«الشيخ مصطفى إسماعيل».. ملك المقامات ورئيس دولة التلاوة
القارئ الأول وقارئ القصر وملك المقامات ولحن السماء.. هكذا لقبه جمهوره فى شتى بقاع الأرض فهو أحد الكبار الخمسة الذين سجلوا القرآن الكريم كاملا للإذاعة المصرية.
5 عقود مرت على وفاة الشيخ مصطفى إسماعيل، الذي تربع على عرش التلاوة بموهبته التي منحها له الله من قدرة على تطويع حنجرته لقراءة القرآن الكريم بطريقة السهل الممتنع مع إتقان شديد للمقامات الموسيقية بطريقة عجيبة جعلته متفردا وإن قلده الكثيرون من القراء فى مصر والعالم.
«الدستور» يرصد في السطور التالية أهم المحطات في حياة الشيخ الجليل..
محطات كثيرة فى حياة الشيخ مصطفى إسماعيل ابن قرية ميت غزال بمحافظة الغربية، الذى جعله الملك فاروق قارئا للقصر، وكان يجلسه على كرسى يعلو كرسى العرش احتراما منه وتوقيرا للقرآن الكريم ولموهبة الشيخ، التى فاقت التصور.
ورغم خروج الملك من القصر احتفظ به جمال عبد الناصر وكرمه وكذلك فعل أنور السادات الذى كان يقلده واصطحبه معه إلى القدس.
الميلاد
فى السابع عشر من يونية عام ١٩٠٥، ولد مصطفى محمد المرسى إسماعيل لأسرة بسيطة ومحبة للقرآن الكريم، فى قرية ميت غزال مركز السنطة بمحافظة الغربية، ولما وصل الخامسة أرسله والده ليدرس القرآن الكريم فى كتاب القرية، ثم ألحقه بالمعهد الأحمدى الأزهرى فحفظ القرآن الكريم وهو فى الثانية عشرة من عمره، ولم يكتف بذلك بل حفظ القراءات العشر وهو فى السادسة عشرة على يد شيخه إدريس فاخر.
جنازة حسين بك القصبى
فى حديث خاص عن حياة الشيخ مصطفى إسماعيل، قال نجله المهندس عاطف، إن بداية مسيرة والده وهو فى السادسة عشرة فى طنطا، وتابع: "حين كان الشيخ مصطفى إسماعيل فى السادسة عشرة من عمره يدرس فى المعهد الأحمدى بطنطا وكان له زميل تربطه قرابه بحسين بك القصبى أحد أهم أعيان مصر الذى وافته المنية فى إسطنبول، وأقيم له سرادق عزاء كبير فى طنطا بحضور العديد من الشخصيات الهامة والمنتمية للقصر والعائلة المالكة، فطلب منه زميله أن يرتدى الجبة والقفطان ليقرأ وصلة مع كبراء القراء، مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الفتاح الشعشاعى، وبالفعل توجه الشيخ الصغير إلى السرادق الكبير، الذى وجد فيه كبراء القادة والأعيان والقرآء وآلاف المعزين.
ولما فرغ الشيخ سالم هزاع من القراءة نهض الشيخ مصطفى ليجلس مكانه فقال له أحد الشيوخ ويدعى حسن صبح: انزل يا ولد مش ناقصة لعب عيال.
فغضب الشيخ بعد أن شعر بالحرج فتقدم زميله إلى الشيخ حسن صبح، وقال له إنه قارئ بأجر مثلك فسكت الشيخ وأفسح المجال للقارئ الشاب، فلما قرأ الشيخ مصطفى إسماعيل، انبهر الجميع بمن فيهم الشيخ حسن صبح الذى اعتذر وقبل رأسه.
شهرته فى طنطا وما حولها
بعد أن استمعت إليه الجموع فى عزاء حسين بك القصبى، ذاعت شهرة الشيخ مصطفى إسماعيل فى طنطا والمدن المجاورة لها فارتفع أجره، لكنه لم يلتحق بالإذاعة المصرية ولم يكن معروفا بالقاهرة رغم علاقته بالشيوخ الكبار.
الشيخ والقصر
تعرف الشيخ مصطفى إسماعيل على كبار القراء، مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ الشعشاعى والشيخ محمد الصيفى الذى آمن بموهبته.
وفى عام 1943 نزل الشيخ مصطفى إسماعيل إلى القاهرة ليقرأ فى عزاء والدة أحد أصدقائه فى غمرة. طبقا لما أخبرنا به ابنه المهندس عاطف، ولما فرغ من القراءة توجه إلى مسجد الحسين ليستمع إلى شيخه عبد الفتاح الشعشاعى وكانت الإذاعة المصرية تنقل الحفل.
وهنا كان القدر بجانب الشيخ مصطفى إسماعيل، حيث تأخر الشيخ الشعشاعى عن الحضور، فطلب الشيخ محمد الصيفى من الشيخ مصطفى أن يقرأ، ولكن إدارة المسجد رفضت بحجة أن القارئ غير مسجل بالإذاعة المصرية، لكن الشيخ "الصيفى" أقنعهم بأن يقرأ الشيخ مصطفى على مسئوليته.
وبالفعل قرأ الشيخ مصطفى نصف ساعة من سورة "التحريم"، وكان الملك فاروق يستمع إلى الحفل عبر أثير الإذاعة فطلب مقابلة الشيخ.
اتصل محمد باشا سالم، سكرتير الملك فاروق بالإذاعة يطلب منهم عنوان الشيخ مصطفى إسماعيل فأخبروه بأنه قارئ مجهول ولا يعرفون عنه شيئًا، فهو ليس منضمًا للإذاعة وأن من دفعه للقراءة هو الشيخ محمد الصيفى، ولأن الشيخ الصيفى كان معروفا اتصل به محمد باشا سالم وعرف منه عنوان الشيخ مصطفى.
وفى اليوم التالي، توجه عمدة "ميت غزال" بصحبة المأمور إلى بيت الشيخ مصطفى ليأمراه بالتوجه إلى القصر الملكى صبيحة الغد ، ولم يكن الشيخ يعرف أن هناك مرسوما ملكيا يقضى بأن يكون هو قارئ القصر.
أناقة الشيخ
حين تدخل بيوت الشيخ مصطفى وتشاهد مقتنياته تعرف أن هذا الرجل كان أنيقا، ربما هذا ما دفعه للإقامة فى فندق شبرد بعد تعيينه كقارئ القصر، قيل إنه أقام على نفقته الخاصة وقيل إن إقامته كانت على نفقة القصر.
وفى حديث خاص فى الستينيات أجرته معه الكاتبه نعم الباز سألته فيه عن اهتمامه بمظهره قال لقد أعطانى الله المال ويجب أن استمتع به.
علاقة الشيخ بالفن
كان الشيخ مصطفى إسماعيل محبا للموسيقى، لذا أجاد فن المقامات الموسيقية وتميز بها عن غيره، كما ارتبط الشيخ مصطفى بعلاقة وثيقة بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وسيدة الغناء العربى أم كلثوم وكان يحب أغنية إنت عمرى.
علاقة الشيخ بالزعماء
لم يعتبر الرئيس جمال عبد الناصر، الشيخ مصطفى إسماعيل رجلًا من العصر البائد، بل احتفظ به وكرمه فمنحه وسام الاستحقاق، أما الرئيس السادات الذى كان يعشق صوت الشيخ مصطفى إسماعيل وكان يقلده أثناء فترة سجنه فاصطحبه معه عام 1977 فى زيارة للقدس، ليقرأ الشيخ فى المسجد الاقصى للمرة الثانية بعد أن قرأ فيه للمرة الأولى عام 1960.
وفاته
وفي شهر ديسمبر، توفى القارئ المبدع مصطفى إسماعيل فى بيته بالإسكندرية عن عمر ثلاثة وسبعين عاما وأقيمت له جنازة رسمية.