زهرة البلقان (1).. الطريق إلى بلغاريا.. لماذا تعتبر "صوفيا" وجهة سياحية فريدة؟
كنت أعتقد الدول لها شكل ولون وطبيعة وتاريخ وثقافة وهوية فقط، قبلها لم أكن أعرف أن الدول لها روائح..حتى اليوم حتى اليوم أشم رائحة "بلغاريا".
الشوارع والمحلات والبضائع والطعام لهم روائح عطر ما لا أعرف اسمه !.. فسرته مرة بأنها بسبب مزارع الورد البلغاري !.. أهم ورود في أوروبا.. لا أعرف إذا كان تفسيري حقيقي !، عند "البلغار" لم أجد تفسيراً.. قد يشمه الأغراب بشكل أوضح، أما المحليين فقد اعتادوه إلى حد عدم التميي ، حتى الان ملابسي وحقائبي التي كانت بحوزتي في الرحلة والأشياء التي اشتريتها تحمل رائحة بلغاريا.. ربما لهذا يجعل من الإنصاف أن نطلق عليها "زهرة البلقان" مع حقيقة أن بلغاريا تساهم بحوالي 70% من إنتاج الورود في العالم، وفي الثقافة البلغارية الورود هي رمز وطني.
الطريق إلى بلغاريا
في شرق شبه جزيرة البلقان في جنوب شرق أوروبا، تأسست بلغاريا في القرن السابع، وهي واحدة من أقدم الدول في القارة الأوروبية (الدولة الوحيدة التي لم يتغير اسمها منذ نشأتها)، ذات حجم متوسط الحجم (بحجم كوبا أو البرتغال أو ولاية فرجينيا الأمريكية تقريبًا). تحدها رومانيا من الشمال، معظم حدودها مؤطرة بنهر الدانوب السفلي، يقع البحر الأسود من الشرق وتركيا واليونان من الجنوب ومقدونيا الشمالية من الجنوب الغربي وصربيا من الغرب. تقع العاصمة صوفيا في حوض جبلي في الغرب.
يقول الكاتب البلغاري يوردان راديشكوف الأكثر شهرة، أن العاصمة صوفيا على طول محور طريقين رئيسيين عابرين للحدود: طريق الحرير التاريخي الذي يربط بين الصين والغرب و طريق طبيعي رئيسي للطيور المهاجرة يُعرف باسم "الطريق الكبير لأرسطو"، " وفقًا لراديشكوف: "يمكن العثور على جوهر بلغاريا على مفترق الطرق بين هذين الطريقين".
الجغرافيا والتاريخ تقاطعوا داخلها، على مفترق الطرق من شمال وشرق أوروبا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط ومن غرب ووسط أوروبا إلى الشرق الأوسط، وامتداداً على سواحل البحر الأسود، وُجدت بلغاريا لتصبح مزيجاً وخليطاً من ثقافات متعددة وعلى الرغم من ذلك، تلمس بوضوح الهوية البلغارية، لتتيقن أن كل ما مر عليها من التاريخ، الروماني والبيزنطي والعثماني، لم يطمس هويتها، بل على العكس ازدادت الهوية البلغارية تمييزاً ووضوحاً، ويمكنك لمسها في كل مناحي الحياة.
بلغاريا برودتها شديدة، وثلوجها كثيفة، فمناخها قاري، فهي تقع داخل منخنفض جوي، تهب عليها رياح المتوسط وبرودة الشمال، لكن الأخبار الجيدة أن لدى نظام تدفئة مميز، داخل المنازل والبنايات والمحلات وحتى المطاعم والمقاهي والحانات في الشوارع.
وجهة سياحية
سألني صديق إيطالي: أي المدن أحب إلى قلبك ؟، أجبت تلك التي لم تحتل يوماً قوائم المسافرين!
بسهولة يمكن رسم خطط لزيارة روما وباريس وبرشلونة ونيويورك، لكن ليس رائجاً أن تختار براغ وبودابست، ووارسو، وصوفيا .. وبلغاريا على وجه التحديد. تحية لهؤلاء الذين اختاروا مدناً ليست وجهات سياحية شهيرة ولا تتصدر قوائم المسافرين ! سيجدون شيئاً فريداً في المدن التي لاتحظى بشعبية! في هذه اللحظة ستكون مستكشفاً أكثر من كونك سائحاً يفعل أشياء فعلوها كثيرين قبلك.
بلغاريا هي وجهة سياحية لعدد من الأوربيين خاصة هؤلاء الذي يستمتعون للرياضات الشتوية، يزورها قرابه 13مليون سائح سنويا (إحصائية 2019) وخلال عام 2021 ، وزار بلغاريا حواليا 2 مليون 207 ألف سائح خلال النصف الأول من العام، بزيادة قدرها 130% عن العام الماضي، 50% من زائري بلغاريا من دول (رومانيا – تركيا – اليونان- روسيا- ألمانيا).
في صوفيا، ستشعر أنك سائح فريد من نوعك، لايوجد مصريين هناك على مرمى البصر، لن تقابلهم في الحانات والمقاهي مثل إيطاليا، ولن تسمع ضحكاتهم ونكاتهم مثل تايمز أسكوير في نيويورك.
دخول بلغاريا يتطلب تأشيرة بلغاريا (الاتحاد الأوروبي)، والتي إذا حصلت على "الدخول المتعدد منها" سيكون بإمكانك زيارة (قبرص وكرواتيا ورومانيا)، وبإمكانك دخولها بفيزا شنجن (دخول متعدد)، والأوراق المطلوبة هي ذاتها الأوراق المطلوبة لتأشيرة فيزا شنجن، الاخبار السيئة أنه لايوجد رحلات جوية مباشرة من القاهرة إلى صوفيا، سيكون عليك الهبوط للترازيت إما في اسطبنول أو في دبي، والأخبار الجيدة أنه هناك مفاوضات جارية حول تسيير رحلات مباشرة بين القاهرة وصوفيا قد تبدأ في أوال العام الجديد 2023.
مطار صوفيا صغير ومُرتب، لن تضل طريقك فيه، بمجرد استلامك الحقائب ستجد على الأرض ثلاثة خطوط مرسومة أخضر وأحمر وأزرق كل منها يقودك إلى وسيلة مواصلات (تاكسي ومترو وأتوبيس)، لن تضل هناك أبداً، رغم اللافتات باللغة البلغارية إلا أن كل شيء واضحاً، وإذ تعثرت وسألت أحد العاملين في المطار سيقودونك بسهولة. البلغار يحبون المساعدة.
ما الذي ستجده في بلغاريا؟
الإجابة القصيرة هي: كل شيء، نعم ستجد كل شيء، إذا كنت من مدمني الطبيعة فلايوجد أكثر جمالاً من الطبيعة البلغارية، الشواطي الرائعة على البحر الأسود والموانيء الجميلة في مدينتي "فارنا وبورجاس"، تتناوب المساحات المفتوحة من الأراضي المنخفضة مع الأراضي الجبلية التي تقطعها وديان الأنهار العميقة وتأوي أحواض المرتفعات مثل تلك التي تقع فيها مدينة صوفيا. يوجد في البلاد حوالي 500 ينبوع معدني، نصفها دافئ أو ساخن (تصل درجة الحرارة [103 درجة مئوية] في ساباريفا بانيا، في الغرب).
إذا كنت من محبي استكشاف، فإنك ستجد نفسك داخل فيلم أوروبي من الحقبة الشيوعية: مباني عتيقة ذات طراز كلاسيكي، ورسومات على الجدران، وطرق ضيقة تلمس فيها الثقافة الشعبية، وحياة ليلية فريدة، فما أسهل وأكثر البارات والحفلات الليلية في بلغاريا.
وإذا كنت من محبي الآثار، ففي كل خطوة ستتصدم بأثار وأماكن لها تاريخ وحكايات، تعود إلى عصور وثقافات مختلفة، ولاشيء يضاهي الكنائس الجميلة في كل الميادين والمفتوحة للزيارات مجاناً، ولاتنسى أن أعلى نقطة: جبل "موصالا" في جبل ريلا - 2925 م هي (أعلى قمة في أوروبا الشرقية).. في زيارة واحدة ستكون في أقدم دولة في أوروبا وأعلى قمة في أوروبا الشرقية!