عبير قورة: لم أتوقع الحفاوة برواية «التاج» في الأوساط الأدبية (حوار)
هناك كُتّاب كبار ما زالوا يمنحوننا الكثير، حتى الآن، منهم بهاء طاهر وسلوى بكر وفتحي إمبابي وصنع الله إبراهيم.
والرّوائية والفيلسوفة عبير صالح قورة المولودة في المنزلة بالدقهلية 1974، حاصلة على بكالوريوس العلوم الصيدلية 1997 وعلى ليسانس الآداب قسم الفلسفة 2002 عرفها الوسط الثقافي الإبداعي من خلال روايتها أو سرديتها الأولى رواية "التاج" التي كتب عنها الكثير من نقاد الفكر السياسي والأدبي مثال المفكر سيد كراوية والروائي فتحي إمبابي وشريف العصفوري وغيرهم، بل وكثير من الكتاب والنقاد، خاصة وهي الرواية الأولى للكاتبة التى طرحت كلاً من الهم السياسى والفكري الإجتماعي وحتى المعيشي فيما يخص الولع بمسار مابعد الحداثة في آليات الترميز والدلالات القابلة لأكثر من منحى تأويلي حيث نرى غيوم التاريخ في الحقبة المملوكية وذلك السطو على إرث مصر الأثري والفرعوني المنهوب وال التى استحضرته الكاتبة بوعي حاذق منشغلة بمحاسبة الآني من خلال ماض تليد ومراوغ امتزجت فيه رؤى الكشف والمساءلة عبر سبر أغوار النفس التواقة للحرية والعدل ساعية نحو الخلاص الشبه مطلق لتنال الكثير من الثناء من قبل تيارات ثقافية وفكرية معرفية شتى.." الدستور" التقت الكاتبة الموهوبة التى تأخرت كثيرا في خروج مشروعها المغاير ابداعياً للنور.
◘ بداية..لماذا استحضار الفترة المملوكية تحديدًا، وهل هناك دائمًا اتكاء على الماضي لمحاكمة الحاضر أو استشراف المستقبل؟
- العصر المملوكي زاخر بما قد يحتاجه أي كاتب من أحداث ورؤى وأفكار، حُكم سلطوي غاشم ومطلق طبقات طفيلية متعددة وهيراركية، مظالم غاشمة، اضطهاد للأقليات، أجواء سحرية وكابوسية في آن واحد يمكن قول الكثير واستحضار أرواح الحكايات وإضفاء الإسقاطات التي يتفتق عنها ذهن الكاتب كما يحب.
تضيف قورة: "ربما بالفعل هناك اتكاء على الماضي لمحاكمة الحاضر واستشراف المستقبل الرغبة في قول الكثير وتمثيل الأحداث دون الوقوع في فخ المصداقية والتشابه مع الواقع يجعل الماضي حلًا متوازنا لخلق رواية مشبعة غير منقوصة، متكاملة ولا تتوخى الحذر، وكلما كان الماضي قريبا من الحاضر كانت نتائج الرواية متنبئة ومنذرة بالمستقبل وهناك أسباب أخرى لسبر أغوار الماضي نحن كبشر نعاني ونتألم نحب ونكره ونحقد ونرتكب الجرائم منذ ظهورنا على الأرض ربما لنفس الأسباب مع اختلافات طفيفة خاصة ببنية المجتمع وتكوينه وتطوره، لهذا الحكايات قريبة والخيط الإنساني الزمني والحدثي متضافر ومتصل وأيضا الاستسلام للكتابة في الماضي واستغراق الكاتب في حكاية من زمن قديم كثيرا ما يضفي عليها جاذبية ورسوخ وقوة لا يمنحها إياها الحاضر.
- من خلال سردك للعمل الروائي الأول الذي قوبل بحفاوة غير عادية.. لماذا كان هناك التعرض لسرقة الآثار وهو الموضوع الشائع في العقود الأخيرة واقعياً؟
احترام الآثار والتعامل معها أنها تراث للوطن وللإنسانية لم يتضح إلا في العصر الحديث وحتى في هذا العصر ما زالت سرقة الآثار من قِبَل آحاد الناس إلى العصابات المنظمة وحتى بعض أصحاب النفوذ تمثل كارثة حقيقية وتجريف لحضارة عظيمة لا يمكن تعويض ما يفقد من بقاياها ,في العصر المملوكي الآثار المصرية القديمة كانت تعني قوة سحرية خارقة أو لعنة محيقة وأيضا كانت تعني الغنى العظيم السهل فكثير منهم كان يذهب ليحفر في مواقع الآثار وبعضهم كان يعثر على كنوز لا تقدر بثمن وهي ما كانوا يدعونها "اللقية " وعندما يجدون خاتما أو قلادة بنقوش ملغزة كانوا يعتقدون أنها سحرية تمنح صاحبها قوى أو حصانة ضد الأمراض والحسد والعيون الشريرة , وفي العصر المملوكي المتأخر انتشر الاعتقاد عند الأوربيين بالتأثير السحري لعظام المومياوات المسحوقة في الشفاء من الأمراض المختلفة ,فبدأت تجارة المومياوات في الازدهار, التجار الأوربيون والحجاج والباحثون عن الثراء كانوا يفدون إلى مصر ويستأجرون ذوي الخبرة من الأهالي ليبحث معهم عن الآثار والمومياوات التي كانوا يسافرون بها ويبيعونها بأسعار خرافية .
- ما هو تفسيرك أو ما هي ردود أفعالك تجاه ما قوبل به عملك الروائي الأول - التاج - وكيف تفسرينه؟
في الحقيقة لم أتوقع كل تلك الحفاوة والنقد الإيجابي الهائل الذي استقبلت به التجمعات الأدبية المختلفة روايتي "التاج" ,فبدءًا من ورشة الزيتون العظيمة ومن يمسك بقيادها الأستاذ شعبان يوسف وأعضائها الرائعين المبدعين والذين لم أصدق مقدار ما غمروني به من كلمات عظيمة ونقد عظيم بناء وإشادة هائلة بجودة الرواية وتميزها واختلافها وقوتها وقد أحاطوني والرواية بكل ما يتمناه الكاتب من كلمات وتفاعلات وتقدير , ثم ندوة سحر الرواية للأستاذ فتحي إمبابي وصالون المبدع شريف العصفوري وأعضائهم الذين أشادوا كثيرا بالرواية ومنحنوني الوقت للتحليل والتعقيب كما أريد على كل ما بلوره المحللون والنقاد , وكثير من الأدباء والنقاد تلقوا الرواية بالإشادة والاستحسان , وأفسر هذا ببعض العناصر التي جعلت الرواية محبوبة ومقدرة عند الكثير من المبدعين والنقاد منها اللغة العامية للعصر المملوكي , الزخم الذي يجعل الرواية جاذبة للقارئ أن يكمل على ضخامة حجمها ,التناول الجديد للعصر المملوكي بشكل مختلف عن الكتابات السابقة , أنا سعيدة وممتنة وكل هذا جعلني متوجسة من العمل القادم هل سيكون في مستوى التاج أم سيخونني القلم.
- في سردك الروائي لعملك الأول -التاج- هناك الجامع المشترك ما بين التاريخي والذاتي والواقعي وكذلك الاجتماعي.. فما هو الدافع الأولي لكتابة الرواية على هذا المنوال أو في هذا الإطار؟
يصعب على الكاتب أن يحدد لماذا كتب وما هو مساره، فالرواية ليست كتاب بحثي أو علمي وليست مقال مكون من عناصر، لكن كل ما يمكنني قوله أنني أردت قول الكثير وهناك عوالم هائلة كانت تتخايل أمام عيني وتقض مضجعي وتحرمني النوم وكلما كتبت ظهرت حكايات أخرى ورؤى أكثر ازدحاما تبحث في الماضي وتُجَن في خلق واقع متفاعل ومتناقض ومشحون بالحياة والموت, بالمخاوف والآلام والأحلام ويرنو نحو المستقبل دون ضياء أو بوصلة إلا ما تولده الأحداث ويخلقه القلم.
- بعد 15 عاما من علاقتك بالكتابة أو السرد الروائي أو القصصي.. كيف ترصدين الخارطة أو المشهد السردي الإبداعي في مصر والوطن العربي؟
- سأجيب عن هذا السؤال كقارئة محبة للأدب بشكل عام وليس كقصاصة أو روائية لإن رواية التاج هي عملي الأول ولم أكتب إلا ثلاث قصص قصيرة منذ أكثر من 15 عاما ثم توقفت تماما حتى جاءتني فكرة الرواية مؤخرا ,في الفترة الأخيرة انتشرت دور النشر وتسارعت عمليات الكتابة والنشر وغمرت المجتمع الأدبي كميات هائلة من الكتب ولكن بالفرز والتنقيح لا يصمد إلا القليل , وهناك الكتاب الكبار الذين ما زالوا يمنحوننا الكثير حتى الآن, بهاء طاهر وسلوى بكر وفتحي إمبابي ويوسف زيدان وصنع الله إبراهيم، ومؤخرا قرأت مجموعة روايات وكتب جديرة أن تقرأ وتصنف ككتب قوية وجادة مثل "مناسك الخوف" لسلوى محسن و"كوتسيكا" لغادة العبسي و"العزبة" ليوسف نبيل وكتب أحمد سمير سعد العلمية الأدبية المميزة كثنائي لم يبرع فيه أحد من قبل مثله، وبالنسبة للوطن العربي فقد كانت وما زالت تظهر روايات عظيمة وكبيرة مثل كتب الطيب صالح الذي فارقنا 2009, وخالد الحسيني ولينا الهويان وإنعام كي جي وجبور الدويهي وخليل صويلح ,العالم العربي يضج بالمبدعين الذين لا يتوقف سيل إنتاجهم المؤثر والمميز والذي ينتقل سريعا ليصل إلى أماكن لم يكن من الممكن الوصول إليها بسهولة ويسر , وسهولة النشر هذه أيضا جعلت الغث سائدا لكن الجواهر الروائية والأدبية لم تنتفِ أو تغب وهي جديرة بالبحث عنها والإشادة بها .
- ولدتي في إحدى المدن التابعة لمحافظة الدقهلية فهل تؤمنين بتلك المقولات التي تفرق بين إبداعات المركز والأقاليم؟
- أعظم مبدعي مصر في مختلف المجالات كانوا من الأقاليم وموهبتهم الحقيقية منحتهم مكانة عظيمة ومحبة في القلوب وقناعة بموهبتهم وتميزهم بغض النظر عن مكان ولادتهم , أم كلثوم ,نجيب سرور ,عبد الحليم حافظ , أمل دنقل ,عبد الرحمن الأبنودي ,سيد حجاب ,محمد البساطي ,عبد الرحمن الخميسي ,يحيى الطاهر عبدالله , كاتب الأقاليم سابقًا لم يكن يجد طريقه بسهولة لكن اليوم يسهل أن ينشر إبداعه وأن يقوم بالترويج لعمله الأدبي بالوسائل التواصلية المختلفة, ربما هناك بعض الأدباء أو النقاد ذوي النظرة القاصرة والفكر المحدود الذين يؤمنون بمركزية الأدب وهذا ما أراه عنصرية لا تستحق عناء محاربتها أو محاولة إصلاح صاحبها لأن الموهبة ستسود وستتقدم ولن يستطيع أحد إيقافها .
- ليتك تحدثيننا عن تلك العتبات التي تتكئ عليها لجان التحكيم في الجوائز فيما يخص منح أو حجب الجوائز؟
- لست في موضع أدبي يؤهلني لإصدار حكم أو تحليل الأمور بنظرة شاملة لكن ما أراه هو أن هناك معايير خاصة بلجان تحكيم الجوائز وليس شرطا أن تكون تلك المعايير ذات مصداقية أو تستند إلى جودة العمل وقوته، ولهذا كثيرا ما نرى رواية أدبية رائعة لم توفق في الحصول على جائزة بينما أخرى أقل منها شأنا وقوة فازت وحازت الجائزة، لهذا فالجّوائز ليست مقياسا على جودة رواية وسوء أو ضعف أخرى هي فقط وافقت معايير تلك الجائزة فنالتها.
- من خلال الكتابات النقدية التي تناولت روايتك - التاج - كيف تقيمين أشكال وحالات النقد الأدبي في المشهد الثقافي والإبداعي المصري وتحديدا مجال الرواية ؟
- النقد الأدبي في رأيي يستند إلى فئتين فئة النقاد المتخصصين في النقد ,وفئة الأدباء والمهتمين, وأنا أرى أن الأديب والمهتم في مجال الرواية نقده محكم ويتمتع بالمصداقية أكثر من الناقد المتخصص مع أن هذا التقييم لا ينبع من أسس علمية ونقاط مسبقة التأسيس إنما من تجربة شعورية وانطباع قوي ينبع من التأثر بالعمل الأدبي والغوص فيه والتماهي معه مغفلا الشروط والمقاييس العلمية فنجد النقد يخرج مؤثرًا موحيًا وملهمًا ومفيد جدا للكاتب فيما سيبدعه من أعمال قادمة أما النقد الأدبي المتخصص فمع فائدته الكبيرة إلا أنه يغفل الزخم الشعوري والتأثر الوجداني في مقابل المعايير والقيم الصارمة لتقييم العمل الأدبي .