سيرة نساء نجيب محفوظ.. بطلات أجبرهن الفقر على البغاء
يؤكد نجيب محفوظ لرجاء النقاش فى فصل بعنوان "نساء فى حياتى" فى كتاب “نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته” الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بأن علاقته بالمرأة والجنس بدأت فى فترة مبكرة من حياته، فقبل أن يدق قلبه للمرة الأولى وهو على أعتاب المراهقة "كانت علاقتى بالبنات لا تزيد على مداعبات تتجاوز الحد أحياناً، وكانت هذه التجاوزات البريئة تصطدم بالإحساس الدينى وهو على أشده فى تلك الفترة، لدرجة أننى كنت أتوجه بالتوبه إلى الله يومياً وأعيش فى عذاب مستمر من تأنيب الضمير".
وحين أحب فتاته فى حى العباسية كان حباً بريئاً، وكان مظهرها وتحركاتها تميل إلى الطابع الأوروبى وهو طابع لم يكن مألوفا آنذاك، أحبها نجيب محفوظ عاماً كاملاً من طرف واحد حتى تزوجت.
لكن الشخصيات النسائية التى تمارس الجنس بشبق وبرغبة كاملة فى روايات نجيب محفوظ لم تكن إلا صورة من واقع شاهده وشهد عليه، بل ومارسه وعاش فيه، انغمس فى ملذاته وسهراته، ويبدو نجيب هنا مثل الرجل الشرقى الذى يستلذ بالجنس لكنه يميل دائماً إلى الروحانية وأن يكون الدين هو المسيطر العام على حياته، وهو الطابع الواضح بين زوايا كتاباته، إذ لا تخلو أعماله من هذه الصبغة الدينية
إحسان شحاته (القاهرة الجديدة)
تبدو إحسان شحاتة واحدة من نساء نجيب محفوظ الذين تأخذهم الغواية وتنحدر بهم إلى السقوط بسبب الفقر والحياة البائسة التى يعيشون فيها، مثل " نفيسة " بطلة " بداية ونهاية " و "كريمة "بطلة" الطريق " و"حميدة" بطلة "زقاق المدق"، وعلى الرغم من بعض المتعة التى يجنيها هؤلاء النسوة من الحياة إلا أنها ما تلبث تنقلب عليهم جميعاً وتجعل المجتمع الذى ساهم بالدرجة الأكبر فى سقوطهم يتفرج عليهم وكأنهم فى سيرك والمجتمع جمهوره.
لقد استطاع نجيب محفوظ أن يقدم هذه النماذج عبر السنوات الممتدة التى كتب فيها أعماله من 1945 القاهرة الجديدة وحتى الكرنك 1974 بإدراك تام لتحلل المجتمع وسقوطه وسعيه إلى تحقيق المكاسب بسرعة، واهتمامه بالمظهر الاجتماعى أكثر من اهتمامه بالأصل والكرامة، إنه يقدم نموذج لانحطاط مجتمع يتردى فى الرذيلة غير عابىء بشيء سوى المظاهر الاجتماعية الخادعة، لكن هؤلاء النسوة دفعتهن جميعاً قسوة الظروف والاحتياج المادى والنشأة السيئة، إنها نماذج مثل النبت الشيطانى المتباعد نشأت هنا وهناك لكنها كانت متباعدة حتى قدمت الألفية الجديدة.
"القاهرة الجديدة" حملت وجهة نظر الشارع حول المرأة
يرى الكاتب والناقد الأردني نايف النوايسة عبر مقال "نساء نجيب محفوظ "والمنشور بمجلة الكلمة "على ان للمرأة حضور قوي في شبكة نجيب محفوظ باعتبارها عنصراً مهما في حركة .
ولفت النوايسة إلى أن "في رواياته التاريخية الأولى أولى نجيب محفوظ المرأة اهتمامه الواضح وبدا هذا الاهتمام في مطالبته بتعليم المرأة والتحاقها بالجامعة، وظهر ذلك جلياً حين التحقت أولى خمس فتيات لجامعة القاهرة وما قابل ذلك من استغراب لدى الجميع، خاصة الطلبة الذين فوجئوا بوجود الطالبات بينهم، فذكرت رواية "القاهرة الجديدة "الحوار التالي حول هذا الحدث:
ـ هنَّ دفعة أولى من الجنس اللطيف وسيتبعهنَّ أخريات، الجامعة، موضة حديثة لا تلبث أن تنتشر، وإن غداً لناظره قريب.
ـ أتحسب أن فتياتنا يقبلن على الجامعة كما اقبلن على السينما مثلاً؟
وتحمل هذه الرواية وجهات الشارع المصري حول المرأة في الفترة التي كتبت فيها، فضلاً عن أنها تعكس التيارات الثقافية والفكرية والسياسية بهدف الرصد التاريخي الذكي لواقع حركة تحرر المرأة في مصر، ففي المناقشة التي جرت بين احمد بدير وعلي طه ومحجوب عبد الدائم ومأمون رضوان نقف على آراء أربعة نماذج من المستويات الفكرية في المرأة، فواحد يراها طمأنينة الدنيا وسبيل لطمأنينة الآخرة، وآخر يراها شريكة للرجل في الحياة وتقوم هذه الشركة على المساواة المطلقة في الحقوق والواجبات، في حين يراها ثالث أنها صمام الأمان في خزان البخار، بينما يرى الرابع أن أرذل رجل بين الرجال يساوي امرأتين. إن هذا الرصد لواقع المرأة في المجتمع المصري نلمسه في القرية والمدينة، في المصنع والمكتب والمدرسة والجامعة، في البيت والشارع.
اختار محفوظ شخصيات نسائية لها مشكلات عادية عاشتها معظم نساء مصر في هذه الفترة، ويقع دور الشخصية النسائية ضمن حركتها في المجتمع وتطور وضعها في إطار الحركة الصاعدة للحياة الاجتماعية في مصر المعاصرة.
حميدة في" زقاق المدق "
كتب محفوظ رواية "زقاق المدق" عام 1947 وبطلتها "حميدة" التى تربيها امرأة تناديها طوال الوقت على أنها أمها، ولا تعرف لها أماً بل والناس يلقبون الأم طوال الوقت بـ " أم حميدة، وتعيش حياة حائرة بين عباس الحلو وبين تأمين مستقبل حياتها لتنجو من الفقر، ويهدىء بالها، وهى تتساءل هل تجده مع السيد سليم علوان صاحب الوكالة ؟.
هنا قدم نجيب محفوظ السقوط حلاً للتخلص من الفقر ومن الحياة البائسة التى عاشتها حميدة.
نور بطلة "اللص والكلاب "
أما "اللص والكلاب" كتبها نجيب محفوظ عام 1961، وجاءت فكرتها من تحقيق صحفى نشر فى الأهرام وقتذاك عن السفاح الشهير محمود أمين سليمان.
تتلبس الخيانة كل أنثى فى رواية "اللص والكلاب"، فنبوية سليمان زوجته خانته حين قررت الطلاق منه، وهو فى السجن، والزواج من صديقه عليش سدره .
تأتي نور عكس بطلاته في رواياته السابقة " بداية ونهاية " و " القاهرة الجديدة " و " زقاق الدق" ، ف نور تحب سعيد مهران اللص.
نور هى الوجه الأطيب والأرحم من رءوف علوان صديقه ومعلمه الذى علمه أن يقرأ وأباح له السرقة ذات يوم ".