منى مالك تروى قصة يوسف صديق منقذ ثورة 23 يوليو
اختصار ثورة 23 يوليو في الزعيم جمال عبد الناصر، يبدو طبيعيا فهو أحد أبرز قيادتها وقائدها الحقيقي، إلا أن اسم «يوسف صديق» أحد أبطال الثورة ظل لعقود طويلة يبدو غائبا ومهمشا، ولا يعرفه أحد من الأجيال الجديدة، لذا جاء كتاب الأكاديمية والباحثة منى مالك لتقدم وثيقة تكشف لنا شخصية ودور يوسف صديق منقذ الثورة في حوارها لـ«الدستور» حيث تبرز لنا كيف أنقذ يوسف صديق ثورة 23 يوليو، وماذا كتب لعبد الناصر عقب تأميم قناة السويس، ولماذا قطع رحلة علاجه بالاتحاد السوفيتي وطلب عودته لمصر؟
لماذا ثورة 23 يوليو حدثينا عن الأسباب التي حرضتك على تحضير رسالة ماجستير في هذا الصدد؟
ثورة يوليو لها أسباب اقتصادية واجتماعية وعميقة الجذور، فهي تتويج ونتيجة طبيعية للثورة العرابية التي قامت في سبتمبر ١٨٨١ ولثورة سعد زغلول ١٩١٩ فقد سبق ثورة يوليو محاولات متبادلة بين الجيش والشعب للتخلص من الاحتلال وجاءت ثورة يوليو اتحد فيها الجيش والشعب وحققت أهداف الثورتين السابقتين لها وكانت استكمالا لهما لاسيما الهدف الأسمى الحصول ع الاستقلال وجلاء المحتل عن بلادنا، كما أن الأسباب التي تسببت في فشل ثورة ١٩١٩ هي نفسها التي حركت ثورة يوليو، حينما أغفلت قيادات ثورة 1919 مطالب التغيير الاجتماعي وهذا أول ما نادت به ثورة يوليو (تحقيق العدالة الاجتماعية)، وبالرغم من أن ضباط الجيش كانوا ينعمون بالرخاء إلا أنهم ثاروا من أجل الطبقة الكادحة من الشعب، فضلا عن أن «يوليو» ملهمة الثورات العربية، حيث أنهم اتخذوها مثالا يحتذي للتخلص من الاحتلال والحصول على استقلالهم.
فموضوع الرسالة هو يتناول بانوراما كاملة عن حياة يوسف صديق وعن دوره العظيم في ثورة يوليو ١٩٥٢ مع عرض الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر منذ ولادة يوسف صديق وحتى التحاقه بالكلية الحربية وانضمامه للضباط الأحرار ومن ثم دوره في الثورة ثم انضمامه لمجلس قيادة الثورة وأبرز الأحداث التاريخية لمصر في تلك الفترة حتى وفاته ومحاولة التعتيم ع دوره إلى أن أقيم تمثال له في قاعة ثورة يوليو ١٩٥٢ بالمتحف الحربي بالقلعة أسوة بزملائه في مجلس قياده الثورة حتى تكريمه بمنحه قلادة النيل من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي.
لماذا وقفت تحديدا عند يوسف صديق وما أبرز ما توصلت إليه دراسة الماجستير عن دور يوسف صديق؟
في الواقع يوجد العديد من الدراسات التاريخية حول ثورة يوليو وأسبابها وأهدافها ونتائجها وعن أعضاء مجلس قيادة الثورة البارزين ولكن لا يوجد دراسة عن منقذ ثورة يوليو البكباشي يوسف صديق الذي لولاه ما نججت ولا حصلت مصر على استقلالها الذي ظلت تكافح 70 عاما من أجل الحصول عليه وأصبحت على ما هي عليه الآن حرة ومستقلة وملهمة.
وقبل أن أتطرق إلى ذكر الأسباب التي دفعتني لاختيار يوسف صديق ودوره في ثورة ٢٣ يوليو موضوع رسالتي لاستكمال مطلبات الحصول على درجة الماجستير أود أن أشير إلى أن أغلب جيلي لم يكن يعلم من هو يوسف صديق أو من هو الذي كان سببا في نجاح تلك الثورة التي أصبحت مصدر إلهام لكافة الدول العربية وقتئذ، فأنا وجيلي كنا نعلم أن ثورة يوليو هي جمال عبد الناصر مؤسس الضباط الأحرار ومحمد نجيب الذي تم اختياره كوجهة مشرفة ورمز للثورة لكبر سنه ورتبته ونزاهته وسمعته الطيبة وأنور السادات اللذين أصبحوا رؤساء لمصر فيما بعد وبعض الأسماء البارزة لمجلس قياده الثورة، وعندما ذُكر أمامي أسم يوسف صديق بأنه كان سبب نجاح الثورة وأحد أعضاء مجلس قيادتها بدأت بالبحث عنه وعن دوره بين سطور مذكرات الضباط الأحرار وكانت المعلومات شحيحة ورأيت أنه لم يأخذ حقه تاريخيا وتم التعتيم عليه وعلى دوره فهو الذي كان سبب في تغيير مجرى تاريخ مصر وسبب في إنقاذ رفاقه من الاعتقال وبالتالي أنقذ الثورة من الفشل، وعزمت على أن يعلم جيلي وكل من لم يعرفه من هو يوسف صديق وما هو دوره البطولي من خلال حياته ومواقفه الوطنية ومن خلال علاقته مع زملائه وحديثهم عنه لاسيما مواقفه مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ماذا عن التاريخ الشخصي ليوسف صديق؟
ولد يوسف صديق في ٣ يناير ١٩١٠ بقرية زاوية المصلوب التابعة لمركز الواسطى بمحافظة بني سويف، وهو من أسرة لها باع في العمل السياسي والحربي بالجيش المصري، والده اليوزباشي منصور يوسف حسن الأزهري كان ضابطا بالجيش المصري بالسودان، ووالدته هي السيدة سكينة كريمة الحاج أحمد على وهو من أعيان المنطقة، وكان والده ابن خال والدته، وجده الأكبر كان عالما من علماء الأزهر هو الشيخ حسن الأزهري، وكان قاضيا في عهد الخديوي محمد توفيق، وكان دائم الانتقاد لتصرفات الخديوي مما دفع الحكومة لتعيينه حاكما لإقليم كردفان غرب السودان للتخلص من معارضته، وعاش مع زوجته ووالديه منصور ومحمود وعندما قامت الثورة المهدية بالسودان ١٨٨٥ قام الدراويش بقتل الحاكم وزوجته واستطاع البواب السوداني حماية ولديه منصور ومحمود مستغلا سمرة بشرتهما وادعى أنهم ولديه وقام بتهريبهما لمصر وتوفي محمود في القاهرة وعاد منصور لقرية زاوية المصلوب.
ماذا عن أبرز ما توصلت إليه في رسالتك للماجستير عن يوسف الصديق؟
وكان أبرز ما توصلت إليه الرسالة حول دور يوسف صديق أنه وفقا لمذكرات يوسف صديق وطبقا لكل الروايات للضباط الأحرار عن عملية اقتحام مبنى رئاسة الجيش وإن كان ثمة اختلاف في تلك الروايات في بعض التفاصيل فعند مقارنتها ببعضها يتضح الدور العظيم الذي قام به البكباشي يوسف صديق ليلة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ الذي أشاد به الرئيس جمال عبد الناصر في خطابه أثناء الاحتفال بالعيد العاشر للثورة عام ١٩٦٢، فقد كان على رأس فصيلة مدافع ماكينة مكونة من ٢٠ جنديا، وكان دوره تأمين مبني قيادة الجيش.
فقد ذهب للقيام بالاقتحام بنفس القوة التي كان دورها دور تأميني ويكون عددها أقل ومسلحة بتسليح خفيف، ومن الملفت أن يوسف صديق عندما كان في الطريق لمبنى قيادة الجيش ولم يكن يجد أي من القوات التابعة للضباط الأحرار في طريقه قرر اقتحام مبنى الرئاسة إذا لم يتم اقتحامه من قبل السرية ١٣ التي كانت موكل لها تلك المهمة، فضلا عن أنه عندما خرج من الهايكستب في طريقه لمبنى قيادة الجيش في كوبري القبة اعتقل اللواء عبد الرحمن مكي وهو قائد الفرقة المعسكرة في الهايكستب التي تحرك بها يوسف صديق أي قائده واعتقل أيضا في مصر الجديدة الأميرلاي (العميد) عبد الرؤوف عابدين قائد ثاني الفرقة، ثم ذهب لاقتحام مبنى قيادة الجيش بعد ما اتفق مع جمال عبد الناصر أنه سيقتحم باعتباره هو القوة الوحيدة التي تحركت ووضع خطة سريعة واقتحم مبنى قيادة الجيش، حيث كان اللواء حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش يجتمع ببعض القيادات في محاولة منهم للقبض على الضباط الأحرار وإجهاض حركتهم، إلا أن يوسف صديق اعتقله هو والضابطين الآخرين، وبالسيطرة على مبنى قيادة الجيش كانت بداية نجاح الثورة وبدء فرض سيطرة الضباط الأحرار على المراكز الحيوية في البلاد، ويدل دور يوسف صديق على شجاعته وحسن تدبره للأمور وقيامه بوضع خطه هجوم لم تكن مخطط لها من قبل، فضلا عن احترامه وتقديمه للتحية لرئيس هيئة الأركان عند تسليمه لقوات الثورة، حيث أنه كان أستاذه في كلية أركان حرب من قبل واحتراما لرتبته، وبالرغم من مرضه الذي كان يحتم عليه أن يرتاح وأن لا يقوم بمجهود ولكن وطنيته وإصراره على القيام بدوره في الثورة حال دون ذلك وأدى ذلك لحدوث مضاعفات صحية له تسببت في إصابته بسرطان الرئة وتم استئصال جزء منها فيما بعد.
ماذا عن فترة اعتقال يوسف الصديق وماذا عن موقفه مما جرى؟
اللواء يوسف صديق قدم استقالته من مجلس قيادة الثورة يناير ١٩٥٣ وهي أول استقالة في المجلس وتم إحالته على المعاش قبيل اعتقاله بأيام، وفي إبريل ١٩٥٤ تم اعتقال كل المعارضين لقرارات مجلس قيادة الثورة فكان يوسف صديق يطالب بعودة الحياة النيابية والبرلمان وأن يحكم الشعب نفسه بنفسه.
وعندما ذهب بعض تلاميذة للقبض عليه قاموا بأداء التحية العسكرية له وتم سجنه في السجن الحربي، وتوجهت قوة لمنزل يوسف صديق الذي تقيم فيه زوجته السيدة توحيدة صبري وتم تفتيش المنزل وتم تفيش منزلها وخرج أحدهم بمنشورات شيوعية من الغرفة الخاصة بمساعدة المنزل، وطلب الضابط أن تذهب معه السيدة توحيدة إلى وزارة الداخلية للتحقيق معها في أمر المنشورات، وطالبت الاتصال بالرئيس محمد نجيب أو وزير الداخلية زكريا محي الدين، لتسأله إذا كان من اللائق أن تخرج من منزلها في وقت متأخر، وتطلب منه أن تأخذ ابنها معها إلا أن الضابط رفض وتم أخذها والتحقيق معها بأمر المنشورات.
وتم إعادة السيدة توحيدة صبري للمنزل لأنه اتضح أن المطلوب زوجة يوسف صديق الثانية السيدة علية توفيق، وذهبوا لإلقاء القبض عليها وعلى المساعدين في المنزل، وتم اعتقالها ووضعها في السجن الحربي، وكان الغرض مما تعرض له يوسف صديق وأسرته هو الابتعاد عن الحياة السياسية.
يوسف صديق بين الغضب والفرح
غضب اللواء يوسف صديق عندما علم بأمر القبض على زوجته وكتب قصيده يهجو فيها عبد الناصر بعنوان «فرعون»، ورغم غضبه إلا أنه عندما علم أن جمال عبد الناصر وقع اتفاقية الجلاء أرسل له برقيه تهنئة.
وبالرغم من أن الزيارة كانت ممنوعة عن يوسف داخل السجن إلا أنه كان يعامل بكل احترام، فقد أمر الرئيس جمال عبد الناصر بضرورة تلبية كافة طلباته داخل السجن، وصدر قرار الإفراج عنه بعد 14 شهرا إلا أنه رفض حتى يتم الإفراج عن زوجته، فأرسل عبد الناصر له «قراري الإفراج عنه وعن زوجته قدر صدر» وتم الإفراج عنهم في يونيو ١٩٥٥، وظل تحديد الإقامة حتى عام ١٩٥٦.
وبالرغم مما تعرض له يوسف صديق من ظلم واعتقال وتحديد إقامة لم يكفر بالثورة، وظل وفيا مخلصا لمبادئه التي خرج من أجلها ليلة ثورة ٢٢ يوليو ١٩٥٢.
وبالرغم من أن ما نادي به يوسف صديق هي نفس أهداف الثورة إلا أن الشعب في تلك المرحلة لم يكن مهيأ أن يحكم نفسه بنفسه واتضح ذلك عقب نجاح الثورة، فقد كان مجلس قيادة الثورة يود أن يكون جهة إشرافية ع الحكم في مصر لا أن يحكموا بأنفسهم ولكن الظروف السياسية التي كانت تمر بها مصر في تلك الفترة حالت دون ذلك وكان على مجلس قيادة الثورة أن يحافظ على أهدافها، فهم أنفسهم لم يكونوا متأكدين من نجاح ثورتهم وبالتالي لم يكن هناك كوادر مدنية مخلصة لأهدافها يمكن أن تحكم في تلك الفترة الحرجة من تاريخ مصر.
شاهد صديق وغيره من ثوار يوليو الذين استبعدوا نكسة 67 ماذا عن موقف عن موقفه؟
كان وقع هزيمة ٦٧ مثل الصاعقة على يوسف صديق مثل كل مصري وطني حر، وفي تلك الأثناء باتت الأسئلة ترتفع لماذا لم تقرر القيادة التعبئة العامة؟ ولماذا كان عدد المجندين بهذه القلة، وألقى الرئيس جمال عبد الناصر عصب الهزيمة خطبته الشهيرة في الإذاعة والتلفزيون واستمعت لها الأمة وأعلن قراره بالتنحي وتسليم جميع سلطاته لنائب رئيس الجمهورية استنادا للدستور، وفي المساء بدأت سيول بشرية تتجه نحو منزل الرئيس مطالبي بسحب استقالته وبقائه في منصبه كرئيس لمصر، وقامت الحكومات العربية بإرسال برقيات تطالبه بالعدول عن قراره وأذاع زكريا محي الدين بيان على موجات الراديو يطالب بذلك أيضا.
وبالرغم من وجود خلافات سياسية بين اللواء يوسف صديق والرئيس جمال عبد الناصر إلا أن يوسف كان يكن له كل الحب والاحترام والتقدير، حيث أنها كانت اختلافات في وجهات النظر السياسية وطرق تطبيقها، لذلك ذهب يوسف صديق ليساند عبد الناصر في تلك اللحظات العصيبة.
وعندما ذهب اللواء يوسف صديق للرئيس عبد الناصر في منزله بمنشية البكري قال له: «لقد خسرنا معركة ولكننا لم نخسر الحرب، فلننظم صفوفنا لنواجه العدو الذي يهدف لهزيمة نظامنا السياسي».
ووصف فتحي رضوان هذه اللحظة بأن يوسف صديق ظل جالسا في انتظار عدول الرئيس عن قراره، وظل يحث أعضاء السكرتارية على أن يعلنوا القرار بالعدول عن قرار التنحي، ولم يذهب من منزل عبد الناصر إلا عندما عدل عن قراره وتم الإعلان عن نبأ سحب القرار بالتنحي وذكر: «كان ذلك آخر يوم رأيت فيه هذا البطل العظيم».
هناك جانب لا يعرفه الكثير عن يوسف صديق قبل الثورة وبعدها هو الكاتب والأديب والمبدع ذو الميول اليسارية هل يمكن أن تحدثينا عنها وكيف أثرت هذه الميول في تكوينه؟
كان يوسف صديق شاعرا وأديبا وله ديوان بعنوان «ضعوا الأقلام» وكان يستخدم الشعر في خطبه ومحاضراته عندما تم تعينه مدرسا بالكلية الحربية عام ١٩٣٧، حيث أنه كان يدرس للضباط مادة التاريخ العسكري مما جعلهم في الكلية ينتظرون موعد محاضرة التاريخ العسكري، حيث أنه يشرحها وكأنه يقص قصة تاريخية ويعيش الأحداث التاريخية من لباقته وطريقة عرضه للفترة التاريخية التي يرويها بشهادة الضباط الذين تتلمذوا على يديه.
وكان له مقالات عن الاشتراكية في الإسلام مفادها أن الاشتراكية ليست ضد الإسلام، كما كتب كتاب بعنوان «الإسلام والمسلمون في الاتحاد السوفيتي».
وكان له انطباع عن الماركسية وقال إن الشيوعية ليس لها وجود في عالمنا الحاضر وإنما هي نظام اجتماعي واقتصادي ستتمخض عنه الاشتراكية كما تنبأ ماركس بذلك، وكان يرى أن الاشتراكية العلمية الماركسية نظرية قابلة للتطبيق وإذ كانت بعض البلاد طبقتها بصورة لا يرضى عنها البعض، ونظر للشيوعين أنهم ينكرون الله بأقوالهم لكنهم يبعدونه بأفعالهم، قائلا: «هم قوم يؤمنون بالإنسان والعلم ويقدسون الحق والعدل والسلام وهذه كلها سمات المؤمنين»، وهذا ما يحسنا عليه ديننا الإسلامي فقد كان ينظر لكل الأمور بعمق وتفكير وتدبر.
ماذا عن علاقة يوسف صديق بعبد الناصر ومحمد ونجيب هل كان مع إقالة نجيب أم رفض؟
كان يوسف صديق يكن احترام وتقدير لكلا محمد نجيب وجمال عبد الناصر إلا أنه عند حدوث ما عرف تاريخيا باسم أزمة مارس ١٩٥٤ فقد أرسل يوسف صديق خطابا سياسيا لـمحمد نجيب وعبر عن رأيه ببرنامج الجبهة الوطنية وتم نشره في جريدة المصري وروز اليوسف، فقد كان يري يوسف صديق ضرورة التقريب بين القوى السياسية المختلفة الموجودة آنذاك وربطها ببرنامج يملا الفراغ الذي نتج عن انهيار النظام الملكي القديم، وتكون أساسا لقيام سلطة وطنية تتولى تيسير أمور البلاد لصالح الشعب، وطالب بعودة البرلمان المنحل وكان هذا معارض للاتجاه مجلس الثورة حينها، فطالب يوسف صديق بتشكيل جمعية تأسيسية بالانتخاب الحر تتولي وضع دستور جديد للبلاد وتقوم بمهمة البرلمان، وهو بالرغم أنه كان من الجيش إلا أنه كان يرى ضرورة أن يعود الجيش لثكناته وتعود الحياة النيابية.
أما عن علاقه يوسف صديق بجمال عبد الناصر كما ذكرت أنها كانت ود واحترام وتقدير ولم تنقطع علاقتهما في الفترة ما بين استبعاد يوسف صديق عن الساحة السياسية حتى رحيله، وكان يرسل له دائما رسائل و يكتب له أبيات من الشعر يشجعه فيها على خطواته الإيجابية في جلاء المحتلين عن مصر فضلا أنه أرسل له برقية تهنئة بالرغم من أنه كان في المعتقل حينها، وعندما قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وعندما عاد من الاتحاد السوفيتي ١٩٦٢ ذهب لاستقباله بالمطار، وذهب له كما أشرت سابقا ليقف بجانبه عندما تنحى عن منصبه عقب هزيمه النكسة وظل يقنعه بأن يعدل عن قرار التنحي، وكان عبد الناصر يكن ليوسف صديق كل التقدير والاحترام بالرغم من اختلافهم في وجهات النظر السياسية وكيفية طريقة تطبيقها، وفاجأ الرئيس عبد الناصر في خطاب العيد العاشر للثورة بأنه تحدث لأول مرة عن دور البكباشي يوسف منصور صديق في ليلة الثورة، وبالرغم من أنه تناول الأمر بحذر وإيجاز وبالطريقة التي أرادها إلا أنه أخيرا قد ذكر دوره.
وبعد مرور أيام من القاء الرئيس لخطابه اتصل بيوسف صديق ليهنئه، وعندما مرض يوسف صديق وبسبب أنه لم يتم علاجه بشكل صحيح قبل الثورة عندما كان ينزف من رئته وأصر على الاشتراك في الثورة والقيام بدوره، عندما نزف ليلة قيام بدوره العظيم في ثورة يوليو ١٩٥٢ وأخذ حقنه لوقف النزيف فقد تسبب ذلك بأنه أصيب بسرطان الرئة.
كيف كان لخبر رحيل عبد الناصر كان سببا في عودة يوسف صديق من رحلة علاجه بالاتحاد السوفيتي؟
وأثنى عبد الناصر على أسلوب العلاج في الاتحاد السوفيتي أثناء زيارة يوسف له وأصدر قرارا بسفر يوسف صديق للعلاج هناك وسافر في سبتمبر ١٩٧٠، وعندما تلقى خبر وفاة الرئيس عبد الناصر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ أصر على العودة لمصر ولم يستكمل علاجه في روسيا، وحزن كثيرا حيث أنه كان يحب عبد الناصر على المستوى الشخصي بغض النظر عن اختلاف أرائهم السياسية ونظم قصيدة بعنوان «دمعة على البطل».
ما الصعوبات التي واجهتك في الاشتغال على ثورة يوليو.. هل كان من ضمنها قلة المصادر التاريخية التي توثق للثورة أم اختلاف المرويات وتناقضها عن شخصيات الثورة خصوصا يوسف الصديق؟
طبيعة البحث العلمي تتخلله بعض الصعوبات تختلف حسب طبيعة الدراسة ومصادرها، وبالنسبة لموضوع رسالتي فتتمثل أولى الصعوبات التي واجهتني أثناء الدراسة أنه لم يتم الإفراج عن وثائق ومصادر ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ واجتهدت قدر استطاعتي في استخراج المعلومات من خلال بعض الوثائق الملحقة ببعض الكتب والمراجع، فضلا عن المذكرات التي تم نشرها في الصحف المعاصرة، وكانت المعلومات شحيحة عن يوسف صديق وكنت ابحث عنه بين سطور مذكرات الضباط الأحرار، وقمت بتناول روايات القادة والضباط الذين شاركوا وتواجدوا في مسرح الأحداث ليلة ثورة ٢٣ يوليو وأسهموا بشكل أو بآخر في اقتحام مبنى رئاسة الجيش، وتضاربت بعض الروايات وكان هناك غموض يحيط ببعض النقاط لعدم صدق بعض الروايات أو لقيام البعض بنسب أعمال بطولية لم يقوموا بها أو للانتقاص من الأعمال البطولية لأخرين وحاولت الوصول للحقيقة من خلال الدراسة التاريخية.
ولم اكتف بذلك بل سعيت للاطلاع على المذكرات الأصلية التي خطها صاحب الدراسة بيده أي النسخة الأصلية، وقمت بإجراء بعض المقابلات مع أفراد أسرة يوسف صديق، ومع اللواء عبد المجيد شديد (محافظ الدقهلية سابقا) وهو لم يكن فقط شاهد عيان الثورة بل كان مشاركا في صنع أحداثها، حيث أنه أحد الضباط الأحرار وكان تحت قيادة يوسف صديق ليلة اقتحام مبنى رئاسة الجيش ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وكان وقتها برتبه يوزباشي، كما قابلت العقيد محمد نجل اللواء وحيد رمضان جودة الذي نجح في ضم يوسف صديق لتنظيم الضباط الأحرار، وقمت بزيارة المتحف الحربي بالقلعة، حيث توجد قاعة ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ ويوجد بها لوحة تجسد لحظة قيام يوسف صديق بالقبض على رئيس أركان الجيش الفريق حسين فريد، والخطة التي رسمها يوسف صديق بشكل كروكي قبيل لحظة الاقتحام وهو في طريقة لمبنى قيادة الجيش.
وما تم تدريسه لنا على أيدي أستاذتنا علماء التاريخ الإجلاء بأن نقوم بالبحث والدراسة ومقابلة المواقف والآراء والأحداث التاريخية بعضها ببعض للوقوف على الحقيقة ولتفسير الأحداث ملتزمين بالحياد والموضوعية قدر المستطاع.