حكاية نجيب محفوظ مع القرآن.. وهذه أحب السور إلى نفسه
للأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ قصة مع القرآن الكريم، فهو الاستثناء الوحيد له من قاعدته، إذ اعتاد أن لا يقرأ كتابا واحدا مرتين، باستثناء القرآن؛ كان يواظب على قراءة أجزاء منه يوميا، وكانت لديه أسباب لتعلقه به بهذا الشكل، كما كان له تأثير كبير على أسلوبه وأدبه، وهو ما كشف عنه أديب نوبل في الفصل الحادي والعشرين والذي جاء بعنوان "الله والإنسان" من كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للناقد رجاء النقاش، الذي عكف على كتابته بعد أن عرضها عليه مركز الأهرام للترجمة والنشر في أوائل عام 1990، ورحب بها، واستمرت لقاءاتهما من أغسطس 1990 وحتى أواخر 1991.
وقال نجيب محفوظ إنه لم يقرأ في حياته كتابا واحدا أكثر من مرة باستثناء كتاب واحد هو "القرآن الكريم"، قرأ القرآن منذ الصغر، وتعلق به، وكان يقرأ فيه بشكل يومي ولو أجزاء قليلة، قرأ كذلك كتب التفاسير، خاصة القرطبي، وإن كان أكثرها راحة بالنسبة له "منتخب التفاسير" الصادر عن مجمع البحوث الإسلامية.
وتابع: ترجع عادة عدم قراءتي للكتاب الواحد أكثر من مرة إلى أنني بدأت تثقيف نفسي ثقافة أدبية في وقت متأخر نسبيا من حياتي، وبالتحديد بعد عامين من تخرجي من الجامعة، فكان الوقت أمامي ضيقا، وعلي أن أقرأ كل ما يقع تحت يدي، وكل ما يتعلق بالأدب، وهو كثير، ومن هنا لم يكن عندي الوقت لإعادة قراءة ما سبق أن قرأته حتى ولو نال إعجابي أكثر من غيره، فقد كنت أعتبر ذلك ترفا لا أقدر عليه، ولا يسعفني الوقت لأدائه، وهذه خطة لم أحد عنها أبدا.
واستطرد: علاقتي بالقرآن الكريم والتي بدأت في وقت مبكر من حياتي، فإنها توطدت أكثر بعد تعلقي بأصوات كبار القارئين في ذلك العصر، خاصة "الشيخ علي محمود" الذي كان يملك صوتا موازيا للوطن، فإذا كان مشهد الوطن يحرك مشاعرك، فكذلك كان صوت الشيخ علي محمود في ترتيله للقرآن، واعتدت على حضور ليلة حفني الطرزي التي يحييها الشيخ علي محمود في أيام مولد سيدنا الحسين، وأظل ساهرا حتى مطلع الفجر مبهورا بصوته المعجز، وكنت أداوم على سماعه في الوقت المخصص له بالإذاعة.
وذكر: كان الشيخ البربري، ولا أتذكر اسمه كاملا، له طريقة فريدة في ترتيل القرآن، لم أسمعها من قارئ قبله أو بعده، فهي طريقة أقرب للخطابة، ولكن بشكل جميل مؤثر، وقد كان للقرآن وأسلوبه وموسيقاه العذبة أثر كبير في أسلوبي في الكتابة، وظهر ذلك بشكل واضح في "أحاديث الصباح والمساء"، والتي قال عنها الناقد الدكتور محمد حسن عبد الله إن تلك القصص تسير على نفس المنهج الذي سارت عليه قصص القرآن، وأنه ظهر فيها تأثري البالغ بأسلوب القصص القرآني.
أوضح: أما أكثر سور القرآن التي سحرتني بموسيقاها وأسلوبها، فهي سورة "الرحمن"، وأتذكر أن صحفيا أمريكيا جاء إلى القاهرة ليجرى معي حديثا وسألني عن علاقتي بالقرآن وتأثيره علي وأسئلة أخرى، ثم سافر عائدا إلى بلاده، وبعد بضعة أيام فوجئت برسالة بريدية منه، حيث أخبرني أنه نسى سؤالا هاما ويريد مني الإجابة عنه، وكان السؤال هو: ما أحب سور القرآن إلى نفسك؟ وأرسلت له الإجابة: إنها سورة الرحمن.
وأضاف: الحقيقة أنني عندما وضعت لنفسي برنامجا للتثقيف الذاتي في بداية حياتي، كان جزء كبير من هذا البرنامج يتعلق بدراسة الديانات الكبرى، وتاريخ الحضارة، والفكر الإنساني، لذلك قرأت "الكتاب المقدس" بإمعان، وكان من مصادري التي اعتمدت عليها في كتابة رواية "أولاد حارتنا"، كما أنني اقتبست منه قصة "أيوب" التي تحولت فيما بعد إلى فيلم سينمائي قام ببطولته عمر الشريف، وهناك اختلافات كبيرة بين قصة "أيوب" في "الكتاب المقدس" وقصة "أيوب" التي كتبتها أنا، إلا أن المصدر الرئيسي الذي أوحى إلي بكتابة القصة، هو ما جاء عنها بـ"الكتاب المقدس".