في ذكراه.. حكاية أول قصة قصيرة نشرت لـ جمال الغيطاني
"الكتابة مهنة وحيدة كما يقولون، وطبيعة الحياة التي يعيشها الكاتب في العالم العربي غالبا ما ترغمه على أن يمنح جهده الأساسي لعمل خارج الكتابة الإبداعية وهو الذي يحقق منه رزقه، ولكن شاءت الظروف أنني أعمل رئيس تحرير مجلة "أخبار الأدب" التي تصدر عن دار أخبار اليوم، وأنا شديد الانضباط في مواعيد حضوري وانصرافي وفي مواعيد ممارستي للكتابة.. وفي الليل تبدأ رحلتي مع هؤلاء الأشخاص المختزنين في ذاكرتي ويتحركون على الورق وأتحاور معهم وأتبادل النقاش معهم حول حياتهم ومصائرهم الكاتب يستطيع أن يستدعي كل الشخصيات والنماذج التي ألتقي بهم في الحياة.. هكذا تحدث الكاتب الراحل جمال الغيطاني (9 مايو 1945 - 18 أكتوبر 2015) عن كيفية كتابته للقصة أو الرواية.
كان أول مقال نشره جمال الغيطاني في حياتي عرضا لكتاب "القصة السيكولوجية" لليون إيدل، قرأه من دار الكتاب، وفيه قرأ لأول مرة عن تيار الوعي، والمونولوج الداخلي، وجيمس جويس، وهنري جيمس، ومارتان دوغار، الذي قرأ له فيما بعد رواية ضخمة من خمسة مجلدات عنوانها "أسرة تيبو"، ونشر المقال في مجلة "الأدب" التي كان يصدرها الشيخ أمين الخولي، كما نشر أول قصة في نفس الشهر يوليو 1963 في مجلة "الأديب اللبنانية".
وفي مقال له بمجلة "الهلال" بعددها رقم 7 الصادر بتاريخ 1 يوليو لعام 2005 كشف جمال الغيطاني عن أنه أعد أول مجموعة قصصية في عام واحد وستين وتسعمائة وألف، وقدمها إلى إدارة التأليف بالمؤسسة المصرية للتأليف والنشر، وكان مقرها في 27 شارع عبد الخالق ثروت، وملأ استمارة صغيرة، ذكر فيها اسمه كاملا، وتاريخ ميلاده، مستطردا: بعد عدة أسابيع تلقيت خطابا رسميا، يحوى سطورا قليلة، موقعا من قبل المرحوم إبراهيم زكي خورشيد، يطلب مني الحضور لمقابلة السيدة الفاحصة شفيقة جبر، بخصوص مجموعتي القصصية "المساكين" وبالطبع كنت قد اخترت هذا العنوان تيمنا، وتشبها بأول رواية لمن بهرني بعالمه وقدرته فيودور دستويفسكي، وكنت قد قرأت ترجمة للمساكين في سلسلة بدأت تصدر في القاهرة مخصصة للأدب الروسي.
وعبر الغيطاني عن شعوره بهذا الخطاب قائلا: غمرني سرور. فهذا خطاب يطلب مني الحضور، ولا يحتوي على رفض أو اعتذار عن نشر الكتاب، قطعت الطريق مشيا قبل الموعد المحدد من الجمالية إلى وسط المدينة، وفي أحد مكاتب المؤسسة التقيت بسيدة وقورة، ترتدي نظارة طبية، ما زلت أذكر تطلعها إلي وإشارتها لي كي أتفضل بالجلوس، وتابع: قالت لي السيدة شفيقة جبر إنها معجبة بالقصص، وأنها تنم عن موهبة حقيقية، ولكن ثمة أخطاء لغوية بسيطة جدا، بعدها يتم دفع الكتاب إلى المطبعة، طبعا سمعت كلمة المطبعة فرقص داخلي فرحا.