صورة ورثاء وألحان.. 99 عامًا على رحيل فنان الشعب سيد درويش
«زوروني كل سنة مرة.. حرام تنسوني بالمرة».. 99 عامًا مرت على رحيل فنان الشعب سيد درويش، وما زالت سيرته محفورة في قلوب أهالي مدينته ومسقط رأسه بمحافظة الإسكندرية، والتي خرج منها الشيخ سيد درويش، وألحانًا خالدة تسطع في أنحاء الوطن العربي.
بداخل الحي الشعبي «كوم الدكة» وسط الإسكندرية، ولد سيد درويش في 17 مارس عام 1892، ورغم مرور أكثر من قرن على ميلاده ما زال أهالي المنطقة يحيون ذكراه، بداخل المقاهي التي إحداها تحمل اسمه وصورًا له بجميع أركانها، فضلا عن الجداريات الكثيرة بالشوارع وعلى جدران المنازل، حيث ما زال الحي الشعبي القديم يحيا على نغماته وذكراه.
وتحل علينا اليوم ذكرى وفاة باعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي ففي 10 سبتمبر 1923 توفى فنان الشعب عن عمر يناهز 31 عامًا، ونرصد خلال السطور التالية جانب من حياة خالد الذكر سيد درويش.
من الإنشاد إلى الغناء
حياة سيد درويش القصيرة كانت مليئة بالأحداث والتأثير بأغانيه الوطنية، حيث جعل من الموسيقى رسالة أكبر، وهي استخدام هذا الفن العظيم في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي.
بدأ سيد درويش الإنشاد مع أصدقائه في الإسكندرية، بألحان الشيخ سلامة حجازي والشيخ حسن الأزهري، والتحق بالمعهد الديني بالإسكندرية عام 1905، وبعد أن تزوج سيد درويش وهو في السادسة عشرة من عمره، عمل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفّق.
تحمل «درويش» مسئولية أسرة، جعله يعمل عامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مثيرًا إعجاب العمال وأصحاب العمل، وتصادف وجود الأخوين أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به، فاسترعى انتباههما ما في صوته، وكانت البداية وهي مرافقاتهم في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908، أتقن درويش خلالها أصول العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية.
أحب «درويش» للفن وأشتهر اسمه، وأغانيه التي وصلت إلى سمع رائد المسرح الغنائي المصري سلامة حجازي الذي حرص على زيارته في الإسكندرية والاستماع إليه شخصيا عام 1914، وأبدى إعجابه بأسلوبه في التلحين وتنبأ له بمستقبل كبير ثم عرض عليه الانتقال إلى القاهرة للعمل معه، ليترك الإسكندرية ويتجه إلى العاصمة، وبزغ نجمه حينها وقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، وكون ثنائية فنية مع بديع خيري أنتجت العديد من أفضل الأغاني التراثية الخالدة.
ألحان فنان الشعب
بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار وأربعين موشحًا ومائة طقطوقة و30 رواية مسرحية وأوبريت ومن أشهر ألحانه: بلادي بلادي، أنا هويته وانتهيت، زوروني كل سنة مرة، سالمة يا سلامة، خفيف الروح، قوم يا مصري، أحسن جيوش في الأمم.
لغز وفاة سيد درويش
في 10 سبتمبر 1923 توفي فنان الشعب سيد درويش، وأثارت وفاته الكثير من التساؤلات، بل ما زالت لغزًا حتى الآن، حيث إن هناك روايات كثيرة عن سبب وفاته ومنها أنه توفي بسبب جرعة زائدة من المخدرات ولكن أحفاده نفوا تلك الرواية، وما تم ذكره في مذكرات بديع خيري أن الفنان سيد درويش أقلع عن المخدرات، أما الرواية الأخرى أن سبب الوفاة هو تسمم مدبر من الإنجليز أو الملك فؤاد، بسبب أغاني سيد درويش التي تحث الشعب على الثورة.
رثاء نجيب الريحاني وبديع خيري
تسجيل قديم لنجيب الريحاني في ذكراه، ذكر فيه الريحاني ما لم يعرفه الكثير عن سيد درويش قائلًا: «سيد درويش روح طاهرة وشفافة ونقية روح غير مستقرة بتستعجل أيامها للرحيل من الحياة، كأن الحياة حمل ثقيل وعاوزة تتخلص منه الدنيا وعاوزة تروح لموطن تاني»، وأضاف «كان الموت ميغبش أبدا عن باله حتى فى سهراته، هداني مرة صورته وكتبلي تحتها من ميت يهدى إلى أموات، وذكرياتى معاه طويلة جدا كلها ود وإخلاص والتقدير وفيها المشاحنات والخناق، والرضا والضحك والبكاء».
أما بديع خيري فقد رثى سيد درويش قائلًا: «لو نسيت روحي، يجوز أنا أنسى روحي، إنما سيد لا أنساه يوم في عمري، كل ذكرى تمر بتفتح جروحي، من جديد والناس بتستعجب لأمري».
واستكمل: «يسألوني توصفه بأيه بعد موته، قولت هو ألي وصف نفسه بنفسه، أسأله ألحانه تنطق في سكوته، أسألوا ثورة 19 وصوته، لما جلجل والعدو في أشد بأسه».