بطلب من عبد الحكيم عامر.. تفاصيل زيارة نجيب محفوظ لليمن
تؤكد سيرة نجيب محفوظ، أنه من القلائل في المشهد الثقافي العربي الذين يرفضون السفر، ولم يسافر خارج مصر سوى 3 مرات، أولها كان رحلته إلى يوغسلافيا، وثانيها جاءت رحلته إلى اليمن بأوامر من المشير عبد الحكيم عامر، والثالثة كانت للندن بسبب ظروف صحية.
وكان نجيب محفوظ يرى في ثورة اليمن تعويضا لما خسرناه في سوريا بسبب الانفصال، وبمثابة التأييد للثورة المصرية، إلى جانب أننا نساعد في إنشاء دولة عربية وأخراجها من حالة التخلف والجهل التي عاشت فيها سنوات طويلة.
يروي نجيب محفوظ لرجاء النقاش التفاصيل الكاملة لزيارته لليمن عبر كتابه “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ” الصادر عن دار الشروق للنشر، يقول “في أحد أيام عام 1963 أبلغني يوسف السباعي أن من ضمن الوفد المصري الذي سيسافر إلى اليمن، وكانت الحرب هناك وقتذاك قائمة. ولما حاولت الاعتذار لظروف صحية، حيث كان مرض السكر قد داهمني عام 1960، ورفض السباعي قبول عذري، وألمح في حديثه معي، إلى أن اشتراكي في هذه الرحلة قد تقرر برغبة من المشير عبد الحكيم عامر، فاستسلمت وتحملت عذابا لا يطاق طوال الرحلة”.
ويتابع محفوظ: "شعر السباعي بإحراج شديد لأنه ضغط على لكي أسافر، وقال لبعض مرافقيه أنه في شدة الخجل "فماذا سيقول عني؟ هل جئت به لأقتله ؟!
وأشار محفوظ إلى أن "رحلة اليمن استغرقت 17 يوما، وبدأت من ميناء الأدبية على ساحل البحر الأحمر، حيث حملتنا سفينة إلى ميناء الحديدة باليمن، وأمضينا في رحلة الذهاب هذه أسبوعا كاملا ومثله في رحلة العودة، بالإضافة إلى ثلاثة أيام مضيناها في اليمن، والرحلة في مجملها كانت مرهقة لي ولا تطاق، وفي رحلة الذهاب كان ظني أن حرب اليمن قد أنتهت والأمن هناك مستقر، وإلا فكيف يجرؤون على أرسال وفد مدني إلى جبهة قتال؟
وحكى له "علي الجمال" المشرف على البعثة المصرية الموفدة لليمن، "عن الرعب الذي يعيشون فيه، وكيف أن سكان الجبال هجموا على مقر البعثة منذ يومين وكادوا يقتلونهم جميعا، لولا تدخل القوات المصرية التي استخدمت أحدث انواع المدافع في رد الهجوم.
يقول نجيب محفوظ: “عرفت الحقيقة المرة، هي أن الحرب الدائرة قد تطول لسنوات، لأن القوات المصرية هناك لا تحارب جيشا نظاميا، بل قبائل متناثرة في الجبال تعتمد على أسلوب حرب العصابات، من كر وفر، وكمائن متحركة وغير ذلك”.
في زيارته إلى تعز ألقى نجيب محفوظ كلمة بدعوى من رجال المخابرات المصرية لعدد من الكتاب منهم أنيس منصور، وصالح جودت، ومهدي علام، وقال نجيب محفوظ في كلمته: “قلت بصراحة الحل الوحيد هو أن نفكر في طريقة مشرفة للانسحاب من هذه الحرب، بعد أن نوفق بين القبائل المتناحرة، ونخلق سلطة شرعية يمنية تحكم اليمني باختيارهم الحر، وطلب مني ضابط المخابرات أن اكتب هذا الرأي بخط يدي، حتى يضمه إلى التقرير الذي سيرفعه يوسف السباعي إلى القيادة العليا في مصر، ولمحت إشفاقا في عيون بعض المشاركين في اللقاء خوفا على من هذا الرأي الصريح الذي قد يسبب لي متاعب كبير في مصر. وأشهد أنه لم يحدث لي شيء مما توقعوه، وكانت معاملة المخابرات لى عند عودتي لمصر غاية الذووق والاحترام”.
جدير بالإشارة إلى أن الكاتب الصحفي محمد شعير أكد أن نجيب محفوظ غادر مصر ثلاث مرات، إلى يوغوسلافيا لأسباب وظيفية، وإلى اليمن بأوامر عسكرية، وإلى لندن في رحلة علاج.