محمد الباز يكتب هكذا تحدث الرئيس «1»: «ما اتفقت عليه معكم لم يتغير.. ونحتاج إلى العمل معًا»
السيسى: لن ننجح فى كسر التحديات التى تزيد يومًا بعد يوم إلا إذا كنا معا يدًا بيد
كان الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحًا ومباشرًا ومتدفقًا وهو يرد على أسئلتنا.
مجموعة من الكتاب والصحفيين ورؤساء التحرير ترافقه إلى توشكى بجنوب أسوان، لتشهد معه بداية موسم حصاد القمح.
بعد الجلسة الافتتاحية التى شهدت كلمات من السيد القصير، وزير الزراعة، والدكتور على المصيلحى، وزير التموين، واللواء وليد حسين أبوالمجد، مدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وبعد جولة كنا فيها على مقربة من الحصاد الذى أعطى الرئيس الإشارة ليبدأ، عُدنا إلى جلسة جمعتنا مع الرئيس، واستمرت ما يقرب من الساعتين.
لم يتوقف الرئيس عن التواصل ليس مع الصحفيين والإعلاميين فقط، ولكن مع الشعب المصرى كله طوال السنوات الماضية.
ما لم يلتفت إليه كثيرون أن الرئيس لجأ إلى وسيلة جديدة من التواصل، فقد اختار أن يتحدث مباشرة مع الجميع، ولذلك كنا نراه فى الاحتفاليات العامة بافتتاح المشروعات القومية أو فى الاحتفاء بالمناسبات الوطنية، يوجه حديثه إلى المصريين جميعًا، مَن يحضرون معه اللقاءات، ومَن يستمعون إليه عبر شاشات التليفزيون.
لم يعتمد الرئيس على القنوات التقليدية فى التواصل مع الشعب المصرى، كان الإعلام موجودًا، لكنه لم يركن إليه وحده، فضّل أن يكون الكلام منه مباشرة، وربما لهذا- فى اعتقادى- لم يكن فى حاجة إلى أن يجتمع مع الإعلاميين والصحفيين مباشرة ليستمع منهم، ويجيب عنهم.
حديث الرئيس فى الاحتفاليات العامة ليس حديث الدعاية والتوجيه، فمن يتابعه جيدًا، يعرف أنه فيما يقوله يجرى حوارًا دائمًا مع الشارع، فهو حريص على الحديث عما يشغل الناس، والإجابة عن تساؤلاتهم.
كثير من الإعلاميين والصحفيين كانوا يحتجون على عدم عقد لقاءات دورية مع الرئيس، كانوا يقولون إنهم يحتاجون أن يتحدثوا معه مباشرة.
يسألونه... ويجيب عنهم.
ينقلون له نبض الشارع وما يعانى منه الناس من مشاكل وأزمات... ويقترحون حلولًا لما يعتقدون أنه يمكن أن يسهم فى تذليل العقبات... وينقلون من الرئيس إلى الرأى العام وجهة نظره فيما يشغلهم.
عندما جلسنا إلى الرئيس فى توشكى أبطل هذه الحجة، فقد أشار إلى أنه يستمع إلى الجميع، فهو يطلع على التقارير التى ترد إليه من الجهات المختلفة، ويقف وجهًا لوجه مع المواطنين فى الشارع أثناء جولاته الميدانية، ويستمع إلى الإعلاميين جميعًا.
قالها هكذا: أنا أقرأ كل مقالاتكم... وأشاهد كل حلقاتكم التليفزيونية.
لفت انتباهى أن الرئيس وهو يكشف عن المصادر التى يعتمد عليها فى تكوين الصورة عما يحدث فى الشارع المصرى، قوله: أنا أسمع للجميع بقلبى... قبل أن أسمعهم بأذنى، وهى إشارة واضحة إلى أن الرئيس يتفاعل بشكل جدى مع كل ما يسمعه، ولقد رأينا ذلك بوضوح، فعقب سماعه للمواطنين نجد إجراءات على الأرض، سواء كانت إجراءات تخص من استمع إليهم مباشرة، أو إجراءات عامة تخص مشكلة أثارها المواطنون.
لقد استمع الجميع إلى مجمل التصريحات التى أدلى بها الرئيس إلينا، عبر التقرير الذى أعده المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، وهو تقرير وضع أيدى المواطنين وأبصارهم على الصورة الكاملة للحوار، وعلى ما دار فيه من نقاشات.
لكن يبقى أمامنا أن نقرأ ما بين السطور... وأن نشير إلى ما وراء الإجابات.
قبل أن يتلقى الرئيس الأسئلة، قال إنه سيستمع إلينا جميعًا مرة واحدة، لأنه يريد أن يتحدث فى سياق عام، وسيجيب عن كل الأسئلة من خلال هذا السياق.
دوّن الرئيس الأسئلة الكاملة، كان كعادته منصتًا باهتمام شديد لكل من تحدثوا، الذين لم يخرج كلامهم عما يدور فى الشارع المصرى، فكل من سأل كان حريصًا على نقل جانب من الصورة، أو نقل سؤال يدور على ألسنة الناس.
قبل أن يجيب الرئيس عن أسئلتنا، كشف عن رغبته فى أنه يريد تكثيف التواصل ليس مع الإعلاميين فقط، ولكن مع فئات المجتمع المختلفة، وقال إنه مستعد أن يقوم بذلك، لكن بشرط.
شرط الرئيس الذى أخبرنا به هو أن يكون التوصيف حاضرًا.
وقبل أن تسأل عن أى توصيف يتحدث الرئيس؟
سأقول لك: الرئيس تحدث عن الوضعية التى عليها مصر، فالتوصيف للواقع الصعب منذ ما قبل ٢٠١١ لم يتغير، التحديات التى تواجه مصر فى الاقتصاد والسياسة لم تتغير، وما يسير على التعليم ينطبق على الصحة، ولا يختلف الأمر كثيرًا عندما نتحدث عن الزيادة السكانية وتبعاتها، وقد يكون من المناسب لأى حوار أن تكون هذه الثوابت موجودة فى خلفية من يقومون بالحوار، حتى تكون هناك أرضية مشتركة بين الجميع.
ضرب الرئيس مثلًا على ما يقول بمشكلة التعليم فى مصر.
قال: التعليم له التأثير الأكبر على الشخصية المصرية، صحيح أن هناك عناصر كثيرة تسهم فى تشكيل هذه الشخصية وتساعد فى الحفاظ عليها، فلدينا الأسرة والمسجد والكنيسة والإعلام، وكل هذه الجهات تقوم بدورها على قدر ما تستطيع، لكن يظل التعليم هو الأساس فى كل حديث عن بناء الشخصية المصرية.
ويكمل الرئيس: عندما نتحدث عن التعليم ومشاكله مثلًا لا بد أن نضع فى اعتبارنا عنصرين مهمين.
العنصر الأول هو معرفة حجم الإصلاح الذى قامت به الدولة فى مجال التعليم، وحجم الإنفاق الذى تم على هذا الإصلاح، والعنصر الثانى هو معرفة الناس أن نتائج هذا الإصلاح لن تظهر فى يوم وليلة، بل يحتاج الأمر إلى ١٤ عامًا، وبعدها يمكن أن يتم الحكم على ما حدث.
وضع الرئيس نقطة نظام فى التوصيف الصحيح لما يحدث على الأرض، ولإدراكنا له، وهو أن نتحرك جميعًا.
وهنا لا بد أن أتوقف معكم عند ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى عن العقد الذى جمع بينه وبين الشعب المصرى.
يقول الرئيس: هل أنا فى أى يوم من الأيام كنت مجاملًا أو حاجبًا للمعلومات أو للواقع عنكم، أنا كنت ولا أزال صريحًا ومباشرًا، ووصفت التحديات بصورتها الصحيحة، وقلت إن التحديات التى نواجهها أكبر من كل رئيس وأكبر من كل حكومة، لكنها ليست أبدًا أكبر من الشعب المصرى، ولذلك وضعنا خطة واتفقنا أن نتحرك فيها مع بعض، لم أقل أبدًا إننى سأتحرك فيها وحدى، أو إننى سأترككم تتحركون فيها وحدكم؟
ويسأل الرئيس: هل هذا العقد الذى بيننا تغير؟
ويجيب الرئيس: لا لم يتغير... على الأقل من ناحيتى... أنا أرى أننا لن ننجح فى كسر التحديات التى تزيد يومًا بعد يوم إلا إذا كنا معا يدًا بيد.
فى إطار الحديث الممتد بيننا وبين الرئيس عاد أكثر من مرة للعقد الذى يربط بينه وبين الشعب المصرى، وتحديدًا عندما كان يتحدث عن الأزمة الاقتصادية، وعن رؤية وتصور الناس لما تقوم به الدولة.
قال: أنا لست فى الجانب الآخر منكم، أنا معكم... فى جانبكم أنتم... نحن جميعًا مع بعض، ولا يمكن أن نحقق شيئًا أو نتقدم خطوة واحدة دون أن نكون معًا.
ولأن الرئيس يعرف ما يشغل الناس جيدًا، قال: لنبدأ من الأزمة الاقتصادية.
لا ينظر الرئيس إلى الأزمة الاقتصادية بشكل جزئى، لا يتوقف بها عن العرض، بل يصل إلى بؤرة المرض، ولذك عاد بنا إلى ٢٠١١، لا ليهاجم أحدًا... أو يدين شيئًا، ولكن ليبدأ التوصيف من النقطة الصحيحة.
يقول: المفروض إن الأزمة بدأت فى أعقاب ٢٠١١، ولا أقصد بما أقول هنا أى شىء سلبى عما حدث، أنا أقصد الآثار التى ترتبت على ذلك، وهى الآثار التى يجب أن تكون حاضرة لدينا جميعًا الآن، فلا يجب أن ننسى أنه بعد ما يقرب من ٨٠ أسبوعًا من التظاهر والاعتصامات والاضطرابات والفوضى، فقدت مصر الجزء الأكبر من الاحتياطى النقدى لها، ولم يتبق لنا إلا الاحتياطى العينى.
يعلق الرئيس على هذا الوضع، يقول: لو كنا خلال هذه الفترة كمواطنين حرصنا على استقرار البلد، وكنا أجرينا انتخابات رئاسية خلال شهرين على الأكثر، وقررنا أن يسير البلد بعد هذه الانتخابات، كنا تجاوزنا كثيرًا من آثار الأزمة، لكننا لم نفعل ذلك، وعندما أجريت الانتخابات الرئاسية بعد كل هذه الفترة وتولت الأمور قيادة جديدة، لم تكن موفقة فى إدارة شئون البلد فتصاعدت الأمور أكثر وتعقدت أكثر.
يضع الرئيس يده على مكمن الخطر الذى لا بد أن نواجهه جميعًا.
يقول: فى ٢٠١١ كنا ما بين ٧٧ و٨٠ مليون مواطن، الآن وصلنا إلى ١٠٤ ملايين مواطن، ولا بد أن نسأل عن حجم أعباء هذه الزيادة التى تجاوزت الـ٢٠ مليونًا على الدولة، وكيف يمكن لنا أن نواجهها؟