«الاستثنائى».. ماكرون أصغر رئيس فرنسى يُعاد انتخابه مجددًا
فاز الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، بفترة رئاسية ثانية، بنسبة ٥٨.٥٪، مقابل ٤١.٥٪ لمنافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، وفقًا للنتيجة غير الرسمية، قبل إعلان رئيس المجلس الدستورى، عن النتائج الرسمية غدًا الأربعاء.
وكان «ماكرون» أصغر رئيس فرنسى منتخب، وأصبح أصغر رئيس تتم إعادة انتخابه، منذ التجديد للرئيس الفرنسى الراحل جاك شيراك فى عام ٢٠٠٢.
ولم يحصل أى رئيس للجمهورية الفرنسية على ولاية ثانية فى قصر الإليزيه، إذ تعرض الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزى للهزيمة فى عام ٢٠١٢ على يد خلفه فرانسوا أولاند، الذى لم يرشح نفسه مرة أخرى فى عام ٢٠١٧، لذا فإن «ماكرون» وضع حدًا لهذه اللعنة الفرنسية، التى طالت معظم الرؤساء الفرنسيين.
وبعد انتهاء الاحتفالات بفوز «ماكرون» يتساءل الجمهور الفرنسى عما سيحدث بعد أيام، عقب إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، سواء على مستوى السياسة الداخلية أو الخارجية، وكذلك على مستوى العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، والتعامل مع الأزمة الأوكرانية، ومشكلات التغير المناخى.
أول تحديات الولاية الجديدة: الحفاظ على الأغلبية البرلمانية.. والتعامل مع الأزمة الأوكرانية
يواجه الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، البالغ من العمر ٤٤ عامًا، مجموعة من التحديات فى فترة رئاسته الثانية، أولها الانتخابات البرلمانية فى يونيو المقبل، إذ سيكون الحفاظ على الأغلبية أمرًا بالغ الأهمية لضمان تحقيق طموحاته فى ولايته الجديدة.
صحيح أن الرئيس الفرنسى يُنتخب بشكل منفصل بنظام التصويت المباشر، ولكن بمجرد توليه السلطة لا يزال بحاجة إلى دعم الجمعية الوطنية، التى تمثل البرلمان الفرنسى، من أجل تمرير أى قوانين.
وفى الوقت الحالى، يحوز حزب «الجمهورية إلى الأمام»، الذى يتزعمه «ماكرون» أكبر كتلة فى البرلمان، ومن خلال تشكيل تحالف مع حزبين آخرين حصل «ماكرون» على أغلبية كبيرة مكنته من تمرير التشريعات بسهولة نسبية، على مدار السنوات الخمس الماضية، وهو ما يحتمل أن يتغير فى يونيو. ووفقًا للدستور الفرنسى، فإذا لم يكن لـ«حزب الرئيس» أغلبية فى الجمعية الوطنية فيمكنه محاولة تشكيل تحالف مع الأحزاب الأخرى من أجل إنشاء كتلة تصوّت، فى الغالب، لصالح إصلاحات الحكومة، أما إذا كان هذا مستحيلًا، فيتم إنشاء تعايش ما، وهذا يعنى أن زعيم الكتلة الأكبر فى البرلمان يعرض على الرئيس العمل كرئيس للوزراء، حتى لو كانوا أعضاء فى أحزاب معارضة.
وعادة ما يكون هذا الوضع غير مثالى بالنسبة لأى رئيس فرنسى، فهو يعنى أن لديه على الأقل أغلبية تصويتية فى البرلمان، لكن من شبه المؤكد أنه سيضطر إلى تقديم بعض التنازلات السياسية مقابل دعم رئيس وزرائه.
وسبق أن حدث ذلك مع الرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران، الذى اضطر إلى تعيين جاك شيراك رئيسًا للوزراء بعد هزيمة ساحقة فى الانتخابات البرلمانية، ثم انتخب «شيراك» بعد ذلك رئيسًا، لكنه اضطر إلى تعيين اليسارى ليونيل جوسبان رئيسًا للوزراء عندما لم يتمكن هو أيضًا من الحصول على الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية.
التحدى الثانى الذى يواجهه «ماكرون» فى ولايته الثانية هو استمرار العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا، التى بدأت فى فبراير الماضى، والتى كانت سياسة «ماكرون» تجاهها من أسباب فوزه بالولاية الرئاسية الجديدة.
فمن ناحية، أيد «ماكرون» عقوبات الاتحاد الأوروبى على روسيا بسبب الحرب فى أوكرانيا، وقالت حكومته إنها ستدرس فرض حظر على واردات النفط الروسية، مع وصف ما حدث فى بوتشا الأوكرانية بأنها «جرائم حرب»، ودعوة لمحاكمة الجناة أمام العدالة الدولية.
ومن الناحية الأخرى، طالما دافع الرئيس الفرنسى عن الحوار مع موسكو، مدعومًا بـ«الحزم»، ويذكر أنه بعد ثلاثة أسابيع فقط من فوز «ماكرون» فى الانتخابات عام ٢٠١٧ وصل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين إلى فرساى وسط الكثير من البهاء والاحتفال، وذلك رغم التوترات بشأن سوريا وأوكرانيا، كما زار المقر الصيفى للرئيس الفرنسى فى جنوب فرنسا قبيل قمة مجموعة السبع.
ومع ذلك، فشلت مثل تلك الاجتماعات فى تخفيف التوترات على المدى الطويل، كما أن المكالمات الهاتفية المتعددة التى أجراها الرئيس الفرنسى مع نظيره الروسى طوال الشتاء الماضى، بعد حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا، لم تمنع روسيا من خوض الحرب.
واستكمالًا لتلك السياسة، قال «ماكرون» للإذاعة الفرنسية، نهاية الأسبوع الماضى، إنه «لا يستبعد» التحدث إلى «بوتين» مرة أخرى، مع الاعتراف بأن هدف الحديث قد يكون متواضعًا نسبيًا، مثل وصول المساعدات الإنسانية إلى مدينة ماريوبول الأوكرانية.
أهم ملفات الفترة المقبلة: استقلال أوروبا.. إطلاق الاقتصاد بعد الجائحة .. وإصلاح سياسات المناخ
على مستوى العلاقات الأوروبية والملفات والقضايا الخاصة بالقارة العجوز، يعد فوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة الفرنسية مجددًا مصدر ارتياح لجميع أولئك الذين يخشون إمكانية حدوث فوضى سياسية فى الداخل والخارج إذا فازت منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان.
ولعل من أبرز الملفات العاجلة التى يجب على «ماكرون» أن يوليها اهتمامه، رغم ذلك، هى الإصلاح الطموح للاتحاد الأوروبى، خاصة أن التكامل الأوروبى الأعمق كان موضوعًا رئيسيًا لـ«ماكرون» منذ انتخابه فى عام ٢٠١٧، عندما تردد صدى انتصاره على نغمات نشيد الاتحاد الأوروبى.
وهذه المرة، ورغم أنه تطرق للاتحاد الأوروبى بشكل أقل خلال الحملة الانتخابية، فإن «ماكرون» وصف برنامجه السياسى بأنه برنامج «السيادة الوطنية والأوروبية».
وتشمل طموحات «ماكرون» الأوروبية، تحقيق الاستقلال الذاتى فى الطاقة، وإصلاح اتفاقية حرية الحركة داخل الاتحاد الأوروبى «شنجن»، مع تحقيق حماية أفضل للحدود الخارجية لدول الاتحاد، والتوصل لسياسة لجوء مشتركة، وتطوير أوروبا قدرة دفاعية أقوى، واندفاعًا ملموسًا لتعزيز صناعة التكنولوجيا.
ولإعادة إطلاق الاقتصاد، يقترح «ماكرون» تدابير ذات بُعدين اجتماعى واقتصادى، على مستوى الاتحاد الأوروبى، منها ضريبة الوقود، وتوجيهات بشأن الحد الأدنى للأجور والمساواة بين الجنسين، كما يرغب، هو والمفوضية الأوروبية، فى تطوير برنامج خدمة مدنية أوروبية للشباب، مدته ٦ أشهر.
وإلى جانب ذلك، يحظى ملف تغير المناخ باهتمام خاص، فى ظل وعد «ماكرون» بإصلاح سياسة المناخ أمام حشد من المؤيدين فى مارسيليا، فى محاولة خفية لجذب الناخبين اليسار. وقال «ماكرون» إن رئيس الوزراء المقبل سيكون مسئولًا بشكل مباشر عن التخطيط البيئى، مدعومًا بوزيرين للإشراف على الانتقال والتنفيذ الأخضر، وهى فكرة مشابهة جدًا للفكرة التى اقترحها زعيم اليسار جان لوك ميلينشون.
وناقش «ماكرون»، فى بياناته الانتخابية، مسائل الحفاظ على الطاقة، والطاقة النووية، وبناء ٦ مفاعلات من الجيل الجديد مع إطلاق دراسات لثمانية أخرى، والاستثمار الكبير فى الطاقة المتجددة مع تدشين ٥٠ مزرعة رياح فى البحر بحلول عام ٢٠٥٠، ومعالجة تلوث الهواء، وغرس مزيد من الأشجار، والرغبة فى تطوير قطاع سيارات كهربائية فرنسى، والإعلان عن «عيد الطبيعة السنوى».