«النقاش» يكشف عبر «عباقرة ومجانين» تاريخ أشهر الكتاب الذين تعرضوا للجنون
تاريخ الجنون قديم قدم وجودنا على الأرض، وقد تناول العديد من الفلاسفة والكتاب في مختلف العالم الكشف عن تاريخه الجنون، ويعد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو أحد أبرز من كتب في هذه المنطقة عبر كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"، إلا أن في المشهد الثقافي العربي جاء كتاب رجاء النقاش "مجانين وعباقرة" بمثابة تأصيل للصلة الوطيدة بين الجنون والعبقرية في التقرير التالي نرصد تطواف النقاش حول تاريخ الجنون في المشهد الثقافي المصري والعالمي.
يقول النقاش عبر مقدمته لكتاب عباقرة ومجانين: “قد اخترت عنوان هذا الكتاب من واقع الشخصيات المعروض على صفحاته، فهم عباقرة أو مجانين، وبين العبقرية والجنون خيط رفيع، فالعبقرية استثناء وخروج على المألوف، وكذلك الجنون، ولكن العبقرية تبني وتضيف عناصر إيجابية إلى حياة صاحبها وحياة الناس، أما الجنون فهو تدمير لصاحبه ومحاولة لتدمير الآخرين، ولعلنا بالفهم والمعرفة الصحيحة نستطيع أن نقف في وجه الجنون وما يترتب عليه من سلبيات، ونستطيع كذلك أن نستفيد من العبقرية ونتعلم منها ونستنير بما تقدمه من أفكار وأضواء جديدة على مشاكل الإنسان والحياة”.
قدم الكتاب العديد من الأصوات العربية والعالمية الذين اتهموا وصموا في حياتهم بالجنون، وكانت حياتهم بمثابة مزيج من العبقرية والجنون، فقد قدم النقاش عبر كتابه أحد أبرز صوتين وصموا بالجنون في حياتهم الأولي كانت الكاتبة الراحلة مي زيادة، والثاني كان الشاعر عبد الحميد الديب.
ونقف عند اسم الكاتبة "مي زيادة" يقول النقاش: "جاءت إلى مصر عام 1908 مع والدها ووالدتها، وكان عمرها في ذلك الوقت اثنتين وعشرين سنة، وكانت فتاة ناضجة رشيقة جميلة مليئة بالصحة والعافية، وكان صوتها عذبًا رقيقًا وصفه طه حسين عندما استمع إليها أول مرة سنة 1913 عندما اشتركت في حفل أدبي لتكريم الشاعر خليل مطران، وألقت فيه كلمة أعدتها لهذه المناسبة، قال طه حسين وهو يتحدث عن حفلة تكريم مطران "لم يرض الفتى عن شيء مما سمع إلا صوتًا واحدًا سمعه، كان الصوت نحيلًا ضئيلًا وكان عذبًا رائعًا، وكان لا يبلغ السمع حتى ينفذ إلى القلب، هذا الصوت كان صوت مي.
وصلت مي إلى قمة مجدها الأدبي مع الوقت وجاءت صدمتها الأولى كما يرى النقاش “وفاة والدها عام 1930 ومن بعد وفاة والدتها 1932، ووجدت مي نفسها وحيدة لأول مرة في حياتها”.
عقب تلك الأحداث دعت مي ابن عمها جوزيف عبر رسالة تسرد فيها حالتها ووحدتها "لم يكد يتسلم الرسالة حتى جاء إلى مصر مصر والتقى بمي، وأقنعها برقة ولطف أن تكتب له توكيلًا ليتصرف في شئونها ويقوم برعايتها على خير وجه، في النفسية الحادة استجابت له، وكتبت التوكيل الذي أملاه عليها، ثم اقنعها بعد ذلك أنها بحاجة إلى تغيير الهواء وأن ذلك لن يتم إلا بسفرها إلى لبنان وقد تخلصت من الهموم والأحزان، سافرت "مي" مع قريبها بالفعل وكان ذلك سنة 1936.
أشار النقاش إلى أن قريبها كان طامعًا في الاستيلاء على ثروتها الصغيرة من مال وحلي فاستدرجها إلى لبنان لينفذ خطة بالغة الشر والقسوة.
وتابع النقاش " لقد اشاع أنها مجنونه ، واستطاع ان يقنع بعض من لا يملكون شيئا من الأمانة والشرف ، ومن لا يعرفون قيمة "مي : ومكانتها ، بأن يكتبوا تقريرا طبيا يؤكد أنها مجنونه . بعد ذلك تمكن من أقتيادها إلى مستشفى المجانين المعروف في لبنان، واسمه مستشفى "العصفورية".
وأقام عليها قضية حجر تمنعها من التصرف من أموالها وممتلكاتها، واستطاع أن يحصل على قرار بهذا الحجر على مي، وقد رحلت مي زيادة وهي موصومة في حياتها بالجنون.