رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كثير من الوطنية فى الاحتفال بتأسيس القوات الجوية

لم يكن الاحتفال بمرور ٩٠ عامًا على تأسيس القوات الجوية المصرية كأى احتفال آخر شاركت فيه أو شاهدته من قبل، وهذا لسببين، أولهما: لأنها المرة الأولى لى لأعرف تفاصيل مثيرة حول كيفية وظروف تأسيس قواتنا الجوية أثناء الاحتلال البريطانى لبلدنا، وذلك فى سنة ١٩٣٢، وثانيهما: إن الاحتفال يشحن المشاعر بكثير من الوطنية والفخر والاعتزاز بتاريخ قواتنا الجوية وما وصلت إليه الآن. 

فأنا منذ أن وطأت قدماى متحف القوات الجوية المصرية، الذى أقيم فيه الاحتفال فى ذلك اليوم، وجدت أننى وسط احتفال جماهيرى مبهج يشارك فيه تلاميذ من مختلف المدارس ومن مختلف فئات الشعب، مصحوبًا بفرقة موسيقية عسكرية تعزف أغنية «يا أغلى اسم فى الوجود يا مصر».. مما ملأ رئتى بمشاعر الوطنية، وأيضًا أحسست بالطمأنينة والاستقرار والأمان، وبأننا نعيش فى حماية جيشنا المصرى العظيم وأبطالنا البواسل الذين لم يدخروا جهدًا للدفاع عن أرضنا وشعبنا وأهلنا فى كل بقعة من مصرنا الغالية.

والحقيقة أننى حينما ذهبت إلى هناك كنت أريد أن أعرف كل شىء بالتفصيل، فأنا من الذين عاصروا أحداث حرب أكتوبر المجيدة ١٩٧٣، التى حقق فيها الجيش المصرى انتصارات عظيمة، وعبر فيها القناة، واسترد فيها الأرض المصرية فى سيناء بعدها، وشارك فيها خالى اللواء محمد فريد حجاج، وأسهمت فيها والدتى رجاء حجاج بزيارة الجرحى فى المستشفيات المصرية مع السيدة الفاضلة الراحلة جيهان السادات، قرينة الرئيس محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام.. كما عاصرت وأنا ما زلت صغيرة حرب ١٩٦٧ التى أطلق عليها، حينذاك، نكسة يونيو ١٩٦٧، وحاليًا نعاصر الآن حربنا الباسلة على الإرهاب الأسود والتى نعرف وندرك تمامًا أن أبطالنا من الجيش المصرى يدافعون عنا فيها ضد جماعات الظلام والإرهاب الأسود، ويستشهد لنا فيها رجال من خير أجناد الأرض، فهم رجال أقسموا على الدفاع وحماية الوطن وهم يقدمون حياتهم فداء له.

ويعتبر متحف القوات الجوية هو القوة الناعمة للقوات الجوية المصرية، وهو أيضًا قلعة للتنوير والتوثيق لتاريخ القوات الجوية ودعم بطولات الجيش المصرى، إذ تقام به فعاليات وطنية توثق لكثير من الأحداث الوطنية، والحقيقة أن هذا الاحتفال كان توثيقًا لمسيرة فيها الكثير من الوطنية فى تأسيس هذه القوات على الرغم من وجود الاحتلال البريطانى لمصر حينذاك فى سنة ١٩٣٢، ولهذا فإننى أعتز بجيشنا الحالى المعاصر، الذى جعله الرئيس عبدالفتاح السيسى مفخرة لنا، حيث أصبح واحدًا من أكفأ الجيوش فى العالم بإمداده بمختلف الأسلحة الحديثة وبطائرات مقاتلة من مختلف المصادر.. وقد شاهدنا فى القاعة الكبرى فى المتحف فيلمًا عن القوات الجوية ورجالها تحت عنوان «نسور السماء»، فيه مشاهد حية للمقاتلات الحربية المصرية ورجالها وهم يدكون مخابئ الإرهاب فى قلب سيناء الغالية، وتمكنوا من خلال قدراتهم القتالية العالية أن يدمروها بالكامل.

وكان فى استقبال الضيوف، الذين يمثلون مختلف فئات الشعب، اللواء المحترم مجدى دويدار، مدير المتحف الحربى، وفريقه المتميز الذى يضم عددًا من الشباب والشابات الذين تدربوا على أعلى مستوى من الكفاءة، ومذيعة ماهرة معينة وجميلة من ذوى الهمم كانت حريصة على أن تكون معى لشرح بعض التفاصيل عن المتحف، وكان من بين الحضور أيضًا بعض من أبطال حرب أكتوبر من القوات الجوية، وأيضًا بعض نائبات مجلس الشعب، وبعض الإعلاميين، وبعض السيدات والرجال الأعضاء فى جمعيات أهلية تخدم المجتمع فى عدة مجالات صحية واجتماعية، والذين شاركوا فى هذه المناسبة الوطنية بحماس كبير.

والحقيقة أن قصة تأسيس القوات الجوية فى عام ١٩٣٢ لها تفاصيل تستحق أن نعرفها جميعًا؛ ففى عام ١٩٢٨ وجّه البرلمان المصرى طلبًا للحكومة المصرية بضرورة إنشاء سلاح طيران لمصر، فأعلنت وزارة الحربية «الدفاع الآن» عن حاجتها لمتطوعين مصريين لسلاح الطيران، ووقتها تقدم ٢٠٠ ضابط مصرى، خضعوا لجميع الاختبارات الطبية فى غاية الدقة، ولم ينجح من الـ٢٠٠ ضابط سوى ٣، هم: عبدالمنعم الميقاتى أفندى، وأحمد عبدالرازق أفندى، وفؤاد عبدالحميد حجاج أفندى.. وتم فى سنة ١٩٢٩ إرسال الثلاثة لتعلم الطيران فى مدرسة الطيران الملكية البريطانية، والمقامة وقتها فى أبوصوير قرب قناة السويس، وعقب التخرج توجهوا فى سنة ١٩٣٠ إلى بريطانيا للتدريب المتخصص والمتقدم.. وتم التعاقد مع شركة «دى هافلاند» البريطانية على توريد ١٠ طائرات «دى إتش-٦٠ تايجر موث».. وفى ٢٣ مايو ١٩٣٢ أقلعت ٥ طائرات «تايجر موث» مصرية من أصل عشر من قاعدة «هاتفيلد» الجوية شمال لندن، حيث حلّق الطيارون المصريون الثلاثة، واثنان من بريطانيا، بالطائرات فى رحلة استغرقت ٧ أيام، ونزلوا خلالها فى ١٣ مطارًا للتزود بالوقود، ثم هبطوا فى قاعدة ألماظة الجوية شمال شرق القاهرة، وذلك يوم ٢ يونيو ١٩٣٢، وسط احتفال شعبى كبير بحضور الملك فؤاد، وكانت تلك هى بداية سلاح الجو الملكى المصرى، ثم بعدها شاركت القوات الجوية فى الحرب العالمية الثانية وحربى ١٩٤٨ و١٩٥٦ وفى حرب اليمن ١٩٦٢، ولم تحارب فى ١٩٦٧ لظروف سياسية وعسكرية خارجة عن إرادة قادتها، ثم أصبحت بعد ذلك مفتاح النصر لقواتنا المسلحة فى حرب أكتوبر ٧٣ المجيدة، وشاركت فى تأمين المتظاهرين أثناء ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم ثورة الشعب المجيدة فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم هى حاليًا تشارك فى الحرب ضد الإرهاب الأسود.. كما شارك نسور الجو فى نقل المساعدات إلى المتضررين من الدول الشقيقة والصديقة، وحرصت القيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة على التحديث المستمر لقدرات وإمكانات القوات الجوية، وذلك نظرًا لدورها الحيوى فى منظومة الدفاع المصرية، حيث تم دعم القوات الجوية بالعديد من الطرازات الحديثة، ومن مصادر متعددة وفق استراتيجية مصر فى تنويع مصادر السلاح.. وفى هذا المجال حصلت مصر على الطائرات متعددة المهام «الرافال وميج ٢٩»، التى تعد من أحدث طائرات الجيل الرابع، لما تملكه من نظم تسليح وإمكانات فنية وقتالية عالية، كما تم تدعيم القوات الجوية بعدد كبير من طائرات الهليكوبتر المسلحة الهجومية من طراز «كاموف»، وعدد من أنظمة الطائرات الموجهة المسلحة دون طيار، وطائرات النقل، لتصبح لدينا منظومة متكاملة من أحدث الطائرات متعددة المهام والنقل والإنذار المبكر والاستطلاع والهليكوبتر الهجومى والمسلح والخدمة العامة من مختلف دول العالم.

وفى أثناء الاحتفال، رُوى لنا وسمعنا بأذننا حقائق حول قدرات القادة المقاتلين الذين تولوا الدفاع عن مصر، والذين شاركوا فى حرب أكتوبر المجيدة سنة ١٩٧٣، منهم اللواء سمير عزيز، مقاتل طيار الذى شارك فى حرب ١٩٧٣، الذى أكد لنا بلسانه أنه فى ١٩٦٧ لم يشارك المقاتلين ولا الطائرات المصرية فى الحرب لظروف النكسة حينذاك، واللواء سمير عزيز أسقط عدة طائرات للعدو فى حرب ٧٣.. أما اللواء عبدالمنعم همام فكان من المقاتلين الذين شاركوا فى معركة المنصورة فى ١٩٧٣، وقال لى إن معركة المنصورة كانت من أقوى المعارك الجوية بين القوات الجوية المصرية والقوات الجوية الإسرائيلية، حيث حاولت القوات الإسرائيلية اختراق المجال الجوى المصرى بطائرات حربية إسرائيلية، إلا أنه قد أسقط عدة طائرات، فلم تستطع أن تصل إلى مدينة المنصورة.. وكان من أهم الأمنيات لى فى الاحتفال، حينما تمت دعوتى لإلقاء كلمة فيه، أننى تمنيت أو طالبت أصحاب المدارس والجامعات الخاصة أو الحكومية بأن يأتى كل طالب وتلميذ من السنوات الابتدائية حتى الجامعات لزيارة المتحف الجوى والاطلاع على مسيرة القوات الجوية المصرية، وزيارة هذا المتحف بما يحتويه من تاريخ أو توثيق لتاريخ قواتنا الجوية، لأنها ستشحن فى داخلهم روح الوطنية والانتماء والفخر بما يكسبهم قوة فى مواجهة أى محاولات لاستقطابهم ضد بلدهم من أى قوى خارجية، أو من خلال محاولات الظلاميين والمتطرفين استخدام الدين، والدين منهم براء.. إنه دور مهم يقوم به المتحف الجوى الذى يعد القوى الناعمة للقوات الجوية. 

وفى أثناء الاحتفال كان شرف لى أن ألقى كلمة قصيرة عن مدى فخرى بدور المتحف، وفيها طالبت بتشجيع كل المدارس والجامعات على إحضار التلاميذ والطلبة فى زيارات له، لأن كل زيارة سوف تبعث فى نفوس التلاميذ والتلميذات والطلبة والطالبات روح الوطنية التى تتجلى فى هذا المكان، والتى بدورها ستعمق إحساسهم بالانتماء والوطنية والفخر بجيشنا العظيم وبقواتنا الجوية الباسلة وبأبطالنا من خير أجناد الأرض، والإلمام بتاريخ القوات الجوية سيعطيهم قوة أمام أى محاولات لتحويلهم ضد بلدهم.. كما أدعو جمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى لزيارة هذا المكان، ورجال الأعمال أيضًا.. مما يجعلنى أدعو لكل أبطالنا بالجيش المصرى بالنصر دائمًا، وأدعو بالتوفيق فى حماية أرضنا الغالية للقائد العام للقوات المسلحة الرئيس عبدالفتاح السيسى، ليواصل بنجاح إمداد وتزويد جيشنا بما يتطلبه من الأسلحة الحديثة، كما أعبّر عن بالغ تقديرى لدعم دور المتحف التنويرى قائد القوات الجوية الفريق محمد عباس، كما أتمنى اتساع دور المتحف التنويرى ليشمل كل المدارس والجامعات الحكومية والخاصة أيضًا.