«شاهد على مصر 2».. توفيق الحكيم: طالبت بالثورة المباركة سنة 1945
عبدالناصر طرد وزيرًا من أجلى وأوقف حملة ضدى ومنحنى أرفع أوسمة الدولة
أعضاء مجلس الثورة انقسموا على أنفسهم بعد حصولى على قلادة النيل لأنى أصبحت مساويًا لهم
اعترف عبدالناصر بتأثره بروايتى «عودة الروح» وأهدانى كتابه «فلسفة الثورة» مطالبًا بعودة روح جديدة بعد الثورة
وكيل وزارة المعارف طلب منى كتابة تقرير وهمى عن تطور التعليم فى عهد الملك فؤاد
اجتمعت أحزاب ما قبل الثورة ضدى لمطالبتى ببناء مصنع للعمال بدل برلمانهم الذى كانوا يثرثرون فيه
كان شيخ الكتّاب توفيق الحكيم «١٨٩٨- ١٩٨٧» شاهدًا على عصرين عاش خلالهما تجربة مصر الملكية، ثم مصر الجمهورية، ولم يكن أبدًا منعزلًا فى برجه العاجى- كما صوره بعض نقاده- وهو يكتب ويخوض معاركه فكرًا وفنًا، بل كان يراقب ما يحدث حوله سياسيًا واجتماعيًا، من خلال عمله وكيل نيابة ثم موظفًا حكوميًا، كاد يتورط على حين غفلة منه فى إحدى القضايا السياسية، وهو هنا يتذكر عبر حوارات مطولة معه كثيرًا من المواقف، كان آخرها حوار جمعنى معه فى مكتبه بـ«الأهرام» فى يناير ١٩٨٧، قبل رحيله بحوالى سبعة أشهر، وكان حاضرًا محمد جلال رئيس تحرير مجلة «الإذاعة والتليفزيون»، ود. سمير سرحان رئيس هيئة الكتاب، ود. نهاد جاد الكاتبة المسرحية، ثم انضمت إلينا نوال المحلاوى سكرتيرة محمد حسنين هيكل، وحضر د. لويس عوض لبعض الوقت، وكانت المناسبة تهنئة توفيق الحكيم بالسنة الجديدة، فترك مكتبه وجلس بيننا وكأنه يودعنا، بعد أن أدلى بشهادته على عصر كان أحد نجومه وفرسانه.
قبل ثورة يوليو خصموا من توفيق الحكيم نصف مرتبه، وانتهزوا أول فرصة لنقله من وظيفته إلى إدارة ضمن مسئوليتها «الموالد»، لمخاصمته أساليب السياسة ودهاليزها وتقلباتها ذات الألف وجه، لذلك كان من موقعه المستقل بعيدًا عن الأحزاب، يشهر قلمه منددًا بالمسالب والعيوب، داعيًا إلى الإصلاح، لهذا عندما رأى الحياة الحزبية والممارسة الديمقراطية تتحول إلى صراع على السلطة، كتب مقاله الذى عوقب بسببه، ففى ٢٠ أكتوبر ١٩٣٨ بمجلة «آخر ساعة المصورة»، أطلق رصاصته السياسية تحت عنوان «أنا عدو المرأة والنظام البرلمانى لأن طبيعة الاثنين فى الغالب واحدة.. الثرثرة»، وكتب موجهًا كلامه إلى الحزبيين: «إن هذه الديمقراطية كما تفهمونها وتزاولونها فى مصر هى أصلح أداة لتوليد الحكم غير الصالح، فإذا اتضح لكم يومًا أن البرلمان وما ينفق عليه من آلاف الجنيهات سنويًا هو غرم لا غنم فيه، فحولوه فى الحال إلى مصنع طائرات تحتشد فيه- بدل جموع الأعيان الموسرين- أفواج العمال المصريين من أولئك الذين يلتقطون الفتات من المقاهى والبارات، حتى يعملوا عملًا شريفًا ويشيدوا مجدًا خالدًا».
يضيف الحكيم: فالفم إذا سكت واليد إذا عملت استطاع الإنسان أن يتقدم ركضًا، وهنا تتلاشى الأحزاب والأحقاد والأغراض وتصبح العيون كلها متجهة إلى الرجل المنتج حقيقة، وعند ذلك تلزم لكم حكومة لا بد أن تتوافر فيها هذه الشروط:
أولًا: أن يكون أعضاؤها من أولئك الرجال الذين اشتهروا بقلة الكلام وسرعة العمل
- ثانيًا: ألا يكون لأعضائها لون حزبى واضح.
- ثالثا: أن يكون عدد أعضائها قليلًا، فإن خير إدارة هى الموضوعة فى الأيدى القليلة الخبيرة، كما أن فى ذلك تحديدًا للمسئولية واختصارًا للمرتبات الوزارية.
بل ورشح الحكيم أسماء الوزراء للحكومة التى اقترحها، ولذلك كما يقول: كانت الغضبة أشد عندما اخترت أشخاصًا كانوا فى ذلك العهد ممن لم ينخرطوا فى سلك أحزاب، وكل ما نعرفه عنهم أنهم ظهروا بأعمالهم وليس بحزبيتهم، والعجيب أنى جددت لأول مرة فى مهام رئيس الوزراء، فجعلته للرياسة والمعارف والفنون، فى حين أن رؤساء الوزارات كانوا دائمًا يضعون فى أيديهم الرياسة والداخلية، أى مصادر القوة والضبط والربط، أما أن يتخلى رئيس الحكومة عن هذه القوة ليضع فى يده مصابيح المعارف والفنون، فهذا ما لم يسمع به أحد، وكذلك لأول مرة جعلت الحياة الاجتماعية مهمة رسمية فى يد وزير مسئول، إلى جانب الصحة والأوقاف، وأنقصت عدد الوزارات، ودمجت الوزارات المتشابهة تحت وزير واحد، أما أشخاص المرشحين فلم يكن على أحد منهم غبار فى ذلك الوقت بالذات، أى فى عام ١٩٣٨. لقد أغضبت رجال السياسة كلهم ووصفتهم بأنهم زعماء الديمقراطية المزيفة، وكان فى الواقع غضبًا اشتركت فيه الأحزاب السياسية كلها التى لم تتفق إلا ضدى، لأن ما كنت أطالب به معناه إيقاف نشاطهم كله، ولذلك تركونى لخصمهم اللدود محمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين يقرر فصلى من وظيفتى بقرار من مجلس الوزراء المزمع عقده بعد أيام، ولكن بعض أعضاء وزارته من الأدباء والمفكرين من أمثال د. هيكل باشا والشيخ مصطفى عبدالرازق استمهلوه رغبة فى معالجة الأمر بوسيلة أخرى، فصاح فيهم: أنتم أدباء مع بعض وتريدون المماطلة، ولكن إذا لم تنهوا الموضوع بعقاب رادع سريع فى ظرف أسبوع فلا بد من إجراء حاسم بواسطة مجلس الوزراء القادم.
فلما تقرر إحالتى إلى مجلس التأديب بلغهم أن هذا المجلس قد يقوم فيه دفاع ومرافعة وقد ينقلب الأمر إلى مظاهرة، وروح المجلس متجهة إلى البراءة، وعند ذلك تكون صفعة للحكومة، فطرحوا جانبًا فكرة مجلس التأديب واتجهوا إلى فكرة الخصم المباشر من الوزير، فقيل للوزير إن كل سلطته لا تتجاوز الخصم خمسة عشر يومًا من المرتب، فاضطر إيثارًا للسلامة أن يلجأ إلى هذا الحل ويحاول أن يقنع به رئيس الحكومة بمعاونة الشيخ مصطفى عبدالرازق، وقد كان.
وبعد توقيع هذه العقوبة قررت أن أقدم استقالتى من الحكومة، وقلت كيف توقع عقوبة على مدير التحقيقات الذى من اختصاصه أن يوقع هو العقوبات على المذنبين، لا أن توقع عليه هو العقوبات، ولكن بعض أصدقائى رأوا أن أستمر فى وظيفتى مع استمرارى فى مواقفى وفى تمسكى بآرائى، لأن استقالتى تريحهم، أما بقائى مع آرائى فهو يتعبهم، وبقيت فى وظيفتى أواصل الكتابة بنفس الروح، وأتصرف فيما يعرض علىّ من قضايا رأى سياسى بالبراءة، إلى أن ضجت الوزارة منى، ولم تعرف كيف تتخلص من هذا الوضع، حتى واتتهم فرصة سفرى بالإجازة صيف ١٩٣٩ إلى خارج القطر، وإذا بهم ينشئون إدارة جديدة إنشاء مفتعلًا صوريًا أسموها إدارة التمثيل والموسيقى، ونقلونى إليها وهى إدارة لا اختصاص لها ولا وجود إلا على الورق، وجاء أول سبتمبر من ١٩٣٩ وإذا بالحرب العالمية تقوم وتسقط وزارة محمد محمود باشا، وتأتى وزارة على ماهر باشا، وتنشئ وزارة الشئون الاجتماعية، وتقسم إلى إدارات تضم إليها أشتات الإدارات المشابهة فى الاختصاص، والموجودة فى الوزارات الأخرى القديمة، وكان من بين إدارات وزارة الشئون الاجتماعية الجديدة إدارة سميت «الدعاية والإرشاد» كان من اختصاصها المسرح والموسيقى والسينما والإذاعة والموالد ونحو ذلك. وكان بالطبع اختصاص إدارتى الجديدة «وزارة المعارف»، أى إدارة التمثيل والموسيقى بما يقع فى اختصاص إدارة الدعاية والإرشاد فى وزارة الشئون، ولذلك نقلونى فى الحال من وزارة المعارف إلى وزارة الشئون، وتخلصت منى وزارة المعارف بهذه الطريقة. وقد أصابنى هذا الموقف بالصدمة، فكتبت فى إحدى الصحف أقول: «حسبت أننا نتمتع فى الشرق بمثل ما يتمتع به أهل القلم فى البلاد المتحضرة من قوة وحرية، فانطلق قلمى بيدى رأيًا صريحًا، وإذا أنا أقع فريسة لإجراءات مهينة، فالتفت يمينًا وشمالًا عن عالم الأدب يتولى الدفاع، لا عنى بل عن حرية الفكر المهدرة، فلم أجد أحدًا من الأدباء قد تحرك، وخرست كل تلك الجرائد التى طالما رفعت صوتى، على صفحاتها، ولم يدركوا الخطر الذى يهدد الأدب والأدباء إذا هم شعروا يومًا أنهم لا يستطيعون أن يخرجوا ما فى نفوسهم».
ولم تكن وزارة الشئون الاجتماعية هى الفكرة الوحيدة التى تحققت من أفكاره التى تقوم على أساس أن الإصلاح السياسى لا يقوم بغير إصلاح اجتماعى، وأى إصلاح فى المجالين أو فى أى مجال آخر لا يتم بغير تخطيط، والتخطيط لا بد أن يقوم على إحصاءات، وقد كان توفيق الحكيم هو صاحب فكرة إدارة الإحصاء، عندما كان يعمل مديرًا للتحقيقات بوزارة المعارف، حين جاءه وكيل الوزارة فى خريف ١٩٣٤ يطلب منه أن يكتب تقريرًا عن حالة التعليم فى عهد الملك فؤاد لعقد مقارنة عن تطور التعليم بعد جلوسه على العرش، وعن تأخره قبل جلوسه الميمون، وكانت حجة وكيل الوزارة لاختيار الحكيم فى موضوع كهذا هى غياب كبار مراقبى التعليم لأنهم فى إجازة، ومن أمكن الاتصال به اعتذر، هذا بالإضافة إلى أن الحكيم مؤلف والمطلوب منه أن يؤلف فى التقرير عن حالة التعليم، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما هو حاصل الآن، ولما كان الحكيم يسأل عن عدد المدارس يذكره له، ولما يقوم الحكيم بكتابته يطلب منه وكيل الوزارة أن يبحبح يده!
أنا وعبدالناصر وثورة يوليو
يعبر توفيق الحكيم عن ترحيبه بثورة يوليو فيقول: «كان تحمسى لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ شديدًا عندما قامت، فقد كنت كتبت فى كتابى (شجرة الحكم) المنشور ١٩٤٥ عن قيام ثورة مباركة قبل أن تقوم فعلًا بسنوات، فى جو من فوضى العراك الحزبى وتصرفات الملك فاروق ومؤامرات الإنجليز، والرأى عندى فى علاج كل هذا أن الأمر فيه موكل بتغير عام يحدث فى محيط المجتمع المصرى من جميع نواحيه السياسية والخلقية والدينية، فالأمر أجل وأخطر من أن يعالج بالعلاجات الموضعية، إنما هى عاصفة أخرى جائحة من المبادئ الصحيحة السليمة، ينبغى أن تهب فتقيم ما وقع، وترم ما انهدم، ولكن المعضلة هى كيف ومتى تأتى العاصفة المباركة، فى رأيى أنها لا تأتى بغير إعداد واستعداد، وهنا يأتى دور البيت والمدرسة بالإكثار من تذكير الشباب بالمثل العليا القويمة والمبادئ الخلقية السليمة، وأن يعرضا عليه عيوبه وعيوب الجيل وأمراض العصر، وأن يقنعاه بأنه هو المنوط به يومًا إصلاح كل هذا الفساد، وإحداث الثورة المباركة التى تقيم الوطن على أقدام الصحة والقوة والنظام».
ومثلما تنبأ الحكيم بالثورة المباركة فقد تطلع كذلك إلى المخلص فى «عودة الروح» عام ١٩٣٣ التى قرأها جمال عبدالناصر وهو ما بين السادسة عشرة والسابعة عشرة من عمره أثناء دراسته بمدرسة النهضة الثانوية ما بين عامى ١٩٣٤ و١٩٣٥ عندما قاد مظاهرات الطلبة ضد الاحتلال البريطانى، وقد تأثر عبدالناصر بعودة الروح التى أسهمت فى تكوينه الفكرى والوطنى، وبشرت بالثورة المرتقبة وبالزعيم المعبود، مما جعل عبدالناصر يشعر فى قرارة نفسه أنه هو ذلك الزعيم المنتظر، يقول توفيق الحكيم: «ولم يكن اسم جمال عبدالناصر ظاهرًا لنا فى أول الأمر، ولكن الأخبار كانت تجيئنى ممن كانوا على صلة به أنه من أقوى القائمين بالثورة شخصية ومن أعمقهم ثقافة، ثم علمت بعد ذلك أنه كان يقول عن كتابى (عودة الروح) قولًا حسبت أنه من قبيل المبالغة، بل إنى لم أصدق اﻷمر كله واعتقدت أنه من نسج خيال من نقل الخبر، فما لهؤلاء الضباط وقراءة الكتب الأدبية، وحتى إذا قرأوها فقلما يتحدثون عنها، ولذلك لم آخذ الأمر على سبيل الجد، إلى أن جاءنى كتاب (فلسفة الثورة) بقلم جمال عبدالناصر وعليه هذا الإهداء بخطه: (إلى باعث الأدب الأستاذ توفيق الحكيم مطالبًا بعودة الروح مرة أخرى بعد الثورة -٢٨ مايو ١٩٥٤)».
فصدقت أنه جاد فيما يقول، وأخذت أتتبع باهتمام خطواته بروح التفاؤل والاستبشار.
ونشأت مودة متبادلة بين الحكيم وبين عبدالناصر كما لم تنشأ بينه وبين كاتب آخر رغم وجود عمالقة كالعقاد وطه حسين، يقول توفيق الحكيم: كان عبدالناصر يحبنى كثيرًا، ﻷنه كان يعرف أنى مستقيم فى سلوكى وفى تاريخى، فلم أنضم لحزب من الأحزاب. ورغم وقوف عبدالناصر بجانبى أكثر من مرة، إلا أننى لم أسع لمقابلته، رغم أنه دافع عنى يوم أدرج وزير المعارف إسماعيل القبانى اسمى ضمن المطلوب إخراجهم فى حركة التطهير، موظفًا غير منتج عندما كنت مديرًا لدار الكتب، فى وقت كنت عائدًا فيه من ألمانيا، حيث كرمت بمناسبة عرض إحدى مسرحياتى هناك، فما كان من عبدالناصر إلا أن طرد الوزير من أجلى، وتعجب من عقلية هذا الوزير البيروقراطى الذى يريد أن يجعل العالم يسخر من الثورة التى تهين مفكرًا، بينما هو عائد من حفل تكريم فى دولة أجنبية.
وظل عبدالناصر يذكر هذا الموقف ويفخر بأنه طرد وزيرًا من أجل مفكر، وقد صارحت هيكل برغبتى فى مقابلة عبدالناصر لشكره على هذا الموقف، ولكننى تراجعت بعد ذلك، فلست أريد أن أفسد مبدئى بالابتعاد عن الحكام.
ومرة أخرى يقف عبدالناصر بجانبى عندما قامت حملة ضدى فى جريدة «الجمهورية» جريدة الثورة تتهمنى بأن حمارى مسروق من أديب إسبانى، رغم أن ذلك كان تجاوزًا للحقيقة، ومرة أخرى سارع عبدالناصر إلى إصدار تعليماته لرئيس التحرير كامل الشناوى بوقف مقالات جريدة «الجمهورية» ضدى، بل واتخذ عبدالناصر قرارًا بتكريمى ومنحى أكبر وسام فى الدولة «قلادة النيل».
كان ذلك هو اللقاء الوحيد الذى التقى فيه الحكيم بعبدالناصر، وبعد أن صافحه وقدم إليه القلادة قال توفيق الحكيم: «هذه القلادة هى تقليد لصدر الفكر والأدب والثقافة فى مصر والشرق العربى لم يسبق له مثيل فى التاريخ الفكرى فى بلاد الشرق قاطبة، وربما فى أكثر بلاد الحضارة فى الغرب، بمثل هذا المعنى الكبير والمظهر الرائع، ولا شك أن هذا التكريم هو بداية عهد نهضة فكرية عظيمة افتتحها الرئيس جمال عبدالناصر ليرفع بها منار حضارة عظيمة للعرب والعروبة».
وقد شكره السيد الرئيس ورد عليه قائلًا: «إنك جدير بذلك».
ويعلق الحكيم على صدى قرار عبدالناصر منحه أرفع وسام فى الدولة، بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، فيقول: «انقسموا على أنفسهم فى مدى رضائهم عن منحى هذا الوسام الذى لا يُمنح إلا لرؤساء الدول وأعضاء مجلس قيادة الثورة، مما يجعلنى مساويًا لهم رأسًا برأس، حتى إن كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس المجلس الأعلى للفنون والآداب، سأل عن مكان جلوسى فى المجلس كعضو فيه، بعد هذا التقدير الكبير، وحاولوا أن يغيروا مكان مكتبى ويجعلونى فى مكتب فخم يليق بمكانتى الجديدة التى تصوروها لى كحامل لقلادة النيل، أعلى أوسمة الدولة، لكننى رفضت أن يتغير شىء من وضعى، وأن أبقى كما أنا توفيق الحكيم. وربما كان هذا التكريم من عبدالناصر لى إضافة إلى أنه رد على حملة ثارت ضدى، هو أنه فهم عنى أن أى تكريم مهما كان حجمه فلن أستغله لتحقيق أى أغراض أو مصالح شخصية، لأننى مستقيم النية والغرض، مما جعله يفسر أى تصرف حدث منى أو أشيع عنى على وجهه الحسن بما يتفق وفهمه شخصيتى، فمثلًا أشيع ونشر بالفعل أننى بعد تسلمى قلادة النيل ذهبت إلى الصائغ ليتحقق لى من أنها ذهب حقيقى وليست مغشوشة، ورغم ما فى هذا من فكاهة ودعابة، إلا أنه يدل على عدم ثقتى فى هدية أهدتها لى الثورة وسوء ظن بزعيمها، إلا أن عبدالناصر أخذ هذه الحكاية كدعابة، وضحك وكفى».