رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شم النسيم.. أول الزمان ويوم بعث الحياة

بداية الاحتفال بشم النسيم بيرجع لعصر ما قبل الأسرات، يعنى حوالى سبعتلاف سنة وشوية، وطبعًا اسم «شم النسيم» بيرجع للكلمة المصرية القديمة «شيمو»، وهى بتعنى فصل الربيع «السنة كانت تلات فصول بس همّ (آخت) يعنى الفيضان، (بِرت) يعنى بذر الحَبّ، (شيمو) يعنى الحصاد». 

وشم النسيم عيد يرمز لبعث الحياة، وكان المصريين القدماء أهلنا وناسنا بيعتقدوا إن اليوم ده هو أول الزمان، أو اليوم اللى بدأ فيه خلق العالم.

والمصريين زمان كانوا بيبدأوا الاحتفال فى الليلة السابقة على يوم شم النسيم فى احتفال رسمى كبير بيعرف بالانقلاب الربيعى، وهو اليوم اللى بيتساوى فيه الليل والنهار، وكان الملك والكهنة وكبار رجال الدولة وكتير من الشعب بيجتمعوا قدام الواجهة الشمالية للهرم «وده فى الدولة القديمة خلال وبعد الأسرة الرابعة»- قبل الغروب- عشان يشوفوا غروب الشمس، وكان قرص الشمس بيظهر مقترب بشكل تدريجى من قمة الهرم، فيظهر للى بيبص وكأنه قاعد فوق قمة الهرم.

وفى اللحظة دى بيحصل شىء بيدل على عظمة المصريين، لما بتخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فيبان المشهد للناظرين وكأن واجهة الهرم اتفلقت لقسمين.

وخلينا نعرف دلوقتى بعض المعتقدات المهمة اللى المصريين كانوا وما زال بعضنا حريصًا عليها لغاية دلوقتى، ومنها:

- الحموم فى ليلة شم النسيم، وده كان طقس شعبى مقدس لأن المصريين كانوا بيخافوا من «الشمّامة»، اللى تُعتبر من الكائنات غير المرئية اللى المصريين اعتقدوا فى وجودها وإنها بتمر ليلة يوم شم النسيم على البيوت عشان تعرف مين ماستحماش وتصب لعناتها عليه، ولسه ليومنا هذا فكرة «الشمّامة» موجودة فى تراثنا الشعبى، وبيتم إرجاع بعض مرض البَرص والتهابات اللثة والفم إلى أنها شمت الشخص اللى مش بيهتم بنضافته الشخصية وماغسلش أسنانه.

- الكُحلّ اللى حرص المصريين وما زال البعض مننا يحرص على استقبال العيد بعيون متكحلة، وده لأن الكحل بينضف العيون من الأتربة والشوائب لغاية السنة الجاية.

وفى السياق ده، خلينا نعرف إن اليوم اللى بيسبق عيد شم النسيم كان اسمه «يوم النور»، وكان مرتبط بعادات مصرية أصيلة بترجع للدولة القديمة، يعنى أكتر من خمستلاف سنة، وزى ما بتشير بعض البرديات والنقوش على جدران المعابد المصرية فإن الاحتفال ده بيكون قبل الاحتفال بشم النسيم بيومين وبيرجع ليوم اعتدال الشمس، وده معناه كمان موسم حصاد القمح والبرسيم وبداية زراعة الشعير، مما يعنى انكشاف الأرض ورؤية التعابين والقوارض والحشرات اللى كانت مختفية فى الزرع، وكمان بداية التحسس الربيعى اللى أدركه المصريين ودوروا له على علاجات «المصريين كانوا متقدمين أوى فى مجال الطب والدواء». 

طب إيه علاقة حط الكحل بالكلام ده؟، أقولكم، المصريين قدسوا اليوم ده زى أيام كتير لأنهم ربطوا بينه وبين الإلهة «حتحور»، إلهة الحب والأمومة والخير والحماية، وهى أم الإله «حورس» الدنيوية أو الأرضية «الإلهة إست/إيزيس أمه فى العالم الآخر» وعشان كده كان لازم حماية العين من الشر «حكاية عين حورس والإله ست»، وكان ده عن طريق طرد الشر بتوسيع العين وحمايتها بالكحل والبصل، وكمان كان الكحل والبصل علاج من الحساسية الموسمية اللى بتظهر فى الوقت ده بسبب الجو والزرع.

وعشان كده المصريين كانوا بيتكحلوا كلهم، كبير وصغير ستات ورجالة، بالكحل والبصل عشان يبعدوا الشر الخفى، وكمان عشان عينيهم تفنجل ويشوفوا التعابين والقوارض والحشرات اللى فى الغيطان أو اللى هجّت على البيوت لما القمح اتحصد ويقوا نفسهم من الأذى. 

إيه بقى طقوس الاحتفالات بـ«يوم النور» واللى لسه موجودة لحد دلوقتى؟

أولًا بيتم الاستعداد لليوم ده قبلها بتلات أيام، يبدأ الناس بتنبيت الفول، عشان ده بيرمز لتجدد الحياة «البعث»، وكمان بتعليق البصل على أبواب البيوت لمنع دخول الشر، وكمان فى ليلة «يوم النور» بيحطوا بصل تحت راسهم وهما نايمين عشان يخرّج السموم والشر وينعش الجسم، وبعدين «يوم النور» بقى بيبدأ مع شروق الإله رع «الشمس»، وبيكون بالحموم فى النيل «حوماية العيد» والرجوع بشكل احتفالى، وتبدأ الجدة الكبيرة تحط للجميع الكُحل المخلوط بمية البصل الطازة، واللى بتكون استعدت للمهمة دى قبلها بتحضير حجر «الشيشم» وتبدأ فى طحنه وتحضر ريشة وزة أو حمامة عشان تكون «مِرود» وتبدأ تكحيل العيون كلها مع سحبة الكحل خارج العين عشان تكون زى عيون «الإلهة باستت» القطة المقدسة. 

بعد كده يبدأ الجميع بتناول الفول النابت مع رش بعض الفول فى أركان البيت لجلب الخير.

وخلينا نعرف إن عيد شم النسيم عند المصريين ارتبط بالصحيان بدرى أوى، قبل شروق الشمس، وده طبقًا للعادة المصرية القديمة اللى بتقول: إن اللى تشرق عليه الشمس فى اليوم ده وهو نايم هيلازمه الخمول طوال السنة.

المهم إن الاحتفال بعيد «شم النسيم»- مع إشراقة شمس اليوم الجديد- بيتحول لمهرجان شعبى، بيشترك فيه كل الشعب، فبيخرج الناس للجناين والغيطان، وكانوا بياخدوا معاهم أدوات اللعب والآلات الموسيقية والدفوف، وكانت البنات بتتزين بعقود الياسمين، والأطفال بياخدوا زعف النخل المزين بالألوان والزهور ويفضلوا يحتفلوا طول اليوم من شروق الشمس لغروبها، وبيقيموا حفلات الرقص على أنغام الناى والمزمار والقيثارة مع دقات الطبول والدفوف وهمّا بيغنوا الأغانى والأناشيد الخاصة بعيد الربيع. 

والحاجة المهمة إن المصريين كانوا بياخدوا معاهم الأكلات اللى ارتبطت بشم النسيم، واللى بياكلوها فى اليوم ده، زى البيض والفسيخ، والخَسّ، والبصل الأخضر، والملانة «الحُمّص الأخضر»، وده كله أكل مصرى خاص ارتبط بمدلول الاحتفال باليوم ده عند المصريين، واللى بيمثل تجديد عملية الخلق والحياة والخصب واللى المصريين استمروا يعملوه طيلة تاريخهم ولغاية دلوقتى.

ومن أنواع الأكل اللى كان وما زال المصريين بياكلوه فى شم النسيم، وهو من عاداتنا وتقاليدينا المهمة، وما كانت تمثله أنواع الأكل دى:

- الفسيخ «السمك المملح».. وهو رمز لبداية الخلق، اللى المصريين- بحسب معتقداتهم- قالوا إن الخلق بدأ بالمياه الأزلية واللى سموها «نون»، ورن السمك رمز للمياه دى.. واختاروا نوع سمك أطلقوا عليه «البور» اللى بنقول عليه دلوقتى «البورى» وملحوه وأكلوه ف اليوم ده تعبير عن تجدد الحياة. 

- البصل الأخضر.. من الأكلات اللى حرص المصريين على أكله فى شم النسيم من الأسرة السادسة على أقل تقدير، فكانوا بيعتقدوا إن البصل مرتبط بإرادة الحياة وقهر الموت والتغلب على الأمراض والشفاء منها والتغلب على السحر وطرد الأرواح الشريرة والتغلب عليها. 

وكان المصريين عندهم طقس شم البصل، ولسه بيعملوه لغاية دلوقتى، فأول ما الصبح ييجى يبدأ المصريين فى شم البصل.

وكمان فيه عادة تانية كانت عند المصريين، ولسه موجودة فى الصعيد، وهى إن الشخص ينام وتحت المخدة بصلة خضرا، والصبح بدرى يدعك بيها مناخيره لغاية دموعه ما تنزل من عينيه المتكحلة، فيروح من عنده الخمول والكسل طوال السنة.

- البيض.. بيرمز لخلق الحياة من الجماد، وفى برديات منف صورت الإله «بتاح»- إله الخلق عند المصريين- وهو قاعد على الأرض على شكل البيضة اللى شكلها من الجماد.

وعشان كده تناول البيض فى المناسبة دى هو واحد من الطقوس المقدسة عند المصريين القدماء، وكان المصريين بينقشوا على البيض دعواتهم وأمنياتهم للسنة الجديدة، وبيحطوا البيض فى سلال من زعف النخل وبيعلقوها فى شبابيك البيوت أو فى أغصان الشجر؛ عشان تحظى ببركات نور «الإله رع» وقت شروقه فيحقق أمنياتهم.

وفى مورثنا الشعبى ولغاية دلوقتى بيتسلق البيض ويتلون ويتحط فى طبق من زعف النخل، ويبدأ الكُبار والعيال يلعبوا مع بعض لعبة «المطاقشة» وفيها كل واحد/ة يخبط البيضة اللى ماسكها فى التانى، واللى يكسر بيضة ياخد نصها. 

-الخَسّ.. من الخضروات اللى بيكتمل نضجها فى بداية الربيع، وظهر الخَسّ بأوراقه المعروفة فى بداية الأسرة الرابعة، يعنى من خمستلاف سنة على أقل تقدير، بنشوفه متصور فى السلال عشان يتقدم كقرابين للآلهة، وكان المصريين بيزرعوه فى الجناين قريب من البيوت، واعتبروه من النباتات المقدسة الخاصة بالإله «مين»، إله التناسل والإخصاب.

-الملانة «الحُمّص الأخضر».. من ضمن الأكلات اللى بيتناولها المصريين فى شم النسيم، وكان المصريين بيسموه «حِرّ بيك»، بمعنى راس الصقر، وده عشان حبة الحُمّص تشبه راس الصقر اللى كانوا بيقدسوه وهو الإله «حِرّ/حورس». 

وخلينا نعرف إن البنات فى عيد شم النسيم كانوا بيعملوا من حَبّات الحُمّص الأخضر عقود وأساور بيلبسوها كزينة فى اليوم ده، وكمان كانوا بيلبسوا عقود زهور الياسمين. ومن الجميل أن لفظ الياسمين اللى نستعمله هو تحريف عن الاسم المصرى القديم للزهور دى وهو «ياسمون».

وأخيرًا، كل سنة وكل المصريين بألف خير ومحبة، وخلينا نقول مع عمنا صلاح جاهين:

يا ملونين البيض فى شم النسيم

لون الحنين والشوق وخمر النديم

ما تعرفوش سايق عليكو النبى

تلونوا الأيام بلون النعيم؟ 

وعجبى!