الاختيار 3.. بين الواقع والخيال «15»
وشاية الإخوان بحلفائهم على كنبة الاعتراف!
هل المعلومات التى عرفها وزير الدفاع عن انحرافات النخبة كانت الدافع الأول لتحركه فى ٣٠ يونيو؟
النخبة الفاسدة فى زمن مبارك لعبت على كل الحبال وأُثريت من أموال الناس
«شوف أيمن نور ده بيتحايل علىّ إنى أقول لإخوانا علشان يعفو عنه.. الحكم بتاعه... وفى نفس الوقت يجمعهم فى بيته ثلاث.. أربع.. خمس مرات.. يجيب خمسين.. ستين.. سبعين.. ويقعد يرتب معاهم ليوم ٢٥ الجاى.. حاجة موش ممكن.. بنى آدم عجيب الشكل.. مبيتعظش أبدًا.. وعمر عفيفى اتصل من أمريكا وقال خطة الهجوم على الميدان.. إيه الكلام ده؟».. هكذا قال محمد مرسى على «كنبة الاعتراف» أمام قادة القوات المسلحة عبارة قصيرة فى نهاية حلقة الاختيار السادسة عشرة لكن لها عدة أهداف.. هو يشى بأيمن نور «حليف الجماعة الآن وإحدى أذرعها الإعلامية».. وفى نفس الوقت يتبرأ من تصرفاته.. يمارس شيئًا من السياسة التى قال فيما بعد إنها «نجاسة» والتى طالما غرق فيها الإخوان سنوات طوالًا.. مقطع قصير.. لكنه بمثابة صورة أشعة مقطعية تظهر ما تحت الجلد.. وتريك مدى تلوث النخبة التى ادعت أنها تتحدث باسم الشعب، والحرية، والثورة.. نخبة رموزها يشبهون آلهة العجوة التى صنعها الناس فى الماضى لأنهم فى حاجة لمن يقدسونه، وعندما جاعوا أكلوها واكتشفوا أن هذه هى الفائدة الوحيدة لها.. هذا المقطع، وغيره من المقاطع ربما يجيبك عن سؤال.. لماذا تحرك الجيش؟ لماذا خاطر قائده واتخذ القرار استجابة للناس؟.. ربما لأنه «عرف» والمعرفة فى حد ذاتها عذاب ومسئولية.. أيمن نور بطل التسريب الأخير شخصية مثيرة.. دليل حى على مدى فساد النخبة المصرية منذ الثمانينيات وحتى الآن.. وعلى مدى فساد النظام الذى أفرز هذه النخبة.. وسمح لها أن تتعملق ويُكون أفرادها ثروات بالمليارات ويغرق رموزها فى الفساد من قمة الرأس إلى أخمص القدمين.. بدأ نور حياته من المنصورة.. طالب وفدى فى كلية الحقوق ينضم لحزب الوفد العائد وفق صيغة جديدة.. يتقرب من فؤاد سراج الدين ويعمل صحفيًا فى جريدة الحزب.. يبدأ فى حدود عام ١٩٨٦ فى نشر سلسلة تحقيقات صحفية عن ضحايا التعذيب فى أقبية أمن الدولة.. والأبطال كلهم من أعضاء تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية وينشر بعض الصور البدائية لآثار التعذيب.. بعد فترة يذهب زكى بدر وزير الداخلية لمجلس الشعب ليرد على طلب إحاطة بخصوص الموضوع.. يحمل معه جهاز فيديو وجهاز تليفزيون ويضعهما على المنصة ويضع شريطًا يتحدث فيه أيمن نور.. فى الشريط يعترف نور بأنه فبرك كل التحقيقات التى نشرها عن التعذيب.. وأن الضحايا مواطنون عاديون استأجرهم نور وكان يمر على ظهورهم بعملة معدنية «شلن فضة» وكانت العملة عندما تمر على الجلد فى خط مستقيم تُحدث أثرًا يشبه الأثر الذى يحدثه الضرب بالسوط.. أداة التعذيب التقليدية منذ عصور التاريخ الأولى!! بعد هذا الاعتراف الأقرب للفضيحة.. لم يتم عقاب أيمن نور.. ولا فصله.. ولا لحق به أى نوع من الضرر.. على العكس.. انتعشت أحواله.. وأصبح عضوًا دائمًا فى مجلس الشعب.. وتحول من صحفى إلى رجل أعمال.. وشاع عنه أنه يمتلك عوامة خاصة على النيل يوفق فيها الرءوس فى الحرام بين بعض المسئولين وبعض رجال الأعمال.. وعلى هامش هذا كان يتولى إدارة مكاتب عدة صحف عربية مهمة فى عصر ما قبل الفضائيات وحين كانت الصحافة الورقية هى درة تاج الإعلام ورواتب قادتها عشرات الآلاف من الدولارات.. وفى كل مرة كانت تتفجر فضيحة خاصة بالأمور المالية للمكتب والاستيلاء على أموال المحررين.. لكنه كان كل مرة يكافأ بمهمة جديدة.. ظل حاله هكذا حتى سقوط بغداد ٢٠٠٣.. وأذكر أنه كان أول من استخدم اللافتات الإلكترونية فى مبايعة الرئيس مبارك فى انتخابات ٢٠٠٠ وكان يستأجر لافتات باهظة الثمن فى شوارع رئيسية.. منها لافتة فى بداية شارع جزيرة العرب فى المهندسين كنت أمر عليها يوميًا مرتين وأندهش من أحوال ذلك المعارض الملياردير الذى يستأجر لافتة لإعلان التأييد.. تبدلت أحوال نور بمجرد تبدل السيناريو الأمريكى للمنطقة بعد سقوط العراق.. قرر أن يرشح نفسه فى ٢٠٠٥ ضد الرئيس مبارك.. وقدم نفسه على أنه مفجر الثورة البرتقالية فى مصر.. أسس حزب الغد وأعلن نفسه مرشحًا للرئاسة.. وكان يتعمد ممارسة الدعاية السوداء وتوجيه الإهانات الشخصية للرئيس مبارك وأسرته بعبارات تدخل فى نطاق السب والقذف والشتائم.. بدا للحظة أنه خرج عن صيغة العميل المزدوج فتقرر تأديبه.. كان قد زور بالفعل توكيلات تأسيس حزبه استنادًا لنفوذه فتقرر حبسه.. وكان المضحك أن بعض المراهقين اليساريين والباحثين عن دور التفوا حوله وحول زوجته وكأننا بصدد نيلسون ووينى مانديلا مصريين! فى حين أن الرجل نصاب سياسى مكتمل الأوصاف.. خرج نور من السجن بضغوط أمريكية وكان ينزل من مقر حزب الغد فى طلعت حرب مرتديًا بدلة ثمنها أربعون ألف جنيه ليمسك بيده علمًا ويقف على حافة الميدان فى يناير ٢٠١١ ويلتقط بعض الصور ثم يعود إلى مكتبه من جديد! كانت هذه فصولًا من قصة نصاب من نصابى النخبة المصرية الفاسدة والعفنة وقصة واحد من المتحدثين باسم الحرية والديمقراطية فى مصر.