«مع البشوات والإقطاعيين» ندوات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ على مقاهي الإسكندرية
بعد صدور رواية "زقاق المدق" طلب توفيق الحكيم مقابلة نجيب محفوظ الذي ذهب إليه في مقهى "اللواء".
حكى "محفوظ" في مذكراته المنشورة بعنوان "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ" للكاتب رجاء النقاش: "جلست معه في حضور مترجم اللغة الألمانية المعروف محمود إبراهيم دسوقي، وفي نهاية اللقاء سألني الحكيم عما إذا كنت أسافر إلى الإسكندرية لقضاء الصيف ومتى، فأبلغته بأنني أسافر في شهر سبتمبر بانتظام".
في الطريق إلى المقهى الذي يجلس عليه توفيق الحكيم اكتشف مقهى اسمه "بترو" كان أقرب إلى البيت الذي يسكن فيه "الحكيم"، فعرض عليه أن ينتقلا إلى هذا المقهى وينشئا ركنا يسموه "ركن الحكيم" فوافق.
نجيب محفوظ يتعرف على الباشوات في ندوة الحكيم
عرف نجيب محفوظ ندوة الأديب توفيق الحكيم التي كانت تقام في الإسكندرية في فترة الأربعينات، وكان يتردد عليها في "كازينو بترو" الذي هدم في السنوات الأخيرة، وكان الكازينو يحتل موقعا جميلا بحوار كابينة سيدي بشر.
في الساحة الخارجية لكازينو بترو، كان توفيق الحكيم يعقد جلساته التي يحضرها عدد من أدباء الإسكندرية والأدباء القاهريين ورجال السياسة.
كان توفيق الحكيم يتردد على الإسكندرية في شهور الصيف بانتظام، وكانت المدينة الوحيدة التي يسافر إليها خارج القاهرة.
روى الأديب جمال الغيطاني في كتابه "المجالس المحفوظية" أن الأديب نجيب محفوظ كان يتوقف عن العمل في شهور الصيف نتيجة إصابته بمرض الحساسية، ويخلو إلى البحر في الثغر، وإلى التأمل.
حكى نجيب محفوظ لـ "الغيطاني" أنه لم يعرف الباشوات إلا في ندوة توفيق الحكيم بعد ثورة يوليو، وكان يجلس عند حافة "القعدة" ينظر إليهم من بعيد، وكانوا ينظرون إليه بريبة أحيانا، ويصمتون كأنما يظنونه واحدا من جيل ثورة يوليو 1952، إذ تعرضوا جميعهم إلى قانون الإصلاح الزراعي، أو فرضت عليهم الحراسة، ومنهم من اعتقل أو سجن، وكان من رواد ندوة توفيق الحكيم في الإسكندرية إبراهيم باشا.
واعترف نجيب محفوظ في مذكراته لـ "النقاش"، أن "ركن الحكيم" في مقهى "بترو" كان يؤمه الباشوات والإقطاعيون من المهتمين بالأدب والثقافة وذكر منهم شمس الدين باشا عبد الغفار وبرهان باشا نور، قال: "عندما انضممت إليهم شعرت بتحفظهم نحوي وخوفهم من وجودي، ولاحظ الحكيم ذلك فحاول إزالة هذه التحفظات والمخاوف ونجح في ذلك، وأصبحت من أعضاء الشلة، ودخلت في نسيجها الإنساني، وأخذنا نتبادل الضحك والمزاح".
بعد قيام الثورة استمرت لقاءات "شلة الحكيم" وأصبح من روادها الباشوات السابقين، وكان "محفوظ" يستغل تحفظهم في الحديث عن السياسية ليداعبهم ويسخر منهم، فكان يتحدث عن أحدث الأفلام السينمائية المعروضة، ويستخلص منه مغزى سياسي ويشير إلى اتفاق شمس الدين باشا معه في الرأي الذي توصل إليه فيقفز من مكانه وهو في حالة هلع ليؤكد أنه لا رأي له في شيء، قال: "في تلك الأيام كان الإقطاعيون والباشوات القدامى في تلك الأيام يعيشون في حالة خوف وذعر بعد قيام الثورة خشية الاعتقال والمطاردة".
توفيق الحكيم المتحدث الوحيد
وروى محمد الجمل في كتابه "نجيب محفوظ في ليالي سان استيفانو" أنه كان يلتقي بنجيب محفوظ في ثلاثة ندوات الأولى في كازينو "بترو"، والثانية في كازينو "الشانزليزيه"، والثالثة في كازينو "سان استيفانو".
وجرى التعارف على تسمية ندوتي "بترو" و"الشانزليزيه" باسم "ندوة توفيق الحكيم" حيث كان هو صاحبها ويجلس بحواره نجيب محفوظ.
كان توفيق الحكيم هو المتحدث شبه الوحيد طوال الندوة التي تستمر غالبا لمدة ثلاث ساعات، ويكتفي الحاضرون بمجرد التعليقات والتساؤلات بما فيهم نجيب محفوظ، يقول "الجمل": "وهكذا لم تتوفر لنا مساحة الوقت الكافية للتوغل في عالم نجيب محفوظ".
وعندما توفى الأديب توفيق الحكيم لم يرد نجيب محفوظ أن تستمر الندوة في "الشانزلزيه" في نفس مكان ندوة صديقه وعمر ورفيقه الراحل من منطلق موقف أخلاقي، وهكذا قرر نقل الندوة إلى كازينو "سان استيفانو" حيث أصبح اسم الندوة "ندوة نجيب محفوظ".
وكانت الندوة تبدأ في الحادية عشرة صباحا، يحضر نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم، ويلتف حوالهم الأدباء الذين سافروا من القاهرة إلى الإسكندرية، أمثال، ثروت أباظة وعبد الرحمن الشرقاوي وعباس الأسواني ومحمود تيمور.
أما ندوة مقهى الشانزلزيه، يحكي الأديب محمود عوض عبد المتعال حسب جريدة "الخليج"، أنهم كانوا يجلسون في الفندق في فصل السيف، ويحضر توفيق الحكيم بعد العاشرة صباحا، وقبل كان يحضر نجيب محفوظ، ثم يحكى "الحكيم" النوادر التي التقاها وقابلها أثناء سيره إليهم.
وتوطدت علاقة نجيب محفوظ بأدباء الإسكندرية، وظلت الندوة حتى بعد حصوله على نوبل تقام في كازينو سان استيفانو، وأكد "الجمل" أن أديب نوبل رشح ثلاثة أدباء من الإسكندرية، سعيد سالم ونعيم تكلا ومحمد الجمل لزيارة الولايات المتحدة في رحلة ثقافية زاروا خلالها عشر ولايات، ودخلوا المتاحف والمكتبات والجامعات والمواقع الأثرية والمراكز الثقافية.