«لم ينل حقه».. ولاء عبد الله أبو ستيت تروى تفاصيل المقابلة الأولى مع وديع فلسطين
تلقت الأوساط الثقافية اليوم الجمعة، خبر رحيل الكاتب الصحفي وديع فلسطين، الذي رحل عن عالمنا عن عمر ناهز الـ99 عامًا، وبعد رحلة طويلة مع الصحافة والإبداع، على جانبها كانت هناك رحلة أخرى من التهميش عاشها وديع فلسطين قبل رحيله بسنوات.
وجاء غياب اسم وديع فلسطين نتيجة ابتعاده عن ممارسة الصحافة في سنواته الأخيرة والتفرغ التام لكتابة مذكراته، وجاء كتاب “حارس بوابة الكبار.. وديع فلسطين” للكاتبة ولاء عبد االله ابوستيت ليذكرنا بقامة صحفية كبيرة طالها الحرمان والتهميش.
وديع فلسطين.. لم ينل حقه
تقول الكاتبة ولاء عبد الله ابوستيت:"قبل قرابة عقد ونصف من الآن قابلته في سميراميس، لم أكن أعرفه قبلها.. كنت على موعد مع الناقد الأردني يوسف بكار، وبعد إجرائي الحوار معه قال لي: إن لي صديق كاتب وأديب مصري كبير لا أعرف كيف لا تعطونه حقه وحقيقة لا أعرف كيف يكون عندكم مثل هذا الرجل ولا تحتفون به.. وكان ذلك في عام 2007 أو 2008، ذكر لي اسمه وقتها، فقلت لا أعرفه، ومن حديثه عن قررت انتظاره.. في بهو الفندق جاء الرجل الذي لم أكن أعرفه منذ رآه بكار قام بترحاب شديد يقابله، رأيته وقتها يتعكز على لا شيء، وبعد حديثنا قلت لنفسي ما هذا الرجل ولم كل هذا الإحباط العظيم من هذا الشيخ الكبير، الذي يشار له بالبنان، وكنت في بداية عمري المهني ورغم كل الصعاب والأزمات كنت متفائلة سعيدة أشعر رغم قلة الخبرة وضآلتها سؤالي لنفسي وقتها كان ما الذي قد يهزم إنسانا بهذا الشكل، وبدأت مرحلة التعرف على هذا العظيم الذي لم ينل حقه رغم التكريمات التي تمت له بعد خروج كتابي عنه والذي تلاه أيضا خروج أعمال عنه أيضا.
مقترح برصد رحلته في كتاب
وتابعت “ابوستيت”: “تبادلنا الأرقام، واستمر التواصل بيننا أسبوعيًا، وكان يوم الجمعة هو يوم اتصالي به على هاتفه الأرضي، أطمئن عليه وعلى صحته وأسمع منه ذكريات كثيرة من هنا وهناك مع المبدعين في مصر والعالم العربي وكذا في المهجر.. الجميل أنني في فترات الانقطاع المرضي عنه كان يبادرني بالاتصال ليطمئن علي.. كان بين حين وآخر أيضا يقول لي أنا أستغرب من اتصالك وسؤالك علي، كان لديه أزمة أن كُثر هم تلاميذه لكن أحدا لا يطمئن عليه إلا الراحل لويس جريس، والكاتبة صافيناز كاظم”.
وأكملت: "كنت أستقبل منه أيضا على عنوان الجريدة التي أعمل بها، خطابات بصورة شبه أسبوعية يرسل لي فيها قصاصات مصورة من مقالات له حديثة وقديمة.. أحدها بتاريخ الأمس والأخرى مثلا بتاريخ 1945، بعد فترة وكنت أكتب بعض ملاحظات من حديثه، ثم قلت له إني أود أن أكتب عنه كتاب.. تواضعه لم يجعله يعبر عن سعادة لذلك، لكني رأيت السعادة يوم ذهبت إليه بمخطوطة الكتاب أقرأها عليه لأن نظره وقتها قد تراجع فلم يعد يقرأ إلا عناوين الجرائد ذات الفونط الكبير وتحت أشعة الشمس في فراندته الشاسعة..
4 لقاءات مباشرة مع الاستاذ وديع فلسطين
وأكملت: “ذهبت له إلى بيته مرتين، والثالثة كانت في المستشفى بعد حادث الاعتداء الشهير عليه.. ومنذ هذا الحادث وبعد انتقاله للعيش لدى ابنته لم أتواصل معه مباشرة.. فيبقى كل مرات لقائي به أربع لقاءات مباشرة، والبقية اتصالات هاتفية ومكاتبات بخطابات شبه أسبوعية رسمت لدي خريطة بنيت عبرها قصة كتابي عنه وقد رأيته فعلا حارسا أمينا على بوابة الكبار، مبدعين وساسة وغيرهم”.
وأردفت:"كتاباته جعلني أعتز بأن أكون دائما صحفية مهما تعددت مهاراتي العملية، كان صحافيا مرموقا، مترجما بارعا ومحللا، أديبا بحق يعز الزمان على أن يجود بمثله رغم ذلك الحظ السئ الذي رافقه طيلة حياته المهنية، أو حتى أكون دقيقة هذا ما رأيته وكتبته وقلته فالقدر وضع الرجل في صحيفة المقطم ووصل فيها إلى أقصى درجات الرفعة وكان رئيسا لهيئة تحريرها.. قبل أن تقوم ثورة يوليو 1952، لتوضع علامة على تلك الجريدة باعتبارها كانت لسان حال الاحتلال الانجليزي"..
قدمت مخطوط كتابي للدكتور محمد الباز أضاف لي الكثير
وتابعت: "أتذكر أنني أخذت مخطوطة أولي إلى الدكتور محمد الباز، رئيس تحريري، وطلبت رأيه فيه.. فأخذه وبعد وقت وجيز كلمني وجلسنا وقدم لي ملاحظات منهجية وعلمية غيرت في مسار الكتاب ليخرج بشكله الذي صدر به.
وبعدها عُقدت ندوة عنه في نقابة الصحفيين فضلت أن تكون احتفالية محبة للرجل، حضرها أيضا دكتور الباز، ووقتها قال لي:"نريد أن نستكتب الرجل بمقال أسبوعي".. فقلت له إنه لا يكتب فقال:"اجمعي من مقالاته القديمة".. وكانت لمحة نبيلة من دكتور الباز لم أذكرها من قبل.
واختتمت حديثها قائلًة: “سأظل مدينة كثيرا للأستاذ وديع فلسطين في ملامح عدة وسأقول دائما إن الكتابة عنه غيرت مسار حياتي بل إن معرفتي به ذاتني ثقافة وإطلاع حتى أكون في مستوى الحديث معه في كل اتصال عبر الهاتف الأرضي كان يمتد ساعة أو أكثر”.