«رفاق الأستاذ».. اعترافات نجيب محفوظ عن صداقته بتوفيق الحكيم (6)
"ارتبطت بتوفيق الحكيم وجدانيا وروحيا، اكتشفت مقهى بترو بالإسكندرية وأسست فيه ركن الحكيم" حكى أديب نوبل نجيب محفوظ عن صداقته بالأديب توفيق الحكيم وذلك في مذكراته المنشورة بعنوان "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للكاتب رجاء النقاش.
واعترف نجيب محفوظ أن الأديب توفيق الحكيم كان له مكانة خاصة في قلبه، ورغم أنه أحب "العقاد" وتعلق به وتربى على يديه، وتأثر بطه حسين إلى حد بعيد، لكنه ارتبط بالـ "حكيم" وجدانيا وروحيا وعاش معه سنوات طويلة كظله.
وأشار نجيب محفوظ إلى أن علاقته بتوفيق الحكيم بدأت عام 1947 في العام الذي صدرت فيه رواية "زقاق المدق" وكان “الحكيم” وقتها من نجوم الأدب، وقرأ الرواية بناء على نصيحة من مدير الأوبرا وقتها محمد متولي، ثم طلب "الحكيم" مقابلة نجيب محفوظ.
ذهب "محفوظ" إلى توفيق الحكيم في مقهى "اللواء" وكان مقرها في مواجهة البنك الأهلي المصري وجلس معه في حضور مترجم اللغة الألمانية محمود إبراهيم دسوقي، وفي نهاية اللقاء سأل “الحكيم” نجيب محفوظ عما إذا كان يسافر إلى الإسكندرية لقضاء الصيف، ومتى؟، فأخبره أنه يسافر في شهر سبتمبر بانتظام.
طلب "الحكيم" مقابلة نجيب محفوظ في مقهى سيد بشر، يقول "محفوظ": "ولما كان لقاؤنا الأول في القاهرة في نهاية صيف 1974، فلم يكن هناك بد من مرور عام كامل قبل أن ألتقي بالحكيم في الإسكندرية في شهر سبتمبر 1948، في الطريق إلى المقهى الذي يجلس عليه الحكيم في سيدي بشر اكتشفت مقهى أجمل وأنسب اسمه بترو، كما أنه كان أقرب إلى البيت الذي يسكن فيه الحكيم، وعرضت عليه أن ننتقل إلى هذا المقهى وننشئ ركنا نسمية ركن الحكيم ووافق".
كان ركن الحكيم في مقهى “بترو” يحضر إليه الباشوات والإقطاعيون من المهتمين بالأدب والثقافة، ومنهم، شمس الدين باشا عبد الغفار وبرهان باشا نور، وعندما انضم إليهم نجيب محفوظ شعر بتحفظهم نحوه وخوفهم من وجوده، فلاحظ "الحكيم" ذلك فتدخل وأزال هذه التحفظات والمخاوف، وأصبح "محفوظ" من أعضاء "الشلة" ودخل في نسيجها الإنساني.
بعد قيام ثورة 1952 استمرت لقاءات "شلة الحكيم" وأصبح أحد روادها من الباشوات السابقين، وكان نجيب محفوظ يستغل تحفظهم في أحاديث السياسية ليداعبهم ويسخر منهم، قال: "مثلا كنت أحدث عن أحد الأفلام السينمائية المعروضة، واستخلص منه مغزى سياسيا خطيرا وأشير إلى اتفاق شمس الدين باشا في الرأي الذي توصلت إليه، فيقفز شمس باشا من مقعده وهو في حالة هلع مؤكدا أنه لا رأي له في شيء".
لم تنقطع علاقة نجيب محفوظ بتوفيق الحكيم حتى آخر مرة زاره في المستشفى عام 1987، قبل وفاته بأيام، وكانت حالة "الحكيم" متدهورة جدا، حتى أنه كاد لا يتعرف على زواره، يضيف "محفوظ": "ويبدو أنه أصيب بضمور في عروق رأسه أثرت على ذاكرته، وهي شبيه بالحالة التي أصابت الأستاذ أحمد بهاء الدين وعندما خرجت من حجرة توفيق الحكيم بالمستشفى قلت لمرافقي خلال الزيارة، الدكتور محمد حسن عبد الله، إنني لم يحدث أن تمنيت الموت لأحد من قبل، ولكن حالة الحكيم جعلتني لا أتمنى له الحياة بهذا الشكل".
وأكد "محفوظ" أن علاقته بتوفيق الحكيم كان حميمية للغاية، وكان يأتمنه على أسراره الشخصية والعائلية، حيث حكى له قصة فشل ابنته "زينب" في زواجها الأول، واعترف له بأنه – أي محفوظ- السبب في اكتشاف الأسباب الحقيقية لفشل زواجها، حيث ذهبت "زينب" مع اختيها من أمها لمشاهدة فيلم "السراب" المأخوذ عن رواية "محفوظ" وفوجئن بأن "زينب" تبكي أثناء عرض الفيلم، وضغطن عليها لمعرفة أسباب البكاء، وعلمن بمشاكلها مع زوجها، فعلم "الحكيم"بالأمر، وأحضر زوجها وأقنعه بالانفصال.