رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عبده وطلال مداح.. حرب غنائية لم ينهها الموت

الفنان محمد عبده
الفنان محمد عبده

قبل أيام، حل الفنان محمد عبده ضيفا على برنامج "مراحل" الذي يقدمه الإعلامي السعودي علي العلياني، على قناة "أس بي سي". كان من الممكن أن يمر اللقاء مرورا سريعا لولا بعض تصريحاته التي طالت بعض الفنانين الكبار، لاسيما طلال مداح، الملقب بـ«صوت الأرض». الذي عاش ومحمد عبده يمثلان قطبي الغناء السعودي لعقود من الزمان.

سأل العلياني الفنان الضيف عن عدد من الفنانين الذين عاصرهم من ضمنهم طلال مداح وأبو بكر سالم، "هل نستطيع أن نقول إنهم خلقوا إرثاً لا يزول؟.. أجاب محمد عبده: كإرث غزلي نعم تركوا، لكن الإرث الوطني هو اللي يبقى، عدّ معي، ماذا تركوا من أغانٍ وطنية؟.

استشهد «العلياني» بأغنية «وطني الحبيب» لطلال مداح كدليل على إرثه الوطني، لكن «عبده» فاجأه قائلا: إن لحنها سرق من أغنية «غنوا معايا للسمر والسمر عاجبنّي، غنوا وقولوا للسمر أصل الدلال مني»، معتبراً ذلك لا يليق بأغنية وطنية، لأن "الفنان يجب أن يعطي أحسن ما عنده لوطنه" – حسب قوله.

أثارت التصريحات الأخيرة جدلا كبيرا في الداخل السعودي، كما تناقلتها بعض المواقع في بلدان عربية مختلفة. حتى أنتهت الأزمة باعتذره لأسرة الراحلين طلال مداح وأبو بكر سالم، عبر مقطع فيديو، أشار فيه إلى أن الكلمات التي وردت منه حادة «شويتين»، -حد تعبيره.

مُعلقاً: «أرجو السماح.. اعذروني في التعبير الذي كان فقط فنياً.. المقابلة كانت حادة إلا أنها كانت قاسية وخرجت عن مفهومها الفني للناس.. لذا أتقدم بالاعتذار منكم.. هم أساتذة أفاضل لا يُدق في سهمهم فنياً وأخلاقياً».

لم تكن واقعة هجوم محمد عبده على «مداح» هي الأولى، فرغم وفاة الأخير قبل 22 عاما، تحديدا في 11 أغسطس عام ألفين، عن عمر ناهز الستين عاما. في واقعة شهيرة جرت على مسرح "المفتاحة"، لم ينسى «فنان العرب» منافسه، فقد سبق أن وصفه في يونيو 2015 بسوء البطانة ومصاحبة رفقاء السوء، عاقدا مقارنة بينهما، أشار خلالها إلى أنه تتلمذ على يد أساتذة لا تعرف الحقد والغش والشراب والسهرات الخارجة.

أثارت التصريحات وقتها جدلا كبيرا أيضا، سواء بين محبي طلال مداح أو بين أفراد أسرته، الذين هددوا بمقاضاة فنان العرب. كما علق الكثير من الفنانين على التصريحات، من بينهم عبادي الجوهر، الذي يرى في «مداح» أستاذ جميع الفنانين في المملكة دون استثناء، قائلا: إن طلال مداح صنع روائع لا تصدر إلا من "مطبخ نظيف" ومن فنان عظيم مسكون بالفن والموهبة.

«الأمر كان أشبه بتشجيع أندية كرة القدم»

لم يبدأ هجوم محمد عبده على طلال مداح بعد وفاة الأخير، بل له جذورا امتدت على طول تسيدهما للساحة الغنائية السعودية. فمنذ أن سجل طلال مداح أغنيته الأولى للإذاعة، في العام 1957، والتي كانت بعنوان «وردك يا زارع الورد»، وحظيت بمكانة خاصة، نظرا لأنها تُعَد أول أغنية عاطفية سعودية. وأصبح صاحبها نجما استثنائيا لا يضاهيه صوت، حتى ظهر محمد عبده بأغنيته الأولى «خاصمت عيني من سنين» عام 1968، إذ سرعان ما قورنا ببعضها، حتى وصلت المقارنة بين محبيهما إلى حد الصراع، أو كما وصفها "مداح" في أحد حواراته، أن الأمر كان أشبه بتشجيع أندية كرة القدم.

كان طلال مداح يرى أن للصحافة دورا كبيرا في تأجج الصراع بينهما، لاسيما مع تعطش أقلامهم لعنصر مشهور للكتابة عنه، فما إن كتب صحفي عن أحدهما، حتى شرع زميل له في الكتابة عن نده. وعن ذلك يضيف: "كانوا يجعلون منا وسيلة، في حين أن صراعهم هو الحقيقة".

وكثيرا ما أنكر «مداح» ذلك الصراع، مؤكدا أن ما يجمعهما هو علاقة أخوة وصداقة. وفي العام 1994 أوضح في إحدى حلقات برنامج "السهرة المفتوحة" أنهما ليس كمثل عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش، الذي كان بينهما (مقالب) كثيرة "فإن علم فريد بميعاد حفل لعبد الحليم، أقام حفله في نفس اليوم، لا لشيء غير أن يتقاسم معه الإعلام والجمهور، فتكون مثلا الإذاعة لعبد الحليم والتليفزيون لفريد أو العكس، فلم يترك له المجال". أما علاقته بمحمد عبده، فكانت تقوم على اتفاقا ضمنيا، فلا يقيم أحدهما حفلته في ميعاد حفلة الآخر، ولم يحدث أن اجتمعت لهما حفلتان في وقت واحد.

أخذ محمد عبده "ليلة خميس" فأخذ طلال منه "مسافات"

كانت الأغنية هي المحرك الأساسي لصراعهما، وكثيرا ما كانت كلمات الأغاني محور ذلك الصراع. مثلا، يحكي «مداح» في إذاعة الإمارات أن أغنية «ليلة خميس» كانت له في بداية الأمر، إلا أنها أصبحت لمحمد عبده بطريقة لا يعلمها.

ليس "ليلة خميس" هي الوحيدة، فقد سبقتها أغنية أخرى بعنوان "لنا الله". حكى "مداح" أن عمر كدرس لحن منها المذهب والكوبليه الأول، في سهرة لدى بعض الأصدقاء، ووعده بأن الأغنية له، فمرت الأيام وسمعها بصوت محمد عبده.

أيضا كان هناك لحن آخر وضعه عدنان خوج، لأغنية من كلمات فايق عبد الجليل، هي "المعازيم"، أكد "مداح" أنه اتفق مع عدنان أن يكمل اللحن، على أن يسجلها متى كان في القاهرة، فلما حانت الفرصة وكان له حفل في مصر، وكان لمحمد عبده حفل بعده بأيام، سأل عن أغاني محمد عبده الجديدة؛ فأتاه الجواب أنه سيغني أغنية بعنوان "المعازيم".

كانت أزمة أغنية "جمرة غضى" هي الأشهر. وقد تناولتها الصحافة عن كثب، حتى توسط  الشاعر الأمير بدر لحل أزمتها. يحكي مداح أن المشكلة بدأت حينما نشر خبر غنائه لها، واشتعلت الصحافة كتابة عن الموضوع، وكان محمد عبده بالخارج، فإذ به يرسل بردية يطالب فيها بعدم إصدار الأغنية، لأنه يملك تنازلا من الشاعر؛ ويحق له ذلك. كان مداح قد طبع 60 ألف نسخة من الشريط، لذلك صعب تنفيذ مطلب محمد عبده، واشتعلت الأزمة، حتى جاءه اتصال الشاعر الأمير بدر، قائلا إن الصحافة تزج باسمه في الأمر، طالبا منه أن يتنازل عن الأغنية، على أن يعطيه بالمقابل أغنيتين بديلا عنها، وهنا قرر "مداح" ألا يطرح الأغنية.

لم يكن طلال على علم بأمر "جمرة غضى"، فقد كان في أمريكا عندما أرسلت له الكلمات لتلحينها؛ إلا أنه لم يكن طيب النية طوال الوقت، إذ ضحك معلنا في حواره مع الإعلامية كوثر البشراوي عام 1994، أنه عندما أخذ أغنية "مسافات" من الفنان محمد عبده؛ لم يكن الأمر مصادفة، مرجعا السبب في ذلك إلى الجمهور، الذي دائما ما طالب أن يتعاونا، أي أن يلحن كلا منهما للآخر أغنية.

وأضاف مداح: "في مرة سمعت منه هذا اللحن، وأعجبني، فقلت له أريد هذا اللحن، فرفض، فقلت إن الجمهور هو من يطلب ذلك، فرفض أيضا، فقلت له إذا لم تعطني اللحن فسأعلن في الصحف أنني طلبته منك وأنت رفضت، فقال لي أعلن".

أثناء ذلك؛ كان طلال قد سمع اللحن مرتين فحفظه، وعندما رجع إلى القاهرة أرسلت له الشركة مجموعة قصائد، كانت من ضمنهم تلك القصيدة، فلما وجدها في يده لحنها في إطار اللحن الذي سمعه من محمد عبده. قال طلال: "في هذه الأغنية كان معه الحق".

محمد عبده يطالب «صوت الأرض» بالاعتزال

اعتزال الغناء كان أحد أسباب الصراع بينهما، وإن جاءت الدعوة إليه من طرف محمد عبده، الذي صرح: "إن طلال مداح تقدم في السن وعليه أن يعتزل"، وقال في شرحه لمقصده: "إن تلك الكلمة ترى فيها الصحافة أشياء كثيرة، بينما أرى أنا أنه يظل نبراسا لنا، ويظل بصورته الجميلة وعطائه القوي"، فلم يجد مداح ردا على قوله سوى أن يفسره، وهو يخبئ ضحكته، أن محمد عبده قصد أن يريحه من تعب الغناء، مضيفا في سخرية: "قلبه علي".

بدأت أزمة الاعتزال في العام 1989، حينما أعلن محمد عبده اعتزاله الغناء. لم يكن اعتزالًا بالمعنى الحرفي، لكنه توقف عن الظهور في الحفلات لمدة ثماني سنوات، حتى عودته في 1997، وكان لذلك عدة أسباب، منها وفاة والدته، وأيضًا مراجعة لما قدمه وما سيقدمه.

اعتزل طلال مداح الغناء فور إعلان محمد عبده، وقد أجرى مقابلة في حفلة "الجنادرية"، سوءل فيها عن رأيه في موقف الأخير، فقال: إذا ما اعتزل؛ اعتزلت أنا الآخر"، ورفض تعليل قوله، لكنه أشار في وقت لاحق إلى السبب، قائلا: "أن أفقد زميل منافس بمثابة ند، في هذه الحالة لا أشعر بجمال المنافسة، لأن عادة الإنسان أنه يحب أن ينافس من جاء بعده، ومحمد عبده هو من جاء بعدي ويحاول اللحاق بي، وأنا أسعى ألا يسبقني، وهنا التنافس، شأنه في ذلك شأن عبادي الجوهر".

ما جدد الأزمة ثانية هو عودة كلاهما للغناء مرة أخرى، فخلال تلك الفترة، قدم محمد عبده "أنشودة المطر" من كلمات بدر شاكر السياب، التي فجر فيها طاقاته اللحنية. كما قدم "البرواز" وعدة جلسات مسجلة؛ نشرها في ألبومات باسم "شعبيات"، وأيضا قدم ألبومات وطنية حملت صورته بلباس عسكري، كما شارك بشكل سنوي في مهرجان "الجنادرية"، لكنه ظل يطالب مداح بالاعتزال. حيث كان قد عاد إلى حفلاته بعدما أصدر محمد عبده ألبومه "البرواز"، الذي قال إنه من أعمال ما قبل الاعتزال، لكن مداح علق قائلا: هو يزعم ذلك، لكن لم تكن لدي فكرة عن ذلك، وما دام يطرح أشرطة في الأسواق فلماذا أنا أعتزل؟