«المصريون والكعبة».. حكايات عن توثيق رحلات الحج فى الصعيد
اعتاد الناس في صعيد مصر التعبير بالرسوم والأشكال عن كل شئ، وكانت لرحلات الحج حالة كبيرة من التقديس وشرف كبير يناله من رضي الله عنه، ومن هنا كانت الجدران الخارجية هو المكان الأرحب لنشر ذكرى الحج وللتعريف بأن ساكن البيت قد دعاه الله تعالى لبيته.
الجير والرسوم
بالطبع اختلف الأمر قديمًا عما هو الآن، فقديمًا كانت البيوت كلها تقوم على الطوب اللبن وتمكيسه بالطين المخلوط بالقش ليكون متراسًا منيعًا ضد الشقوق التي يصنعها الطوب اللبن، والتي تختبئ فيها العقارب وغيرها من الهوام، ومن هنا كان الجير ورشة على الجدران لمينح البيت منظرًا جماليًا من لونين وأحيانًا أكثر، وكان الرجل الذي يقوم برش الجير بماكينة بسيطة بعد وضع الملح عليها لتثبيت اللون هو من يقوم برسوم الحجيج والتأصيل لزيارة صاحب البيت للحج.
وكانت الرسم بسيطة عبارة عن كعبة يطوف حولها الناس، وطائرة إن كان السفر جوا، وباخرة إن كان السفر برًا، وبعض الرسومات الأخرى مثل المساجد ومن يؤدون الصلاة وغيرها، وبخلاف هذا يتم كتابة بعض الآيات القرآنية مثل الآية الكريمة: "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، وغيرها مثل"، وثم يذكر اسم الحاج وتاريخ الزيارة لبيت الله الحرام، وهو من الأسس التي لا يجب إغفالها.
مظاهر الفرحة
كانت النجوع كلها تخرج في وداع الحاج بالأهازيج والغناء حتى السيارات التي سوف تقله للمطار أو للميناء، ومن هنا فبعد هذه الليلة يتفق أصحاب البيت مع رسام يقوم بزيارة البيت ورشه من جديد بالجير إن كان قديمًا أو تهيئته للرش إن كان جديدًا، ويقوم الفنان باختيار الأماكن الظاهرة والتي يراها العابرون على البيت ورسم الكعبة والمشاهد التي تخلد زيارة الحاج للكعبة المقدسة.
الكعبة في عقول المصريين
الكعبة لا يمكن أن تنطق مجردة بدون أن يقال الكعبة المقدسة، ولها قيمة كبيرة عند المصريين، ودائمًا ما تتخذ الكعبة للحلف الصادق، ومن هنا لا يمكن أن يقدم أحد على رسم الكعبة على بيته بدون أن يكون هناك حج، ولكل حاج كعبته الخاصة، فلو حج رجل آخر أو سيدة من البيت فله كعبته التي ترسم من جديد وتخلد زيارته، ولا يمكن بأي حال من الاحوال أن يكتفي بكعبة واحدة تشير لكل الحجاج من البيت الواحد.
استقبال الحجيج
لا يقتصر الأمر على توديع الحجيج ولكن على استقبالهم أيضًا بعد تهيئة البيت بالرسوم التي تخلد هذه الزيارة لبيت الله الحرام، وهنا يسبق اسم الزائر لقب الحاج، وتكون الاستقبالات في مندرة الأسرة، ومن الممكن أن تظل الاحتفالات ليوم سابق لمجئ الحاج واليوم الذي يأتي فيه ويوم بعده، وكأنهم هنا يؤكدون أن الحاج مثله مثل العريس وله فرحة العريس نفسه.