«توقيع بالدموع».. التفاصيل الكاملة لقصة نهاية مذكرات بديع خيري
129 عامًا مرت على ميلاد المؤلف المسرحي بديع خيري، الذي ولد في 17 أغسطس لعام 1893 بحي المغربلين بالقاهرة، لأب كان يشغل مديرًا لحسابات دائرة الوالدة باشا أم "الخديوي عباس"، وحيد أمه، وله أخان غير شقيقين محمود ومصطفى، نشأ نشأة شعبية، يقضي الفراغ كله ما بين مقاهي الجمالية والبغالة والإمام الشافعي، يستمع إلى الربابة وإنشاد الشعر الشعبي، إلى أن أصبح أحد أبرز كتاب المسرح المصري في القرن العشرين.
كانت حياة بديع خيري طويلة وعريضة وعميقة فنيا، وهو ما ظهر جليا في مذكرات التي قرر تقديمها، وكتبها عنه الكاتب الصحفي محمد رفعت، إذ سرد العديد من الأحداث التي مر بها، والشخصيات التي تعامل معاها طوال حياته، في 190 صفحة من القطع المتوسط، متضمنة 17 فصلًا.
ونشرت مذكرات بديع خيري على حلقات بمجلة "الكواكب" بدءا من 2 يوليو 1963، وهو الميعاد الذي يتزامن مع وفاة ابنة عادل خيري بحوالي أربعة أشهر فقط، وهو ما جعل خيري شلبي ينهي مذكراته بعنوان "توقيع بالدموع"، وجاء فيها: "واليوم وقد انتهينا أنا والصديق الحبيب محمد رفعت من كتابة هذه المذكرات، لم نك ننتظر أن نوقعها بدموعنا… دموعنا على عادل خيري… عادل ولدي الذي كنت ادخره ليتسلم من بعدي مسرح الريحاني ويرعى أبناء مدرسة الريحاني… وليواصل السير بالقافلة ومن بعده ولده، حتى لا تنطفئ أبدا أضواء مسرح الريحاني. ولم يك خير ما سأورث عادل المسرح أو المال… بل الحكمة التي حرصت عليها طول حياتي {كلما اشتد الظلام، كلما اقترب بزوغ الفجر}… ولكن أي فجر أرجوه الآن وقد ذهب عادل".
وعن وفاة عادل خيري، قالت ابنته "عطية": بيت جدي "بديع خيري" لم يكن سعيدا، بل على العكس فقد كان البيت كئيبا جدا، فجدي كان مريضا بالسكر ما أدى إلى استئصال أصابع قدميه العشرة وعاش على كرسي متحرك بقية حياته، وكانت جدتي وهي قريبة جدي مريضة هي الأخرى بالسكر وقد فقدت بصرها قبل وفاتها بثلاث سنوات ثم توفي والدي بعدها وعمره 32 عاما بعد أن قضى في عالم الفن 7 سنوات فقط... واستمر الحزن مسيطرا على كل شيء في بيت العائلة الكبير.
وتابعت: عاش جدي في حزن مستمر بعد أن شعر أن امتداده الفني انقطع عن الدنيا وقد توفي عام 1966، كما كان والدي أيضا مريضا بالسكر ثم أصيب بتليف الكبد، وقبل وفاته بعام كان لا يستطيع أن يستكمل العرض المسرحي دون يأخذ بعض الحقن والأدوية في فترات الراحة بين فصول المسرحية، واستمر الحال على هذا النحو حتى توقف نهائيا عن العمل في المسرح في أواخر أيامه بعد أن ساءت حالته وأصبح مقيما في المستشفى بصفة مستمرة، وكان الفنان محمد عوض يقوم بدور والدي على المسرح أثناء فترة مرضه، فقد كان من القلائل الذين صادقهم والدي داخل الوسط الفني.
وأضافت: قد حكت لي والدتي أن أبي "زهق" من البقاء طويلا في المستشفى والابتعاد عن رؤية جمهوره، فقرر الذهاب ذات مرة إلى المسرح، وبعد أن انتهى العرض توجه إلى خشبة المسرح من الكواليس فضجت القاعة بالتصفيق طويلا له، فانهمرت الدموع على وجنتيه متأثرا بحفاوة الجمهور به، وقد توفي بعد هذا المشهد بأيام وكأنه كان يريد أن يلقي نظرة الوداع على المسرح الذي ارتبط به منذ أن كان يذهب إليه وهو طفل بصحبة والده.