب بين الثلاثى الهجومى و3 طرق لعب لحسم أى مواجهة
يلعب ديدييه ديشامب بأكثر من طريقة لعب، لكنه يراهن على شكل هجومى معتاد: كريم بنزيما وكليان مبابى كمهاجمين صريحين، خلفهما أنطوان جريزمان.
تلك الثلاثية سيأتى عليك وقت فى المباراة لا تستطيع تحديد أيهم يلعب أين.. ستجد حركية ولا مركزية وتبادل أدوار بين اللاعبين الثلاثة، قادرة على إرباك أى خصم وأى دفاع، خاصة مع قدرتهم على اللعب بين الخطوط والخروج على الأطراف إذا تطلب الأمر، وبالقرب من المرمى، فإنهم جميعًا هدافون بالدرجة الأولى، ويستطيع أى منهم التسجيل من ربع فرصة.
يدعم هذا الثلاثى ظهيران يتقدمان بشكل دائم، ويقدمان الدعم الهجومى الكبير، ثيو هيرناندز يسارًا، وبنيامين بافارد يمينًا، ويؤدى أدوار صناعة اللعب خلفهما لاعبا مدريد: «تشاومينى» و«كامافينجا»، الثنائى المتحكم الرئيسى فى الإيقاع وتوجيه اللعب.
فى هذا الشكل الخططى يلعب «ديشامب» بـ٣ قلوب دفاع: «فاران» فى الوسط، وعلى يمينه ويليام ساليبا، وفى اليسار بريسنيل كيمبيمبى، وربما جول كوندى على حساب أى منهما إذا تطلب الأمر، لكن فى النهاية جميعهم أصحاب إمكانات دفاعية كبيرة.
وهناك طرق أخرى يلجأ إليها «ديشامب» إذا تطلب الأمر مغامرة أكبر وهجومًا بشكل مكثف، عبر إقحام مهاجم رابع مع الثلاثى: «بنزيما» و«مبابى» و«جريزمان»، على حساب أحد قلوب الدفاع الثلاثة، لتتحول الطريقة من «٣/٤/٣» إلى «٤/٢/٣/١» وربما «٤/٣/٣» فى أوقات أخرى.
تعزز دكة البدلاء قدرة «ديشامب» على هذا التنوع الكبير، فإذا أراد تكثيف هجومه لديه أجنحة خطيرة للغاية، مثل عثمان ديمبلى وكينجسلى كومان، وكلاهما قادر على منح «الديوك» قوة هجومية جبارة، فى ظل الحالة الرائعة التى يعيشها كلاهما مؤخرًا.
فى هذه الخطة يتحول «مبابى» إلى جناح أيمن، ويكون «ديمبلى» أو «كومان» جناحًا أيسر، وبينهما «جريزمان»، خلف المهاجم المتقدم «بنزيما».
وهذه المنظومة حينما تمتلك أعلى درجات التركيز، يكون من الصعب أن تستمر فى منافستها فنيًا وبدنيًا.
دفاع «العشرة خلف الكرة» أثناء الضغط ووقت حيازة الخصم كان السمة التى تميز المنتخب الفرنسى، ومع هذه التركيبة يمكنه العودة إلى قوة الماضى، خاصة أن «مبابى» لا يمانع الأدوار الدفاعية فى المنتخب، بخلاف حالة الدلال التى يعيشها مع باريس سان جيرمان.
هنا «مبابى» يشاهد كم يبذل «بنزيما» جهودًا فى الدفاع، وكيف يضغط على مدافع الخصم، وأين يذهب لطلب الكرة، وكم يقطع من المسافات، وهذه الطريقة تكون حافزًا ودافعًا له ولكل الشباب فى المنتخب الفرنسى من أجل البذل والركض طوال الوقت، وهنا يكون الفريق قويًا للغاية، وقادرًا على خنق المساحات أمام أى منافس.
وفى التحولات يعد المنتخب الفرنسى «وحشًا»، بل أقوى المنتخبات المشاركة فى البطولة فى هذه النقطة بالتحديد، فبمقدوره خلق فرصة تهديف بعد ثوان قليلة من خطف الكرة، بسبب السرعات التى يمتلكها فى الوسط والخط الأمامى، عوضًا عن عمق الهجوم بوجود ثنائية خطيرة مثل «بنزيما» و«مبابى».
كان البعض يظن أن إصابة «كانتى» و«بوجبا» مصيبة ستعيق فرنسا، لكن إذا كتب لها الانتصار سيكون بسبب غياب هذا الثنائى، وتحول الفريق إلى نسخة أكثر شبابًا وحيوية مع الجيل الجديد للوسط، الذى سيكون هو الرهان الحقيقى لمستقبل فرنسا انطلاقًا من مونديال الدوحة.
وإذا وصل هذا الفريق إلى منصات التتويج فى الخواتيم، فتأكد بأن رجلًا اسمه «تشاومينى» سيصنع التاريخ ويكون له اليد العليا فى مونديال ٢٠٢٢.