آخرها مستريح أسوان.. لماذا تتكرر ظاهرة النصب على المواطنين؟
تصدرت قضية «مستريح أسوان» مواقع التواصل الاجتماعى، فى الفترة الأخيرة، بعد نجاحه فى النصب على المواطنين، والحصول منهم على نحو ٢٠٠ مليون جنيه، وفى بعض الأقوال الأخرى نصف مليار جنيه، تحت مزاعم توظيفها.
ومع القبض على «المستريح» الجديد، يثار تساؤل حول أسباب تكرار هذه الظاهرة فى المجتمع، رغم تكرار حالات النصب بنفس الطريقة، ونجاح أجهزة الأمن فى ضبط أكثر من نصاب يستولى على أموال الناس بزعم توظيفها.
كما تُثار أسئلة أخرى حول علاقة تلك الظاهرة بالأوضاع الاقتصادية والثقافة الاجتماعية، فى ظل بحث كثيرين عن تحقيق الثراء السريع والكسب الآمن، وسط تدهور معظم الاقتصادات العالمية، وهو ما نحاول الإجابة عنه فى السطور التالية، من خلال خبراء فى القانون والاقتصاد والأمن والدين.
استشارى نفسى: هوس الكسب السريع مفتاح «جر رجل الزبون»
قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إن عمليات النصب المتكررة فى الفترة الأخيرة ترجع أولًا إلى ذكاء النصاب، ومعرفته بالطريقة الصحيحة التى يمكن أن يتعامل بها مع الشخص الطماع، وأبسط طريقة معتادة للاحتيال على البسطاء هى الحديث باسم الدين، ما يجعل الطماع فريسة سهلة لـ«المستريح».
وأضاف «فرويز»: «رغم توعية الحكومة المواطن وتحذيرها من عمليات النصب، فإن كثيرًا من المواطنين لا يزالون يقعون فى الفخ، خاصة أن الشخص الطماع يبحث عادة عن أسرع وأسهل طريقة للحصول على الأموال، لذا فالمستريح والطماع كلاهما وجه لعملة واحدة، وتلك الظاهرة موجودة منذ قديم الأزل، لكن الشخص الطماع لا يفكر جيدًا قبل النصب عليه، ويثق بالنصاب سريعًا دون تفكير». ولفت إلى أن كثيرًا من المواطنين لديهم هوس الثراء، ويميلون إلى الكسب السريع وخوض المغامرات بالمال، حتى إن كان العرض المقدم غير منطقى». وقالت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع، إن النصاب عادة ما يملك المفتاح السهل للاحتيال، وهو أن الطماع ينظر دائمًا إلى كم المال الذى سيكسبه بغض النظر عن طريقة الكسب، لذا يستطيع المحتال أن يتلاعب بالعقول من خلال خطط ذكية لـ«جر رجل الزبون»، وفق تعبيرها.
وأضافت: «هذا البحث من الطماع عن طرق الكسب السريعة والحصول على أكبر كم من المال فى وقت قليل يجعله أكثر عرضة لعمليات الاحتيال، وذلك لأنه لا يتعامل بالمنطق، لذا يتجنب الفرص الاستثمارية المعتادة، والمقدمة من الحكومة والبنوك والمشروعات الطبيعية».
خبير أمنى: الطمع وغياب الوعى سبب انتشار الظاهرة
شدد اللواء محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، على أن رجال وزارة الداخلية، وتحديدًا الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة، يبذلون جهودًا مكبرة لضبط قضايا توظيف الأموال، لافتًا إلى أن مباحث الأموال العامة تتدخل فور تلقيها بلاغات من الضحايا بتعرضهم للنصب أو الاستيلاء على أموالهم. وأرجع «نورالدين» انتشار ظاهرة «المستريح»، وتكرار هذه النوعية من الجرائم، إلى ما وصفه بـ«الطمع»، متابعًا: «طالما بيننا أشخاص لديهم صفة الطمع ستنتشر ظاهر النصب».
وطالب بتنمية النظام المصرفى، بحيث يرفع نسب الفائدة وفقًا لمعدلات التضخم، معتبرًا أنه «فى هذه الحالة، سيلجأ كل من يريد توظيف أمواله إلى البنوك، وسيكون لذلك دور كبير فى القضاء على ظاهرة النصب والمستريحين».
ورأى أيضًا أن غياب الوعى لدى المواطنين هو ما يدفعهم لتوظيف أموالهم لدى هؤلاء النصابين، ويجعلهم فريسة سهلة لهم.
اقتصادى: الاستثمار فى الذهب والبنوك أكثر أمانًا
ذكر على الإدريسى، الخبير الاقتصادى، أن بعض المواطنين يلجأون إلى طرق غير آمنة لاستثمار أموالهم، فبدلًا من استثمارها فى البنوك والحصول على فوائد كبيرة وشرعية، يمنحون هذه الأموال إلى النصابين، الذين يوهمون الضحايا بتحقيق ربح ضخم خلال فترة قصيرة. وأضاف «الإدريسى»: «النصاب يقول لضحاياه إنه يستطيع استثمار أموالهم، وتحقيق فوائد أكبر من فوائد البنوك، فيخضعون له، بدلًا من السبل المضمونة، مثل شراء الشهادات البنكية أو الذهب.. ومن هنا يظهر (المستريحون)». وواصل: «للأسف يصدق بعض المواطنين ما يقوله هؤلاء النصابون، ويحصل النصاب على أموالهم ويحاول الهرب»، مناشدًا المواطنين استثمار أموالهم بطرق شرعية وآمنة، وعدم منحها لمن يتاجرون باسم الدين. واختتم: «الاستثمار فى الذهب مضمون دائمًا، وكذلك الاستثمار فى الودائع البنكية، فمن الممكن أن يشترى المواطن السندات والشهادات البنكية كمخزن للقيمة، فى فترات معينة يمر بها الاقتصاد العالمى، وكلها طرق مشروعة وأكثر أمنًا».
محامٍ: توصيفها القانونى «نصب واحتيال».. وعقوبتها الحبس
قال المحامى أحمد الطماوى إن التوصيف القانونى لظاهرة «المستريح» أنها جريمة «نصب واحتيال»، وليست جريمة «توظيف أموال».
وأوضح «الطماوى» أن المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات نصت على أنه «يعاقب بالحبس كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أى متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال، لسلب كل ثروة الغير أو بعضها، إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمى، أو تسديد المبلغ الذى أخذ بطريق الاحتيال».
أما المادة ٣٣٨ من قانون العقوبات فنصت على أن «كل من انتهز فرصة احتياج أو ضعف أو هوى نفس شخص لم تبلغ سنه الحادية والعشرين سنة كاملة، أو حكم بامتداد الوصاية عليه من الجهة ذات الاختصاص، وتحصل منه إضرارًا به على كتابة أو ختم سندات تمسك أو مخالصة متعلقة بإقراض أو اقتراض مبلغ من النقود أو شىء من المنقولات أو على تنازل عن أوراق تجارية أو غيرها من السندات الملزمة التمسكية، يعاقب أيًا كانت طريقة الاحتيال التى استعملها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين».
ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى، وإذا كان الخائن مأمورًا بالولاية أو بالوصاية على الشخص المغدور، فتكون العقوبة السجن من ثلاث سنين إلى سبع.
كما نصت المادة ٣٣٩ على أن «كل من انتهز فرصة ضعف أو هوى نفس شخص وأقرضه نقودًا بأى طريقة كانت بفائدة تزيد على الحد الأقصى المقرر للفوائد الممكن الاتفاق عليها قانونًا، يعاقب بغرامة لا تزيد على مائتى جنيه».
أزهرى: النصاب والمنصوب عليه كلاهما آثم
قال الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهرى أستاذ العقيدة والفلسفة فى جامعة الأزهر، إن ظاهرة النصب تتم بسبب هوس الربح السريع، والبحث عن كسب الأموال دون عناء، ما يفتح الباب أمام النصاب للاستيلاء على أموال الناس. وأضاف أن الإسلام دعا للعمل، والنبى الكريم قبَّل اليد التى تعمل، وقال إن «اليد التى تسعى وتشقى لا تمسها النار»، وهكذا علمنا ديننا أن الإسلام يعظم من شأن العمل، بل إن الأنبياء أنفسهم عملوا فى مختلف المجالات، والنبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حث على إتقان العمل والاجتهاد فيه، وقال: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه»، وهذا هو العمل الذى يرضى الله ورسوله.
وأشار إلى أن الشريعة الإسلامية تحث على الكسب الحلال الناتج عن العمل والإنتاج؛ لذا فتكرار الظاهرة يعنى أن النصاب والمنصوب عليه آثمان، لأن لديهما شهوة جمع المال، فالأول يجمع المال بنية الكسب عن طريق النصب، والثانى مشارك فى الإثم؛ لأنه أراد أن يحصل على الربح وهو مستريح، وبحث عن الشىء السهل، والنهاية هى لا رابح ولا مربوح، ولا راحة أو استراحة للاثنين، لأنهما أرادا تعطيل عجلة الإنتاج.
ورأى أنه يجب مواجهة تلك الظاهرة بقانون رادع، وحملات توعية عبر وسائل الإعلام، التى يجب أن تتناول الأمر على نطاق واسع فى المسلسلات والبرامج اليومية، فى إطار مسئوليتها عن مناقشة قضايا المجتمع وواقعه اليومى ومعالجة مثل تلك الظواهر.