كتاب «ألف سيرة وسيرة» لخلف جابر.. في مديح رحلة «نوبل» ومو صلاح والغرابة
اختار الكاتب خلف جابر في كتابه "ألف سيرة وسيرة" شخصيات ليسرد سيرتها دون قصدية وجود رابط تاريخي أو صلة قرابة أو موضوع معين، فحسبما لفت في مقدمة الكتاب، اكتفى بأن تكون رغبته في الحكي عنه هذه الشخصيات رابطًا، وطرح سؤالًا على القارئ: ألا تكفي رغبتي في الكتابة عنهم أن تكون رابطًا؟
ربما، لم يقصد أن يكون هناك خيطًا أو إطارًا واحدًا، يربط بين هذه الشخصيات المؤثرة بلا شك في تاريخ الإنسان المعاصر بالأخص، لكن السياق الواحد والصلة الواحدة أقحمت نفسها، فكان النجاح أو المثابرة عاملًا بين جميعهم.
جميعهم، بدأ بعضهم مغمورًا أو لا يعرفه الناس، وتميزوا بتفرد موهبتهم، كل حسب تخصصه، وبتصاعد زمني وتاريخي، بدأوا سيرتهم ببطئ، وصولًا إلى الحفاوة الضخمة.
اختار "جابر" أن يُقعد الأديب نجيب محفوظ على مقهى "علي بابا"، ليستكتب منه حكايته، وبدأ بحادث تاريخي، يخص "محفوظ" والوطن العربي والعالم، يوم حصوله على نوبل، يقول "إلا أن هذا اليوم، الجمعة الثالث عشر من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وثمانية وثمانين، كان مغايرًا لكل الأيام التي جلس فيها محفوظ بركنه المفضل".
واستعمل المصادر التي اقتربت من "محفوظ" ليروي سيرته، وكأنها من لحم ودم، وكأنه استنطقها، لم تأتي في السياق وكأنها مجرد مصادر، بل بدا عليها وكأنهي تحكي بدلًا منه سيرة نوبل.
ودخل ليروي سيرة أجاثا كريستي، مختارًا لها جوًا قصصيًا يناسب شخصيتها وطبيعة أدبها البوليسي الخيالي، وضع القارئ في الحدث مباشرة "في ردهة فندق هيدرو بانيد، في منتجع هاروغيت بالقرب من يروكشاير، كانت السيدة تيريزا نيل تجر ثوربها، حزينة شاحبة، أقدامها ثقيلة، كأناه شجرة تشبثت بأرضية الفندق".
وركزّ في تناول الجانب الأبرز في حياتها، إذ تعرض لقصة فقدانها للذاكرة، وما تداوله الأطباء عن حالتها النفسية، ووجوب ابتعادها عن الحياة القلقة المزعجة، بعدما قدمت للعالم وقراها شخصيات روائية غرائبية، انتهت حياتها بالقتل أو الانتحار.
وكالعادة، حكى خلف جابر، رحلة اللاعب الأبرز حاليا في تاريخ مصر وربما الكرة العربية، محمد صلاح، واختار له عنوان "القادم من بلاد الياسمين" في مقاربة لرحلة "مو" الصعبة التي بدأت من الجذور في قرية نائية "نجريح" مرورا بالقاهرة في نادي المقاولين، وإلى نادي بازل في سويسرا، ثم إلى إيطاليا، وصولًا للازدهار والتوهج في نادي ليفربول الإنجليزي.
وعبّر عن القفزات الصعبة التي عبرها "صلاح" بعبارت تناسب طبيعة كل واحدة مثل "صلاح في تشيلسي ورحلة البحث عن مرمي" وكانت الحياة عليه في النادي الإنجليزي قاسية، اضطر للذهاب إلى نادي فيرونتينا في محاولة لتعديل المسار من جديد.
ويتناول حكاية شكسبير، بشيء من التشكك، يطرح شكوكًا ليثبت حكاية الأديب العالمي، يطرح أسئلة تجيب عليها البطلة التي اختارها ليحكي من خلالها حكايته الأسطورة العالمية، يقول "بدأت بيكون رحلتها حينما تساءلت أثناء إلقاء المحاضرة، هل يعقل أن تكون أعمال أدبية بهذه القيمة من نتاج رجل كانت حياته كحياة شكسبير؟".
وسرد حكاية شكسبير، مارًا على كل إنجازاته في الأدب والحياة، يقول "كتب عن الحكام وحياة القصور التي لم يعشها فقط، فهل كتب عنها بناء على السمع والتخيل فقط؟، كما كتب عن البلدان العربية دون أن يزورها"، ويحافظ على تيمة ثابتة لسرد القصة وهي الشك والتساؤل "كيف اتسع عقله لكل هذا، وهو لم يتلق تعليما أساسيًا؟".
وتناول حكاية طلال مداح، نفد من الألم ومجابهة المرض، وضع المطرب السعودي على خشبة المسرح، "اسمعهم طلال كذلك زمان الصمت، و سويعات الأصيل"، ثم ينتقل "ترنح وبدا على قلبه التعب، ذلك القلب الذي سبق وأن أجرى له في صيف عام 1998 عملية قسطرة ناجحة في مستشفى ونجلتون".
وعرج على رحلة المطرب الراحل بعناوين تتسق مع حكيه "اليتيم الطائف، هنا تفجر النبع"، "طلاح مداح في السينما، فشل بأمر دبلوماسي"، "كيف تحدى فنان العرب صوت الأرض".
ونجح في استخدام عنوان لسرد حكاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب إذ عنوان حكايته بـ "الصفقة، من يشتري ترامب"، مستشهدًا بوقائع تناسب شخصيته الغريبة والطريفة، حتى صدرو كتابه " كيف تعقد صفقة".
وسرد علاقته بالنجاح والفشل والنساء والاقتصاد، وصولًا للفصل الأخير الذي اختار له عنوان "الرئاسة بديلًا عن الإفلاس".