رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكلوا لحم زميلهم.. ومهنتهم!

 

زميل بجريدة «الأهرام» انتقل إلى رحمة ربه فى ساعة مبكرة من صباح أمس الأول الخميس، وقبل مرور ساعات، قطعت صحف ومواقع إلكترونية بأنه انتحر، وقام بعضها بنشر اسمه وصورته وحالته الاجتماعية، مع وصف تفصيلى، تخيّلى أو خيالى، للحادث. ثم اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعى، وكان من بين مشعليها، بكل أسف، زملاء نجامل كثيرين منهم لو قلنا إنهم أكلوا لحم زميلهم ميتًا، لأنهم لم يكتفوا باغتيابه أو تغليب سوء الظن، بل وجدوها فرصة لتفريغ عقدهم المهنية أو الدينية أو لتصفية الحسابات!. 

مهنيًا، أخلاقيًا وقانونيًا، لا يمكن القطع بأننا أمام واقعة انتحار، ونفى وجود شبهة جنائية، قبل انتهاء تحقيقات النيابة العامة، التى هى صاحبة الحق دون غيرها فى توصيف الواقعة، وكشف ملابساتها وأسبابها، كما يقول المنطق وكما أكد بيان نقابة الصحفيين، الذى دعا الجميع إلى احترام حرمة الموت وحق الراحل وأسرته، وتجنب طرح تأويلات للحادث وأسبابه، وانتظار نتيجة تحقيقات النيابة العامة التى تباشر مهامها. 

حتى لو ثبت بشكل يقينى أن الفقيد انتحر، يكون هؤلاء، الذين تطوعوا أو استبقوا نتائج التحقيق، قد خالفوا التوصيات السبع التى شدّدت «منظمة الصحة العالمية» على ضرورة الالتزام بها أثناء تغطية حوادث الانتحار، وأبرزها عدم استخدام لغة تضفى إثارة على تلك الحوادث أو تجعلها مسألة طبيعية أو اعتيادية، وعدم استخدام عناوين مثيرة، وتوخى الحذر الشديد عند تناول حوادث انتحار المشاهير، وتجنب وصف طريقة الانتحار أو مكانه وطالبت الصحفيين بعدم التردُّد فى طلب المساعدة حال تأثرهم بشكل سلبى.

قبل أن تعتقد أن توصيات «منظمة الصحة العالمية» غير ملزمة للصحفيين أو الإعلاميين المصريين، نشير إلى أن «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أضاف فى ١٢ ديسمبر الماضى «كود تغطية حوادث الانتحار ومحاولاته»، إلى لائحة الضوابط والمعايير اللازمة؛ لضمان التزام وسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها، وتضمن هذا الكود بنودًا شبيهة بتوصيات منظمة الصحة العالمية، مضافًا إليها «تجنب الضرر النفسى الواقع على ذوى وأسر أصحاب حالات الانتحار من جراء التغطية الصحفية أو الإعلامية أو النشر»، والحفاظ على خصوصيتهم بعدم ذكر بيانات شخصية أو تفاصيل لا تفيد القارئ أو المشاهد أو المجتمع.

مع الزملاء، الذين أكلوا لحم زميلهم ومهنتهم، انضم إلى قائمة منتهكى التوصيات الدولية والكود المحلى، عضو بمجلس نقابة الصحفيين، زعم أن «كل الزملاء فى الأهرام ممن عاشروا الزميل الراحل» يعرفون أنه فى آخر ٤ سنوات تعرض لاضطهاد واضح وصريح وممنهج من علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، «وصل لخصم كل الحوافز والأرباح على مدار هذه السنوات»، و«منعه من ممارسة عمله الصحفى بشكل غير رسمى وبدون سبب وبدون تعليمات، بالإضافة إلى تجاوزه عدة مرات فى ترقيته لرئاسة قسمه».

لا تسأل كيف يكون المنع «بدون سبب وبدون تعليمات»، فما يعنينا الآن، هو أن علاء ثابت احتكم إلى سجلات مؤسسة الأهرام والهيئة الوطنية للصحافة، وأكد أنه لم يحدث مطلقًا أن تم خصم أى من الحوافز أو الأرباح للزميل المتوفى منذ عام ٢٠١٧ حتى الآن. وشدد على أن الزميل «ليس له أى شكاوى فى سجلات الأهرام أو النقابة أو مجالس الإعلام»، واتهم عضو مجلس النقابة بـ«الكذب المتعمد ومخالفة الأعراف والأصول وميثاق الشرف المهنى»، وناشد الزملاء الحكم بأنفسهم على ما اقترفه ذلك الزميل فى حق المهنة والنقابة، بل وكل أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين. ومع قناعتى الشخصية بصدق علاء ثابت، وبالإضافة إلى عدم إمكانية التلاعب فى سجلات الأهرام أو الهيئة الوطنية للصحافة، فقد أكد صدق كلامه، أيضًا، زميلنا أحمد سامى متولى، الذى شدد على أنه كان سيراجعه حال تعرض الفقيد لأى اضطهاد بصفته رئيسه المباشر.

.. أخيرًا، وإلى أن يصدر بيان النيابة العامة، نتمنى إغلاق حنفية الهبد أو إصلاح ماسورة الهرى التى انفجرت، ونذكِّر الزملاء وأنفسنا بقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم».