«اليوم العظيم»| الكنيسة تحتفل بعيد القيامة.. والبابا: «فرحة تمتد طوال السنة»
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعيد القيامة المجيد، الذى يعد أعظم وأكبر الأعياد المسيحية، ويتذكر فيه الأقباط «قيامة المسيح من بين الأموات بعد ٣ أيام من صلبه وموته»، وفقًا للعقيدة المسيحية.
وبحلول عيد القيامة المجيد، ينتهى «الصوم الكبير»، الذى يستمر ٤٠ يومًا، وكذلك «أسبوع الآلام»، ليبدأ «زمن القيامة»، الذى يستمر ٤٠ يومًا أخرى حتى «عيد العنصرة».
يأتى عيد القيامة فى نهاية «أسبوع الآلام»، الذى يبدأ بـ«أحد الشعانين»، ذكرى دخول المسيح إلى القدس، ويستمر حتى «سبت النور»، الذى يعتقد المسيحيون أنه شهد معجزة «خروج النار المقدسة من قبر المسيح» الواقع فى كنيسة القيامة بالقدس المحتلة.
وتحتل فكرة «القيامة» مكانة بارزة فى الفكر المسيحى، ويُعتبر الإيمان بـ«قيامة المسيح» أساسًا للإيمان بالعقيدة كلها، وبالتالى كل ما ارتبط بهذا المعنى من طقوس وعبادات وممارسات له طبيعة خاصة، فـ«صوم القيامة» هو الصوم الكبير لمدة ٥٥ يومًًا، وعيد القيامة من الأعياد الكبرى.
تواضروس: «القيامة» ليست حدثًا تاريخيًا فقط بل انطلاقة جديدة لحياة الإنسان
ترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، قُداس عيد القيامة المجيد، مساء أمس، فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية.
وفى رسالته للعيد، قال البابا تواضروس الثانى: «فى حياة السيد المسيح وأثناء خدمته الجهارية الممتدة لأكثر من ٣ سنوات، هناك محطات كثيرة من المعجزات والمقابلات والتعليم والأمثال، وتقابل فيها مع تلاميذه وجموع كثيرة، سواء فرادى أو فى مجموعات عبر هذه الخدمة».
وأضاف: «من هذه المحطات الكبيرة، المحطة التى جمع فيها تلاميذه وذهبوا إلى منطقة قيصرية فيلبس. وهذه العبارة كتبت فى البشائر الأربع ببعض الصياغات المختلفة، لكنها كتبت فى ضوء القيامة المجيدة: (أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَىِّ) (متى ١٦: ١٦)».
وواصل: «كانت هذه محطة مهمة فى حياة التلاميذ. بعدها بدأ الحديث عمّا سيتم خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، فى حياة خدمة السيد المسيح، من تسليم وصلب ودفن ثم قيامة، ثم جاءت محطة التجلى، وهى محطة جمع فيها ٣ من التلاميذ، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. بطرس يمثل الإيمان، ويعقوب يمثل الجهاد، ويوحنا يمثل المحبة الإلهية».
وأكمل: «على جبل طابور، تقابلوا مع السيد المسيح، وحضر موسى النبى وإيليا النبى، وكان هناك حوار، أهم ما فيه: (جيد يارب أن نكون ها هنا). وهذا يعتبر قبسًا من الأبدية ونورًا من الأبدية، وجعل بطرس الرسول يطلب أن يصنع ٣ مظال لكى تمتد إقامتهم فى هذا المشهد المضىء والمفرح».
وقال البابا إنه «بعد حادثة التجلى، كما نقرأ فى إنجيل معلمنا يوحنا، أو فى البشائر الأربع بصفة عامة، وربما ذكرها القديس مرقس الرسول فى إنجيله (مرقس ٩: ٩) بطريقة مختصرة، عندما تحدث أن ابن الإنسان يسلم ويصلب ويموت ويقوم من الأموات، فبدأ التلاميذ يتساءلون: (ما هى القيامة من الأموات؟)».
وشدد على أن «القيامة ليست حدثًا فى الزمن الماضى، وليست حدثًا تاريخيًا فقط، واحتفالنا بها ليس مجرد احتفال بحدث تم فى الماضى وانتهى. بل القيامة انطلاقة حقيقية للوجود الإنسانى، انطلاقة الإنسان بعد أن صارت الخطية تدهمه وتسقطه وتكون عاقبتها الموت».
وشرح: «قيامة السيد المسيح تختلف تمامًا عن كل معجزات القيامة التى أقام فيها أموات، ابن أرملة نايين، أو ابنة يايرس، أو إقامة لعازر بعد ٤ أيام من وجوده فى القبر. قيامة المسيح تختلف تمامًا، لأنها قيامة للوجود الإنسانى. هى انطلاقة جديدة لحياة الإنسان.. ويا لسعادة من يتمتع بهذه القيامة!».
واستعرض البابا المشاهد الأخيرة للقيامة، بداية من المشهد الأول عند الصليب، قائلًا: «هو مشهد كله ألم وحزن وعذابات كثيرة، وكلنا اجتزنا فترة أسبوع الآلام بكل ما فيها من قراءات ونغمات وألحان، ومعرفة وحياة مع المخلص، وعشنا معه ساعة بساعة».
وأضاف: «كانت محطة الصليب محطة ألم، لكن هذه المحطة لها نهاية انتهت فى القبر». وواصل: «صُلب المسيح على الصليب، فى عهد بيلاطس البنطى، كما نقول فى قانون الإيمان، ثم وُضِع فى قبر جديد لم يوضع فيه أحد من قبل، وصار القبر هو محطة قد تنتهى فيها كل الآمال، أم محطة ليس فيها رجاء، إنها محطة الموت، ورغم أن هذه المحطة لم تظل سوى ٣ أيام، لكنها كانت أيام خوف وأيام فزع وأيام رعب».
وأكمل: «عندما نقرأ فى البشائر الأربع، نشعر بهذه المخاوف، حتى التلاميذ أنفسهم كانوا فى حالة خوف وهلع شديد، لكن الله لم يتركهم لبالوعة اليأس، بل فى اليوم الثالث وفى فجر يوم الأحد قام من بين الأموات».
وأتم: «كانت هذه الفرحة فرحة القيامة، التى يسعد بها الإنسان ويفرح بها، وفى بداية كل يوم نقوم من النوم، وفى بداية كل تسبحة، نقول: (قوموا يا بنى النور.. يا بنى القيامة)، وتصير القيامة فعلًا وحياة وحضورًا يوميًا فى حياة الإنسان».
وقال البابا: «عندما نعيش فى القيامة، لا نعيش فيها فترة عيد القيامة فقط، ولكن فرحة القيامة تمتد وتشع فى كل كنيستنا وفى كل مناسباتنا وأعيادنا وأصوامنا، وعبر السنة الكنسية كلها، فى صلاة باكر فى كل يوم هى تمثيل للقيامة، ونقول: (بنورك يا رب نعاين النور)».
وأضاف: «فى كل أسبوع فى يوم الأحد، نحتفل بهذا اليوم الذى صنعه الرب. وفى كل شهر قبطى، نحتفل يوم ٢٩ منه بتذكارات البشارة والميلاد والقيامة، وفى كل سنة، نحتفل بعيد القيامة، ليس يومًا واحدًا، لكن عبر ٧ أسابيع، تكتمل باليوم الـ٥٠ فيما نسميه بـ(الخماسين المقدسة)».
وواصل: «ويصير احتفال القيامة ليس احتفالًا بساعة ولا ليوم ولا لشهر، لكن عبر السنة جميعها. وفى كل طقوسنا، مثل طقس الميطانيات، والسجدات إلى الأرض، عندما نسجد إلى الأرض ونقول: (يا ربى يسوع المسيح ارحمنى أنا الخاطى)، يسجد الإنسان ثم يقف ويقوم ويتذكر أن القيامة هى التى أعطته هذه النعمة، أن يقوم من أخطائه ومن خطاياه، ففرحة القيامة يجب أن نعيشها جميعًا».
وأكمل: «يجب أن نقدمها لكل واحد فينا. وكل واحد فينا لابد أن يكون سبب فرح للآخرين. والسؤال الذى يمكن أن نقدمه لحضراتكم جميعًا: هل أنت تُفرِح إنسانًا كل يوم؟ هل تستطيع من خلال حياتك أو من خلال معنى القيامة المجيدة فيك، أو علاقتك بمسيحك، أو من خلال حضورك فى كنيستك، ومن خلال ممارسة الأسرار المقدسة، ومن خلال القراءة المقدسة فى الإنجيل، أن تقوم وتفرح كل إنسان حولك؟ هل أنت سبب فرح؟ القيامة تدعوك أن تكون سبب فرح لكل واحد».
وقال البابا تواضروس الثانى مخاطبًا الأقباط: «لا تنسوا أيها الأحباء أننا نكرر كثيرًا فى الكنيسة كلمة (هلليلويا)، تلك التى تعنى (هللوا لله)، أى (افرحوا)»، مضيفًا: «كل ممارستنا الروحية هدفها أن نفرح، وهدفها أن نعيش القيامة».
وواصل: «كما قلت فى بداية كلمتى، السيد المسيح عندما قام من بين الأموات، أراد أن يقدم لنا هذه الفرحة، لتكون فى حياتنا كل يوم، لنشهد بها ونعلمها ونمارسها ونفرح بها»، مشددًا على أن «هذه القيامة المجيدة هى دعوة للفرح الدائم. كل الممارسات الروحية التى نقدمها هدفها الأخير هو أن نفرح، لكى يتم فرحنا فى الأبدية السعيدة».
واختتم بقوله «أرجو لكم أفراح القيامة فى حياتكم دائمًا. فى كل كنيسة وفى كل إيبارشية مع كل الذين يخدمون. تهنئتى أرسلها لكم من أرض مصر الحبيبة، وأقدمها لكم باسم كل أعضاء المجمع المقدس، وباسم كل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هنا فى مصر. لنفرح جميعًا بالقيامة المجيدة».
إبراهيم إسحق: المسيح يحررنا من الخطيئة ويفتح لنا مدخلًا إلى حياة جديدة
قال الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك بمصر، فى عظته خلال قداس عيد القيامة المجيد: «بعد مسيرة الصوم الأربعينى وأسبوع الفصح المقدس، نحتفل بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، هذا الحدث الأهم فى الإيمان المسيحى، فقيامة المسيح هى قلب الإيمان والحياة الروحية، وهى محور الترتيب الطقسى، كل يوم أحد هو عيد قيامة أسبوعى وكل قداس إلهى هو استمرار وتحقيق لها».
وأضاف، خلال القداس الذى أقيم بكاتدرائية السيدة العذراء مريم بمدينة نصر: «بالقيامة يتحقق الخلاص الذى شاء الرب أن يتممه بتجسده وصلبه، إنها برهان خلاصنا، لذلك فهى الركيزة الأساسية للبشارة المسيحية، وكان الرسل شهودًا على قيامة المسيح».
وواصل: «ما أشبه حياتنا بحياة تلميذى عمواس اللذين التقى بهما يسوع القائم، وسار معهما»، موضحًا: «نعيش أحداثًا مؤلمة وأخرى مفرحة فيها نختبر المسيح حيًا وأتامل معكم لقاء المسيح القائم بتلميذى عمواس الوارد فى إنجيل القديس لوقا».
وتابع: «يسوع يلتقى بنا على طريقنا ويعيش معنا خبرة السير، ويتبنى خبرتنا ويشاركنا حياتنا، ويدخلنا فى مسيرة الفصح من خلال كلمته الحية التى تلهب قلوبنا، كما عبر التلميذان بقولهما (أما كان قلبنا يحترق فى صدرنا، حين حدثنا فى الطريق وشرح لنا الكتب المقدسة)».
وقال: «لم يغيّر المسيح الأحداث ولا الظروف، بل حوّل التلميذين من عيون مقفلة عمياء إلى عيون مستنيرة من الجهل إلى المعرفة بالاختبار، من الشك إلى الإيمان، من اليأس والإحباط إلى الرجاء والانطلاقة»، مضيفًا: «مهما كانت الأحداث والظروف فهى تؤكد أن الرب حى، وهى فرصة كى نعلن أنه حى ونحن به نحيا ونتحرك ونوجد».
واستكمل: «التجربة كبيرة أن نفكر فى القيامة وكأنها مجرد حقيقة لاهوتية نظرية بعيدة عنا، إن نص تلميذى عمواس هو احتفال، فيه يستقبلنا يسوع بما نحن عليه ويجدد قلوبنا بكلمته ويعرفنا بنفسه بأن يكسر الخبز معنا».
وواصل: «كل مرة نتقاسم كلمة الله معًا، يكشف المسيح لنا بروحه عن نفسه، ويطهّر قلوبنا ويجددها. كل عائلة تجتمع حول كلمة الله يعمل فيها الروح القدس لتعيش خبرة لقاء بالمسيح الحى»، متابعًا: «لا يزال المسيح يقترب منا ويصغى إلينا، ويعلن لنا عن أنه حى ويعد قلوبنا من خلال خبرة معايشة الكلمة التى نقرأها فى كل قداس».
وقال: «هذه دعوة إلى كل شخص مرّ بخبرة مؤلمة اختبر فيها صمت الله، إلى أن يقرأ الكلمة على نور المسيح القائم، الذى يقاسمه هذه الخبرة»، مضيفًا: «المسيح يحررنا من الخطيئة بموته المحى وبقيامته يفتح لنا المدخل إلى حياة جديدة».
وتابع: «نحمل إلى إخوتنا وعائلاتنا وجماعاتنا ومجتمعنا رسالة فرح، ورجاء بلقاء الرب القائم ولنرفع صلاتنا متحدين مع البابا فرنسيس وسائر إخوتنا البطاركة والأساقفة وكل المحتفلين بعيد القيامة».
وقال: «أدعو أن يبسط القائم من بين الأموات سلامه على عالمنا المثقل بالحروب والمعاناة، ويعمق الرجاء فى قلوب البشر جميعًا لنصلى من أجل العائلات المكافحة الأمينة، والعائلات المجروحة قلوبهم والمتألمون من كل نوع».
واستكمل: «لنصلى معًا من أجل وطننا الغالى مصر خاصة فى هذه الأيام المباركة التى نعيش فيها معًا عيد القيامة المجيد وشهر رمضان المبارك حتى تكون فرصة لاسترداد مزيد من السلام والرجاء والعمل من أجل بناء ونشر ثقافة الحياة».
واختتم: «نصلى من أجل رئيس الجمهورية وكل المعاونين له فى خدمة الوطن، لكى يؤيد الرب مسعاهم ويكلل جهودهم بالنجاح والتوفيق لبناء مستقبل أفضل لكل المصريين».