في ذكرى ميلاده الـ70.. شعراء من العالم العربي يحتفون بتجربة «وديع سعادة»
احتفى الوسط الثقافي المصري والعربي بمرور 70 عامًا على ميلاد الشاعر اللبناني وديع سعادة، وقد ولد وديع سعادة في الـ6 يوليوعام 1948، بقرية شبطين شمال لبنان، وترجمت العديد من أعماله إلى لغات اخرى مثل الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية ويعد "سعادة" واحدًا من أبرز شعراء قصيدة النثر في العالم العربي، واستطاع عبر منجزه الشعري أن يحجز مكاناً بارزًا في الشعرية العربية والتي برزت خلال فترة الستينيات من القرن الماضي.
ونحتفي عبر “الدستور” بالذكرى الـ70 لميلاد وديع سعادة، ويأتي ذلك الاحتفاء كونه احتفاء بالشعر الذي ما زال قادرًا على صنع الدهشة وقدرات الشاعر على تطويع اللغة، وذلك إذا اعترفنا بأن اللغة غابة وحشية فعلى الشاعر أن يكون صيادًا محترفًا، وهكذا كان ومازال وديع سعادة أحد أبرز الشعراء العرب الذين قدموا للمشهد الشعري العربي وجهًا آخر لمعنى الشعر منذ ديوانه الأول "ليس للمساء أخوة" في التقرير التالي يحتفي أخوة ومحبي وأصدقاء وديع سعادة بالشعر والشاع، وحديث عن تجربة وديع سعادة في الشعر والحياة.
أسامة حداد: الاحتفاء بوديع سعادة يعني الاحتفاء بالشعر والدهشة
يرى الشاعر المصري أسامة حداد أن المشهد يبدو عبثيًا فتجول شاعر يوزع مجموعته الأولى بيده قد يثير السخرية وفي الوقت ذاته يكشف عن تمرد وثورة ضد المؤسسات والأعراف ويحطم القداسة الوهمية لدور النشر وما تمثله من بطريركية وكهنوت لقد كشف عن روح جديدة انسابت بتلقائية داخل ثقافة أبوية.
ويقول حداد "في ديوانه الأول "ليس للمساء أخوة" بداية استثنائية لمنجز شعري هائل لم يكن أسلوب عرض المجموعة بمفرده فالمحتوى/ النص قدم مفهوما مغايرًا للشعر وأطروحة لم تألفها الذائقة العربية".
ولفت حداد، إلى أن "بواكير قصيدة النثر لم تكن مشبعة ومجلة شعر احتفت بالتنظير والذهنية وإن مهدت الطريق والتجارب السابقة لقصيدة النثر، ولم تتجاوز الغنائية ولم تقفز فوق الطبيعة الاستعارية للقصيدة العربية حتى لدى التجارب الاستثنائية للماغوط ورياض الصالح الحسين وكلاهما يشكل سؤالًا في الشعر.
وأشار حداد إلى أن الوعي الجمالي لدى "وديع سعادة" يفتح الطريق نحو نصًا جديدًا يملك القدرة على احتواء أساليب وأشكال جديدة ومجازًا بصريًا يتوافق مع اللحظة الآنية ويحتفي بالهامشي والإنساني ويؤكد على انهيار القلعة العتيقة للتاريخ لصالح مفاهيم ما بعد حداثية ويصنع وعيًا جماليًا من خلال علاقات غير متوقعة مع التفاصيل الصغيرة والموجودات.
ولفت حداد إلى أن "تجربة وديع سعادة "متسعة فتحت أفقًا هائلًا للقصيدة العربية في لحظة مفصلية للتاريخ الإنساني فتزامنت مع أحداث كونية كنهاية الحرب الباردة وسقوط حائط برلين وتفتت كيانات كبيرة ولكنه تجاوز الأيدولوجيا إلى ما هو إنساني حتى وهو يجوب لبنان فترة الحرب الأهلية في مجموعته بسبب غيمة على الأرجح والتي تمثل علامة داخل المنجز الشعري العربي.
وختم حداد أن الاحتفاء بوديع سعادة هو احتفاء بالجمال والدهشة هو احتفاء بالشعر.
عبد الرحيم الخصار: وديع سعادة يواجه أهوال العالم وقسوته بالسخرية
من جهته يقول المغربي عبد الرحيم الخصار "قبل أسبوع كنت في فندق فرح بالدار البيضاء، في صباح رائق اتصل بي وديع سعادة، المصادفة الغريبة هي أن هذا هو الفندق نفسه الذي التقيت فيه بوديع قبل أربع سنوات حين جاء لاستلام جائزة الأرگانة العالمية التي يقدمها بيت الشعر.
وتابع الخصار قال لي وديع: أنا كنت مشغولًا لأني زرعت مؤخرًا مغروسات في المريخ، ومن حين لآخر أركب على بسكليت واصعد إلى هناك لأتفقدها"، هذه الخفة السريالية معهودة في تواصلنا الدائم، عبر مكالمات صوتية أو مرئية من خلال تطبيقي “ماسنجر” و"واتساب".
وأشار الخصار، إلى أن وديع سعادة يواجه أهوال العالم وقسوته بالسخرية والضحك، السخرية من نفسه أيضًا، ولم أشعر لحظة واحدة بأن سعادة ينظر إلى نفسه شاعرًا كبيرًا بالرغم من أنه في اعتباري أكبر وأهم شاعر عربي على قيد الحياة.
وأشار الخصار، إلى أن "قبل عشر سنوات كتب وديع سعادة كلمة قصيرة وخالدة عن مجموعتي "بيت بعيد" الصادرة آنذاك في مصر، وقلبها كتب رسالة لي ترفع من مقام كلماتي الصغيرة إلى ذروة وجودها، ستظل تلك الرسالة سرية، فلا مجال في الشعر للمفاخرة. المجال كله للمحبة والفرح والابتهاج النقي الصادق".
وختم الخضار: "كل الكلمات في حق وديع سعادة أصغر من بعضها. إنه الاسم الذي كلما سمعناه أو سمعنا صوته أو وصلنا حفيف أشجاره، إلا وسألت من عيوننا دمعة الفرح به وله معه.
أحمد إمام: يركض بحثًا عن حافة
ويخاطب الشاعر المصري أحمد إمام وديع سعادة قائلًا: "هذه البحيرةُ ليست ماء يا وديع إنها قصيدتُك بسماواتِها العالية ونوافذِها المُشرعة على كل التأويلات دائمة الخضرة وهي تتمدّد في المشهد الشعري العربي منذ أن أشهرت ديوانك الأول "ليس للمساء أخوة".
وأشار إمام، إلى أن "خروج وديع سعادة إلى شارع الحمرا وهو يوزع نُسخًا محدودةً من ديوانه الذي خطّه بيديه على المارّة من طلاب كلية الآداب ولم يكن يعرف أنه يقوم بعمل تبشيري ستدوم آثاره طويلًا؛ خرج وديع ليوزع مانيفيستو قصيدة النثر العربية في شكلها الأصيل، شكلها البعيد عن لغة الترجمات والصحافة أو المتأثر بنظرية سوزان برنار كأقرانه في مجلة شعر على سبيل المثال أو مجايليه في جماعة كركوك الأدبية.
ويرى إمام أن "قصيدة وديع المتوافقة دائمًا مع كون الشعر الابن البار للخسارات والتجارب والهاجس الرعوي الذي كثيرًا ما ينمو بمعزل عن المدينة وصخبها غابة كثيفة ومتشعبة فالواقف على تجربته سيجد نفسه أمام شعراء كُثُر كلهم كبار كلهم وديع سعادة الذي خرج حينما خرج يركض على حافة أو يركض بحثًا عن حافة.
محيي الدين جرمة: أبوة لا تقسو و بلا رحمة
من جانبه يشير الشاعر اليمني محيي الدين جرمة إلى أن “أشكال وأجيال وتجارب، وسمت بالتجديد والتأسيس، في مسارات وموجات قصيدة النثر، فكان سركون بولص، سليم بركات، قاسم حداد، عباس بيضون، ووديع سعادة، من علاماتها، وإلى حد ما بسام حجار الذي استوقفتني سردياته الشعرية كما في ”ألبوم العائلة" وكان يقد صوره ومنتجه الشعري من عروق الحجارة وندى الصخور التي تصيح لتأملاته، وبدا تركيزه في الصورة وتوليداتها في محاجر الشعر وتقاطع البشري، مع جمادات حية، ورخام مخيلة ووجودات الصامت والمهمل.
ويتابع جرمة: "لا أنكر بأنني وبعض أقراني ممن تجاورت تجاربنا الطرية في كتابة قصيدة النثر، مع هذه الأسماء تأثيرًا، ومنهم بخاصة وديع سعادة الذي كنا نقابض بعضنا في نسخ وطباعة أعماله على الطابعات الحبرية، ونتسابق في استعارتها، انكببنا كفطريات تنتشر في مناطق بعينها، لتعيش أو تعدي، كان شغفنا، يجد مرعى، أو مسقطًا لغذائه، وتحفيزًا لشعريته، وكنت أشعر تجاه تجربة وديع بأبوة ما، لكنها بلا رحمة، صحيح أنها لاتقسو، لكنها تدربك على مزيد من الجوع بحثا عن الشعر، والمعنى والمنجز أو الصورة الغير مصفحة برداءات آخرين، وغير المتكلفة رغم بساطتها.
يري جرمة: "بدت قصيدة وديع وجبة شبه يومية، ورغم غموضها الملغز في وضوحه، فقد ظل وديعًا في مدونته مقصدًا نتلقاه أو بالأحرى نلقط حبات قمحه المشاعة التي يرمي بها في طريقنا كسرب حمام عند الفجر فكنا كمن يلقط رزقًا، ولعله كان طعمًا.
وأكد جرمة على أن "تجربة وديع لم تبارح دهشتي سوى بعد فترة من الفرملة، والأناة، والتعرف على معطى جديد في القراءة، فالتجربة ألفت التكيف مع كثافتها واختزالية جملتها، شدتني، رغم حجم أو طول بعض نصوصه، وتداعيها الجارح بأسئلته، فقد يصل نصًا له الى مجموعة واحدة كاملة، وكرأس شعري واحد نلقط صوره وحباته من الرقم واحد في الصفحة، إلى مالا نهاية للعزلة حد اليُتم في الشعر.
وختم جرمة، وأجد في تجربة وديع سعادة نموذجًا للمحارب القديم، والمتمرد فنيًا بصمت، بعيدًا عن معارك الآخرين.
وديع سعادة.. النقص هو الاكتمال
يقول الشاعر مؤمن سمير لـ«الدستور»: ربما كانت تجربة الشاعر الكبير وديع سعادة هي الأولى في التمثل والمصاحبة والائتناس الجميل والمحبة بالنسبة لجيلي، الذي سُمِّيَ بجيل التسعينات الشعري، وذلك لتفرد منجزه في التعبير الدقيق عن التوجهات الفنية والجمالية لهذا الجيل.. حيث تخلصت أشعار سعادة من البلاغة الثقيلة وقاربت وضعية الذات المهمشة العابرة في وسط عالم لا يحفل بشيء أو بقيمة، وناهضت الافتعال البلاغي واحتفت بالبساطة و التفاصيل القريبة والهموم الإنسانية المحضة وبالجمال الغُفل الذي يكمن في أي قيمة أو موضع وليس بالضرورة في السامي والفخم والمتعالي.
وتابع سمير " أعلنت جمالياً أنها خُدعت كثيراً بالقضايا الكبرى وعبَّرت عن خواء الأيديولوجيات والعقائد الفكرية والمذاهب السياسية باعتبارها شِراكاً وخداعاتٍ لعبت بالبشر واستغلتهم.
وأكد سمير على ان" بالنسبة لي كنت أدرك أنني أبحث في هذه المرحلة عن صوتي وطريقتي الخاصة لهذا كنتُ أتلقف أي عمل لسعادة بالذات وأنا قلق ومرتبك، خوفاً من ابتلاعه لي وتسربه لتجربتي وكنتُ أقرأ وأستمتع سريعاً وأضعه جانباً كأني كنتُ أقول للديوان "ابق هنا أو لا تبق" وكأن سعادة كان يرد "اقرأ يا أخي أو لا تقرأ.. لا شيء يهم"!! كذلك كنت أسرح وأفكر في أن هذا الرجل الذي يشبهنا بعدميته ومراهنته على الذات وتموضعها في العالم المترامي، الذي يدرك أنه مجرد عابر في زحام لا يهدأ، لا يليق به إصدار الأعمال الكاملة!! و الأفضل أن يراهن على أن يمتلك كل منا بعض أعماله فقط، حيث النقص هو الاكتمال الحقيقي و لو أدركك الجميع كاملاً فكأنما حاصروك للأبد!! لهذا الدرجة كنتُ منشغلاً بتجربته الشعرية وبما هو خارج التجربة، بشخصه و حواراته القليلة وصوره و حكاياته..
وختم سمير " و مرت السنوات وسعدتُ بامتلاك الأعمال الكاملة لشاعر عظيم، له تجربة فارقة، تخلصت ونجت بفضل فنيتها العارمة، من ضيق التوهج في لاوعي توجه شعري يتخلق أو مجرد الأبوة الشعرية لأجيال وجماعات مرهونة بزمن شعري ما، إلى اتساع الشعرية المتحققة، القارة والمستقرة في الوعي الشعري العربي والإنساني..